الثقافي

الكاتب أبو عبد الله الوهراني شخصية جزائرية منسية يعاد انتشالها

في قالب سلسلة مسرحية للفلسطيني غنام

 

اعتمد المسرحي الفلسطيني غنام غنام في سلسلة نصوص مسرحية جاءت بعنوان "آخر منامات الوهراني ــ حلم مسرحي فرجوي في عشرة تجليات" صدرت له مؤخرا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، على الغوص في التاريخ وانتشال احدى الشخصيات الجزائرية التي طواها النسيان وهي شخصية الاديب الوهراني أبو عبد الله محمد بن محرز بن محمد الوهراني، الشهير في الكتابة في فن المنامات والمقامات والرسائل، غير انه اصطدم بالعديد من الانتقادات من خلال الصياغة واختيار الشخصيات وغيرها.

وضمن سلسلة مسرحية تقع على 187 صفحة من القطع المتوسط، حرص المؤلف على بناء مسرحية في قالب اللعب المسرحي، تتناول اساسا هموم وأفكار وطموحات الوهراني التي عايشها منذ مئات السنين، صانعا منها عملًا مسرحيًا مازال نابضًا قلبه حتى الآن وكأنه بيت البوم، حيث اعتمد غنام في نصه على التاريخ وما ورثه منه وعلى الواقع الذي يعيشه اخذا من كل منهما المادة الحية لكن بطريقتين مختلفتين تمثلت الاولى في الاستلهام ومحاولة إعادة الصياغة اما الثانية في النقل الحرفي، اما عن سبب اختياره لشخصية الوهراني فجاءت لأنه غير مشهور مثل نجم لذا أخذ عنوان النص من اسمه، أما هو فعبد القادر مغدير هو أبو عبد الله محمد بن محرز بن محمد الوهراني نسبة إلى وهران التي تقع بغرب الجزائر، ولعل ما أشهر الوهراني هو منامه الذي حاكى فيه أبا العلاء المعري في رسالة الغفران، حيث جمع الوهراني في المنام ألواناً من المزاح فتخيل مثلاً أن يوم القيامة قد أتى وأنه خرج من قبره إلى ساحة العرض حيث أرض المحشر فوجد ممن عرفهم وعاصره فيخسر منهم جميعاً وذكر ما قد حسبوه عليه، وقد ركز على المنام الكبير ونفذ منه إلى فساد المجتمع عبر تطويع السخرية والهزل فمنها أنه تناول وقائع المنام على لسان بغلة، حيث استنطق بغلة الوهراني في نصه هذا، في قلب مشاركة من جمهوره الفرجوي بمتابعة جوقة من فرقة موسيقى، يغنون مع توافد الجمهور، ونصه عموماً يقوم على الحيلة المعروفة التي استخدمها الكثير من كتاب المسرح وخاصة العرب في نهايات القرن العشرين وهي حدوث المقابلات الشخصية، وشخصيات آنية قصد من خلل تفعيل النص محاكمة الحاضر وخير مثال على ذلك هو نص المهرج محمد الماغوط، لكن السلسلة النصية لاقت العديد من الانتقادات كان اولها ان الكاتب لم يبني نصه على شخصية تاريخية معروفة وانما على أشخاص عاديين غير معروفين امثال الوهراني نفسه فهو شخص غير مشهور، كما أنه في كثير من سرد النص يستنطق بغلة الوهراني الشهير تأخذ دوراً رئيسياً في العملية السردية، مما يجعل المتلقي لا يندفع مع الحدث من منطلق تاريخي بل يستغرق في التفكير بما طرحت من عملية جدلية السرد، فهي بذلك مفتوحة على التأويل، والإغناء والإثراء مفتوح على كل نوافذ الحلم والحرية على امتداد الوطن العربي، كما أن المدقق من خلال السرد سيكتشف بسهولة أن شخصية الوهراني هي شخصية الكاتب نفسه، حيث إن كلاهما خرج من وطنه، وكلاهما يحاول أن يلقي الضوء على العيوب التي تفشت في مجتمعه كل حسب زمانه غير أن الكاتب يشير إلى أنه حتى في زمن الوهراني وحدوث الفساد حينها إلا أنه يشير إلى أنه قد كانت أحسن حالا حيث تحققت بعض الانتصارات، وبالتالي أفضل من أيامنا هذه، كما يجد المتلقي أثر الدين قد بث في حنايا النص، وإن كنا نعاني عربيا من أثر تلك الجماعة التي تحاول احتكار الدين، فالكاتب يحاول أن يستعير الأدوات إلا أنه يتناولها في إطار معرفي، ويلقي الضوء من خلال المعرفة على بعض ما نعاني ويعود ذلك لتشبع الكاتب من الموروث الديني ليستفاد منه في إطار الدراما، ولعل الاستخدام المخفف من عناصر الدين تجعل منه استخداماً مشروعاً خاصة إذا ما كان هذا المستخدم على هذا النحو المخفف جزءاً من التراث أي من الثقافة العامة، وككثير من العروبيين نجد أن الكاتب يقابل بين المتناقضات في إطار ما هو ماثل حالياً من تنافر مجتمعي وما كان عليه المجتمع العربي من قبل من حالة من التماسك.

ليلى. ع

من نفس القسم الثقافي