الثقافي

بين تذكير بأفضال مصر على الجزائر والأزمة الكروية.. الأدباء المصريون يدافعون عن أدبهم

استنكروا بشدة تصريحات الروائي الجزائري رشيد بوجدرة

 

 

أثارت تصريحات الروائي الجزائري رشيد بوجدرة -التي اطلقها ضمن فعاليات المؤتمر الدولي للأدب وكتاب الشباب، الذي انطلقت فعالياته منذ يومين ومن المرتقب ان تستمر إلى غاية 20 من جوان الحالي- استياء وغضب العديد من الادباء المصريين، بعدما قال على هامش ندوة تكريم للروائي والأديب العالمي الراحل غابريال غارسيا ماركيز، بأنه لا يوجد ادب بمصر وذلك ضمن حديثه عن غياب حركة نقدية عربية تواكب ما يكتب، وإن الموجودين ليسوا سوى صحفيين يتحدثون عن الأدب، السينما، المسرح والفن التشكيلي دون تخصص.

وعندما طالبه الشاعر المصري سمير درويش - في أولى المداخلات- أن يشرح ما قال بشكل موسع، مستنكرًا ما قاله عن الأدب المصري، وما قاله عن ماركيز أيضًا، قال رشيد بوجدرة إنه لا توجد رواية في مصر، فالروايات التي يكتبها المصريون محلية لا علاقة لها بالرواية المغاربية أو العالمية، وإنه لا يوجد بها شعر كذلك، فالشعر موجود في بلاد الشام، مشيرا إلى أن المصريين متميزون في القصة القصيرة فقط.

أحكام عبثية ولا يقينية

 

وقال الشاعر المصري سمير درويش إنه لا يجب تصوير الأمر بأنه حرب بين الكتاب المصريين والجزائريين، فكلنا ننتمي لثقافة واحدة نصب فيها جميعًا إبداعاتنا، وليس لومًا للرجل، فله رأيه في النهاية، ولكن ما يلفت النظر هنا أنه يتحدث دون ذكر أدلة ولا أسباب، كأن تقول: محمد ليس نبيًا، وتصمت، مضيفا درويش بانه يعتقد أن هذه الأحكام الكبيرة القاطعة، فضلًا عن عبثيتها ولا يقينيتها، فإنها لا تقال في معرض الكلام هكذا، مستعرضا في سياق كلامه عدة اسماء لروائيين مصريين عالميين، على غرار نجيب محفوظ وصنع الله إبراهيم وإبراهيم أصلان وجمال الغيطاني وإبراهيم عبد المجيد وعشرات الأسماء الأخرى من أجيال متعاقبة، وفيها روايتان ضمن أفضل مائة رواية في التاريخ الإنساني كله رغم حداثة عهدها، مضيفا لنه يقول إنه ليس بمصر شعراء في حين أن المصريين هم من أحيوا الشعر بعد موته البارودي وشوقي وحافظ، وفيها أفضل من كتب قصيدة التفعيلة بشهادة الشعراء والنقاد، صلاح عبد الصبور، وهناك أمل دنقل وحلمي سالم، وعشرات الشعراء من أجيال تالية لهم منجزهم الحقيقي، الأمر ليس عرقيا ولا قبائليا، هو فني، يخص حساسية قول أشياء من هذا القبيل، متابعا بان ما قاله بوجدرة ليس اختراعًا، فكثيرون غيره يقولونه في بعض الدول العربية في محاولة لإظهار أن الأدب ليس في مصر فقط كما كان قديمًا، ونحن في مصر نعلم أن الأدب ليس في مصر فقط، ونحن نقرأ الطاهر وطار ومحمد بنيس ومحمد شكري ومحمود درويش وسميح القاسم وهدى بركات وبول شاؤول وحيدر حيدر وحنا مينة ومريد البرغوثي وكاتب ياسين ومالك حداد ومحمد ديب وواسيني الأعرج وأنسي الحاج وأدونيس وعشرات غيرهم.

أزمة "دكاكين الثقافة" المصرية

 

كما قال الشاعر صلاح اللقاني ان أخطر ما يمكن أن نرد به على قول الروائي الجزائري رشيد بو جدرة، هو تبني موقف "شوفيني" متعصب من الموضوع مثلما تصرفنا في موضوع مباراة الكرة المشئوم الذي استنفر أحط ما فينا وفيهم، مضيفا بانه يبقى الرد بسؤال "ماذا قرأ بوجدرة من أدب مصري ليكون حكمه عليه هو ما سمعه الشاعر سمير درويش، وما معنى أدب عالمي وشعر عالمي ورواية عالمية ؟ لماذا لا يتحدث عن أدب إنساني يجد فيه الشخص عذابه ومعاناته أينما يكون مهما كان موضوع الكتابة مغرقا في محليته ؟ هكذا كان هوميروس وفيرجيل وسيرفانتس وشكسبير وبودلير ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وإدوار الخراط وطارق إمام وصلاح عبد الصبور ومحمد عفيفي مطر وجمال القصاص ومحمود دياب وغيرهم، وتابع اللقاني "أما سؤال الأسئلة فهو عمن يمثلون الأدب المصري والثقافة المصرية في المحافل الدولية؟، إن مراجعة للأسماء التي يرسلها اتحاد كتاب مصر المأسوف على وجوده لتمثيلنا في الخارج، ومن ترسلهم لجنة الشعر وغيرها من دكاكين الثقافة المصرية الفاسدة لتمثيل الشعر المصري عالميا تجعلنا نبكي دما".

تذكير بدور المثقفين المصريين في محاولات التنوير

 

بينما قال الكاتب علاء الديب إن تصريحات بوجدرة، تعد نوع من أنواع الأحكام العامة التي لا يصح أن تصدر عن مثقف، فهو يتجاهل دور مصر والمثقفين المصريين ودور القاهرة وكل محاولات التنوير التي قامت بها العاصمة المصرية في العالم العربي، مشيرا بأن المدرسين المصريين في المدارس الجزائرية حملوا معنى الحضارة المصرية داخل القومية العربية، مؤكدا أن الكُتاب والأدباء المصريين لم يعانوا يوما من ازدواجية اللغة مثلما يحدث مع الكتاب الجزائريين الذين يكتبون بالفرنسية.

اتهامه بنكران الجميل

 

من جانبه هاجم الروائي السيد الخميسي تصريحات بوجدرة ووصفها بأنها نكران لجميل مصر على كل الشمال الإفريقي، مضيفا في سياق منه على الشعب الجزائري بانه لا يمن على بوجدرة وإنما يذكره بجميل اعترف به قادة الثورة الجزائرية، ومن ينسى البطل هواري بومدين وموقفه عندما زود مصر عبد الناصر بعد 67 بكل الطائرات التي تملكها الجزائر ووقف بشجاعة في وجه التهديد الأمريكي، ليست القصة القصيرة فقط كما تزعم، صحيح عندنا إدريس والمخزنجي وغيرهما من النابغين وعندنا أيضا المويلحي واضع بذرة الرواية العربية الحديثة ولن أقول لك نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم والمازني وعائشة التيمورية وروائيين محدثين وشعراء كبار مثل صلاح عبد الصبور وحجازي ومحمد عفيفي مطر.

تجربة إنسانية وإبداعية كبرى

 

من جانبه، قال الناقد حسين حمودة بان تصريحات بوجدرة تتطلب اولا وقتا كبيرا للتصديق بانها خرجت من لسانه ثم بذل جهد كبير لاخذ الكلام بجدّية، ثم علينا ثالثا، أن نفكر كيف يمكن أن نفسر هذا الكلام، وهل نردّ عليه أم لا؟، مضيفا في سياق كلامه ربما تكون الثقافة المصرية قد تراجعت في العقود الأخيرة، وربما يكون النقد المصري قد انحسر دوره خلال هذه العقود، ولكن المؤكد أن الأدب المصري، الروائي والقصصي بوجه خاص، ظل يمثل- طيلة قرن كامل من الزمن- تجربة إبداعية عربية وإنسانية كبرى، وهذه حقيقة يصعب الاختلاف عليها بين المنصفين أو العقلاء"، وأضاف حمودة أن كلام بوجدرة يحيّرنا في أي سياق يمكن أن ندرجه؟، لا مجال هنا للتعصب الإقليمي الذي يمكن تفهّمه في دائرة كرة القدم وليس في عالم الأدب، ولا مجال هنا لالغيرة الإبداعية الفردية التي يجب ألا تذهب إلى هذا الحدّ من الإنكار والتجاهل لتجارب المبدعين الآخرين، ولا مجال هنا لردّ الفعل لتكريس دور مصر، الأخ الأكبر أو الأخت الكبرى، بين البلدان العربية، على مستويات أخرى خارج تجربة الأدب، ثم لا مجال هنا للبحث العبثي عن حضور زائف عن طريق تصريحات جهيرة وطنّانة وصادمة هي، البداية والنهاية، نوع من الضجيج الأجوف، لماذا علينا أن نبذل كل هذا الجهد في تصديق هذا الكلام عن الأدب المصري ثم في الردّ عليه؟، ثم لماذا يجب علينا أن نقع في كل هذه الحيرة من أجل تفسيره، معتقدا أنه من الأجدر للكتاب المصريين ألا ينقادو إلى الخوض في هذه الأرض الضحلة، والقفز فوق هذا النوع من الفخاخ، وأن يوفرو على أنفسهم هذا الجهد وهذه الحيرة كي يقومون بأشياء أكثر جدية وأكثر جدوى؛ منها أن يستمتعون بالأدب، والاستفادة منه أيّا كان موطنه- مصريا أو جزائريا أو عربيا أو إنسانيا- وأن ننأى بأنفسنا عن ألاعيب الغيرة الشخصية، وعن غوايات الإنكار، وعن حيل البحث عن حضور زائف، وعن كل آفات التعصب".

العلاقات بين الشعبين لن تتأثر

 

وأخيرا قال الناقد الدكتور هيثم الحاج علي بان هذا الكلام لا يرد عليه، ولا أريد أن أقول أن الجزائر أدبها مهدد بين الأدب العربي والأدب الفرنسي، ولا يجوز لشخص متهور، لمجرد أزمة "ماتش كورة" مررنا به، أن يحكم على مصر بأنها ليس بها أدب، وأضاف عليبتنه يظن بأن هذا الرجل يتحدث عن نفسه، فالكثير من أصدقائنا الجزائريين من كتاب وروائيين على رأسهم "واسيني الأعرج"، يعترفون بأدب مصر، كما أن هذا الرجل يعبر عن تيار قليل جدًا يحاول أن يجد له جذور ثقافية فرنسية، وتابع قائلا ان هناك الكثير من الجزائريين الممسكين على الهوية العربية، يعترفون بدور مصر، ولا أريد أن أقول بأن لديهم ولاء لمصر، ولكن أقول بأن لديهم الكثير من الاحترام لمصر وآدابها وفنونها وثقافتها، وهذه الآراء الشخصية لا يمكنها أن تأثر على العلاقة الإيجابية بين الشعبين والثقافتين المصرية والجزائرية.

ليلى عمران

من نفس القسم الثقافي