الوطن

تحرك الشارع العربي وحتمية سقوط اسرائيل

64 عاما على النكبة

تؤكد الصورة الجديدة التي رسمتها انتصارات قوى المقاومة منذ عام 2000 إلى اليوم، وعززتها التغيرات التي يشهدها المشهد الدولي، أن غرفة الإنعاش الغربية التي يقبع داخلها الكيان الصهيوني منذ 64 عاما، لم تعد قادرة على توفير شروط الحياة لمولود غير شرعي أنتجه تزاوج المصالح بين الغرب الاستعماري والفكر الصهيوني ويدعى اصطلاحا بإسرائيل.
وعلى مدار أكثر من ستة عقود من عمر النكبة الفلسطينية العربية متمثلة باحتلال فلسطين عام 1948 نجح المدافعون عن القضية الفلسطينية في خوض المعركة الأبرز، التي فرضت عليهم متمثلة بمعركة حماية التاريخ والهوية، واستطاعوا بجدارة عكست عمقهم الحضاري أن يخرجوا تاريخ المنطقة سليما من شرك الأسطورة الصهيونية وما نسجته من حكايات خرافية وبدع مختلقة، أراد من خلالها منظرو الصهيونية العالمية تزوير التاريخ وتبرير احتلالهم للأراضي العربية.
وتتردد الأسئلة اليوم في الدوائر السياسية والفكرية، حول قدرة الشرنقة الاستعمارية الغربية على حماية إسرائيل من رياح المقاومة، التي تهب عليها إذ يجد الكيان الصهيوني نفسه محاصرا بتصاعد قوة المقاومة اللبنانية، ومناعة الجبهة السورية والعزم على تحرير الجولان ومزارع شبعا من الشمال، ونزعة التحرر لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وانفتاح المشهد السياسي المصري في الجنوب، وترهل اتفاقات أوسلو ووادي عربة في الشرق، إضافة لقوافل التضامن الدولي التي تراودها رغبة حقيقية بالرسو مع مساعداتها ومتضامنيها على ساحل فلسطين المحتلة من الغرب.
وساعدت التطورات السياسية التي شهدتها المنطقة العربية منذ عام 2000 لصالح القوى الوطنية، في كشف ملامح الخطة البديلة، التي يعتمدها الغرب الاستعماري للحفاظ على مصالحه ونفوذه والتمسك بما أبقته السنون من إرث النكبة وبعدها النكسة، متمثلا بإسرائيل والأنظمة الرجعية المكلفة حمايتها، فكان العنوان الأبرز استهداف القوى الوطنية عسكريا وإعلاميا واقتصاديا وتكريس كل الإمكانيات لإسقاطها.
ولا يخفى على أحد أن اصطناع إسرائيل ودعمها بالسلاح والمال والغطاء السياسي وزرعها في قلب المنطقة العربية، لم يكن سوى تجسيد حقيقي لرغبة الغرب في الحفاظ على مصالحه في المنطقة، من خلال استنزاف طاقاتها في صراع طويل ومكلف، يبقي التنمية البشرية والاقتصادية مطلبا بعيد المنال، ويحول المنطقة إلى سوق استهلاكية لما يصدره لها الغرب ومصدر للمواد الأولية الرخيصة، وينهك قواها الوطنية حتى يتسنى لهذا الغرب التدخل في شؤون شعوبها كلما احتاج لذلك.
وعندما لمس الغرب أن الرهان على تسعير الصراع العربي الإسرائيلي والالتزام بأمن إسرائيل ودعمها سيصبح بلا جدوى، في ظل تمكن بعض القوى الوطنية العربية من تجاوز مفاعيل نكبة فلسطين واتفاق سايكس، عبر تطوير بنى اقتصادية وفكرية وعسكرية قادرة على تطويق إسرائيل وتحجيمها، اندفع مجددا لتكريس سيطرته على المنطقة ورفع درجة تدخله إلى مستوى أكثر خطورة، استمد زخمه من مزاعم الحرب على الإرهاب التي قادتها الولايات المتحدة عقب أحداث الـ11 من سبتمبر، أسفرت عن احتلال إفغانستان والعراق، والاقتراب أكثر من سورية وإيران كأحد الاطراف الحاملة لمشروع المواجهة والمقاومة، للضغط عليهما، وتتويج كل ذلك بالاستهداف المباشر لهما وتوجيه الضربات لقوى المقاومة التي تستمد قوتها من دعمهما.
ويرى متابعون للشأن السياسي الدولي أن الغرب الرأسمالي، الذي يرزح تحت وطأة أزماته الاقتصادية العميقة، يسعى جاهدا لنكبة عربية جديدة تحول الأنظار مؤقتا عن ضعفه، وتعطيه متسعا من الوقت لإعادة ترتيب أوراقه، مؤكدين أن عناوين هذه النكبة الثانية تتمثل بتغييب الشعور الوطني والقومي واستبداله بالغرائز العقائدية، وإشغال العرب بصراعات جانبية تزيدهم تقسيما وتشغلهم عن الصراع مع إسرائيل، ولذلك قامت واشنطن وأتباعها باستئجار شرذمة من تجار المواقف السياسية من أشخاص لاستهداف القوى الأصيلة في المنطقة وإسقاطها عبر الفوضى الأمنية والسياسية.
وتعيد حالة الفوضى السياسية التي تقودها الولايات المتحدة وإسرائيل وأتباعهما في العالم العربي إنتاج ظروف مشابهة لتلك التي سادت المنطقة مطلع القرن الماضي، وأسفرت عن احتلال فلسطين عقب رسم خطوط تقسيمية وهمية كرسها اتفاق سايكس بيكو بالقوة، لتشكل الغطاء الوحيد لتنفيذ وعد بلفور واحتلال فلسطين ما يدعو العرب لإعادة النظر فيما يجري وربط الأحداث بمسبباتها ونتائجها، ليعلموا أنها لن تأتي بالخير إلا لإسرائيل، وربما تتسبب بتشريد وقتل مئات آلاف العرب وليس الفلسطينيين فقط، وتدمير البنى الوطنية التي كلفت الأمة عشرات السنوات من العمل المضني والتضحيات. ولا أدل على ذلك مما يحصل الآن في ليبيا والسودان واليمن وما حصل سابقا في العراق. ويعلم الفلسطينيون والعرب أن احتلال فلسطين لم يكن نكبة فلسطينية فقط بل نكبة عربية وإسلامية تحمل تبعاتها كل عربي ومسلم، ولذلك فإن دعم الشعب الفلسطيني في نضاله ضد الاحتلال الإسرائيلي واجب قومي وليس هبة من أحد. كما أن التصدي للهجمة الغربية الشرسة الموجهة ضد الدول والتيارات السياسية والفكرية المقاومة.
وفي الطريق إلى الحرية وإسقاط النكبة واستعادة الكرامة العربية، التي تنتهك على أرض فلسطين وبينما تقبل على الأمة الذكرى الرابعة والستون لنكبة فلسطين في الخامس عشر من ماي يستحضر السوريون ومعهم العرب الشرفاء ذكرى شهداء حرب الإنقاذ عام 1948 وعدوان عام 1967 وحرب تشرين التحريرية ومعارك الشرف في لبنان منذ عام 1976 وصمود الأهل في جنوب لبنان وفلسطين المحتلة والجولان المحتل، ليكملوا الصورة اليوم بأن محاربة الأعداء وإسقاط فكر النكبة وثقافة التخاذل والخيانة، لا تقل أهمية عن المعركة الكبرى لتحرير الأرض، وأن التخلص من سلاسل العمالة وأثقال المتآمرين سيجعل الهدف الأسمى أكثر قربا، وقدرتنا على الوصول إليه أكبر.

من نفس القسم الوطن