الوطن

فرانسوا هولاند الرئيس الجديد لفرنسا

عودة الاشتراكيين و خروج ساركوزي بـ 51,8% ونسبة المشاركة بـ81%

حكمهم بعد الاستقلال تميز بتصاعد حنين "الجزائر الفرنسية"
**** الجزائر أسقطت حكم الاشتراكيين عام 58 وتسببت في قيام الجمهورية الخامسة

لطالما كانت الجزائر محورا أساسيا في سياسات الحزب الاشتراكي في فرنسا، وبدا هذا الارتباط جليا على الأقل في النصف الثاني من القرن الماضي فضلا عن العشرية الإولى للألفية الثالثة، حيث اندلعت الثورة التحريرية المظفرة أيام حكم الحزب الاشتراكي الفرنسي وكان حينها الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتيران وزيرا للداخلية.
والمتمعن في تاريخ الاشتراكيين الفرنسيين والجزائر يلاحظ أن الجزائر كانت السبب الرئيس بل والوحيد لخسارة الاشتراكيين الحكم في فرنسا عام 1958، وكانت الجزائر سببا في منعرج هام في تاريخ الجمهورية الفرنسية، ألا وهو سقوط الجمهورية الرابعة إبان حكم الاشتراكيين وقيام الجمهورية الخامسة في أكتوبر 1958، بعد الانقلاب الذي قاده العسكر الفرنسي بسبب الثورة التحريرية الجزائرية في ماي 1958 واستنجاد الرئيس الفرنسي آنذاك ريني كوتي بالجنرال دوغول، واستمر على إثرها حكم اليمين الفرنسي إلى غاية 1981 بعد أن حكم كل من الجنرال دوغول وفاليري جيسكار ديستان.
وعاد حكم الاشتراكيين في فرنسا في رئاسيات 1981 حين فاز مرشحهم فرانسوا ميتيران ضد مرشح اليمين فاليري جيسكار ديستان، وحينها عرفت العلاقات الجزائرية الفرنسية مطبات عديدة أهمها موقفه من ملف الصحراء الغربية الذي كان متحيزا وبشكل فاضح لأطروحات ورؤية المخزن المغربي، وعلى صعيد الهجرة وخاصة الجالية الجزائرية، كانت سياسته متناقضة، حيث أعلن عن ترحيبه بالأجانب على التراب الفرنسي وخاصة الجزائريين، لكنه بالمقابل استمر في سياسة الإيواء المنظمة للمهاجرين وخصوصا الجزائريين داخل مراكز خاصة، وبذلك واصل سياسة اليمين التي انتهجها سابقوه في قصر الإيليزيه.
ولعل أبرز ما ميز فترة حكم الرئيس الفرنسي الاشتراكي فرانسوا ميتيران هو احتفالاته عام 84 بما سمي "الذكرى الـ 30 للمجازر المرتكبة في حق الفرنسيين الذين تم إبادتهم من طرف الارهابيين العرب في الجزائر"، وهو ما اعتبره الملاحظون حينها بمثابة شرارة أعاقت أي مصالحة بين الجزائر وفرنسا، فضلا عن انتهاجه سياسة ممجدة لقدماء المحاربين الفرنسيين والذين دافعوا عنها خصوصا في الجزائر وعمل على سن قانون صادقت عليه الجمعية الوطنية الفرنسية يرد الاعتبار لهم، وأعاد حنين الفرنسيين المدافعين عن فكرة "الجزائر فرنسية"، وذهب أبعد من ذلك حينما تمت المصادقة على قانون عفو عام للعساكر الفرنسيين والأقدام السوداء المشاركين في الهجمات الإرهابية للمنظمة السرية الإرهابية الفرنسية "أو أ أس" عشية الاستقلال عام 1962، وهو ما جعل المراقبين للشأن الجزائري الفرنسي يعلقون بالقول إن فرانسوا ميتيران كان اشتراكيا يساريا بسياسة يمينية ديغولية في تعامله مع الجزائر.
بعدها غاب الاشتراكيون عن الحكم خلال اشتداد الأزمة الأمنية في الجزائر بعد فوز مرشح اليمين جاك شيراك في انتخابات 1994، واستمر حكم اليمين إلى اليوم، حيث بدأ حكم الاشتراكيين من جديد بعد فوز هولاند على غريمه ساركوزي وبنسبة مريحة.
والملاحظ أن الرأي العام الجزائري وحتى بعض الرسميين على غرار عبد العزيز بلخادم أبدوا ميلا واضحا نحو مرشح اليسار فرانسوا هولاند، ووصل الأمر إلى توجيه الآفالان لدعوة رسمية لفرانسوا هولاند زار من خلالها الجزائر في ديسمبر 2010، ويعزى هذا الميل لسياسة اليمين المتراكمة منذ 94 تجاه الجزائر والتصريحات النارية لرموز اليمين الفرنسي ضد الجزائر.
وخلال الذكرى الخمسين لعيد النصر في 19 مارس الماضي قال مرشح اليسار فرانسوا هولاند إنه يريد وضع حد لحرب الذاكرة بين الجزائر على فرنسا، مشددا على ضرورة القيام بعمل مشترك بشأن الماضي لإنهاء حرب الذاكرة" من أجل "المرور إلى مرحلة أخرى لمواجهة التحديات المشتركة في منطقة البحر الأبيض المتوسط".
وفي عز الحملة الانتخابية للرئاسيات الفرنسية أوفد فرانسوا هولاند وفدا هاما من الحزب الاشتراكي الفرنسي إلى الجزائر تقدمه ناطقه الرسمي مانويل فالس، في خطوة اعتبرها المتتبعون بمثابة رسالة هولاند للسلطات الجزائرية حول طبيعة العلاقات في الفترة المقبلة، حيث صرح وفد الحزب الاشتراكي في ندوة صحفية بـأنه "جاء حاملا لرسالة من فرانسوا هولاند للجزائريين، رسالة صداقة ورسالة التغيير الذي هو شعارنا للرئاسيات"، وتابعوا "نحن ننتمي لجيل يعتبر بأنه من الضروري أن نطوي الصفحة ونؤسس لعلاقات بين فرنسا والجزائر ترتقي لمكانة البلدين".
وعلى الصعيد العربي اعتبر هولاند أن سياسة اليمين الفرنسي غير المفهومة والمتخبطة كانت تدعم الطغاة العرب من الحكام، وتقويهم على حساب شعوبهم وهو ما كشفته أحداث الربيع العربي، حيث كان ساركوزي صديقا حميما لبن علي والقذافي ومبارك، وصرح هولاند في هذا الإطار بأنه سيعمل على إعادة تأسيس علاقات جديدة مع العالم العربي حتى تمحى صورة دعم اليمين الفرنسي للدكتاتوريات العربية.
لكن ما يلفت الانتباه في سياسة هولاند مع العالم العربي أنه يعتبر من أكبر الداعمين لإسرائيل واليهود بشكل عام، حيث إن هولاند وساركوزي لم يلتقيا إلا نادرا، ومنها لقاؤهما شهر فيفري الماضي في اللقاء السنوي للمجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية الفرنسية المعروفة اختصارا بـ "كريف crif"، وتصافح الرجلان أمام عدسات المصورين والكاميرات، وهو ما يعني أن إسرائيل بالنسبة للمرشحين أمر مفصول فيه.

من نفس القسم الوطن