الوطن

هل سينجح الرئيس في تعبئة الشعب للانتخابات وإنقاذ إصلاحاته؟

بوتفليقة في ولاية سطيف 48 ساعة قبل موعد التشريعيات

يتجه الرئيس بوتفليقة قبل 48 ساعة عن موعد التشريعيات المقررة يوم 10 ماي في زيارة غير مسبوقة في هذا التوقيت، إلى ولاية سطيف في إطار زيارة عمل وتفقد، وينتظر أن يلقي خطابا شعبيا أمام مواطني ثاني أكبر ولاية من حيث عدد المسجلين في القوائم الانتخابية بعد العاصمة، وتعد الزيارة خطوة حاسمة يقدم عليها الرئيس لإنقاذ الإصلاحات التي يعول عليها للاستمرار في قيادة البلاد، خاصة بعد أن فشلت الأحزاب السياسية في تعبئة الشعب للانتخابات، فهل سينجح الرئيس في إقناع الجماهير بالتصويت؟
اختيار مدينة سطيف لإلقاء خطابه، لم يكن اعتباطيا بالنسبة للرئيس بوتفليقة، فهي ولاية تاريخية بالدرجة الأولى، ثم إنها الثانية من حيث تعداد السكان بعد العاصمة، فهي بذلك ثاني أكبر ولاية من حيث الهيئة الناخبة المقدرة بـ 19 مقعدا في البرلمان، كما أنها ولاية استفادت من مشاريع تنموية ولها فريق كرة قدم عريق آخر ما فاز به كان كأس الجمهورية التي سلمها له الرئيس نفسه، ولعل تحرك هذا الأخير لبرمجة زيارة عمل خارج العاصمة لم يأت جزافا، بل دعت إليه الحاجة الملحة لعبد العزيز بوتفليقة لتدارك الأمر وإنقاذ الانتخابات قبل فوات الأوان، فمرورها بسلام هو نجاح له وللإصلاحات التي لم يعارضها أحد، وهذا ما يعول عليه في آخر خرجة له قبل الانتخابات، وفي مدة لا تتجاوز 48 ساعة عن موعدها، سيلقي خطابا شعبيا أمام سكان سطيف قد يغير الكفة ويحقق ما عجزت عنه الأحزاب السياسية.
ومنذ خطابه في 15 أفريل 2011 وبعد مرور 13 شهرا عن إعلانه عن نيته في إجراء إصلاحات سياسية في البلاد، كانت رغبة الرئيس في تحقيق تغيير حقيقي بطريقة سلمية تفاديا لما وقع في بلدان الجوار التي مرت عليها رياح التغيير بفعل ما اصطلح على تسميته إعلاميا بـ "الربيع العربي"، ففي ذات الخطاب قال الرئيس يومها "ستجرى مراجعة عميقة لقانون الانتخابات، ويجب لهذه المراجعة أن تستجيب لتطلع مواطنينا إلى ممارسة حقهم الانتخابي في أوفى الظروف ديمقراطية وشفافية لاختيار ممثليهم في المجالس المنتخبة"، وهو ما تم فعلا حيث صدر قانون للانتخابات حمل الكثير من الجديد على غرار لجنة للإشراف القضائي، ثم قانون للأحزاب الذي أفرز بعد صدوره عن ميلاد أزيد من 20 حزبا أعلنت كلها المشاركة في الاستحقاق المقبل، وفعلا كان ما قاله عن اتخاذ كافة الترتيبات لإنجاح الموعد الانتخابي قد تمت واستدعي له ملاحظون دوليون لضمان نزاهته، ولا يهم كم من القوانين صدرت بفضل إصلاحات الرئيس، لأن الإصلاحات تمر حاليا بأصعب مراحلها، ويعول كثيرا على أول موعد انتخابي بعد صدور القوانين الجديدة، فالتشريعيات يعتبرها بوتفليقة والمراقبون وحتى المجتمع الدولي اختبارا حقيقيا لمدى نجاح مشاريع الإصلاحات، فإذا ما نجحت في امتحانها الأول فهذا بشرى خير للقوانين المتبقية على ومسار الإصلاح وخاصة الإصلاحات الدستورية وما تبقى من قوانين على غرار قانون الإعلام.
لكن رئيس الجمهورية في ذات الخطاب كان قد وجه رسائل للأحزاب السياسية لتنظيم نفسها "فعلى الأحزاب أن تنظم نفسها وتعزز صفوفها وتعبر عن رأيها وتعمل في إطار الدستور والقانون حتى تقنع المواطنين وبالخصوص الشباب منهم بوجاهة برامجها وفائدتها "،لكن ما ظهر في الميدان منذ انطلاق الحملة الانتخابية حتى اليوم، لا يؤكد بأن الأحزاب تمكنت من استغلال الوقت القصير الذي أتيح لها وأنها لم تستطع أن تكون في مستوى تطلعات الشعب والرئيس، حيث اتضح من خلال متابعة يوميات الأحزاب التي تتحرك يمينا وشمالا لشرح برامجها، أنها عوض أن تقرب الجماهير منها عملت عكس ذلك، فالشعب زاد نفورا من خطابات السياسيين وأعلن تمرده العلني عن كل ما يرمز للانتخابات والسياسة، فلا ملصقات المرشحين سلمت من التمزيق، ولا حتى زعماء الأحزاب الذين طردوا من بعض الولايات بعد رفضهم من قبل جموع المواطنين، فلا بلخادم استطاع أن يقنع الجزائريين بأن حزبه "الحاكم" منذ 50 سنة، يمكنه أن يجلب الرخاء لهم، ولا أويحيى الذي يتزعم حكومة أثبتت فشلها في حل أزمة البرد والكهرباء والاحتجاجات اليومية، وحتى الانتحار حرقا على طريقة البوعزيزي في تونس، تمكن من إعطاء الحملة الانتخابية نوعا من الحرارة والتجاوب من قبل المواطنين، أما الأحزاب الأخرى على غرار الإسلامية أو حتى الجديدة، فلم تتمكن من التعريف بنفسها، اللهم إلا البعض منها الذي كان معروفا لدى المواطنين وعاد بتسمية أخرى.
تشريعيات ماي 2012، اعتبرها بوتفليقة في خطابه يوم 24 فيفري الماضي في ذكرى تأميم المحروقات، وأمام جمع من العمال والوزراء والزعماء السياسيين، بأنها "فرصة تاريخية لا تقل أهمية عن أول نوفمبر 54"، وهنا تتبين قيمة الموعد الإستحقاقي يوم العاشر من ماي، فالرئيس يعول عليه لإعطاء مصداقية أكثر للإصلاحات، فمصداقية البلاد في الميزان كما قال، حتى أن تحليلات سياسية رجحت أنه ربما يستقيل إذا لم تنجح الانتخابات، فأنظار العالم متجهة نحو الجزائر، وربما كان ربيع عربي آخر يتربص بالبلاد، والمخرج لا يكون إلا بنجاح مسعى الإصلاحات، وهو الرهان الذي بقي لبوتفليقة، وفشل الأحزاب السياسية في تعبئة الجماهير جعله يتدخل من خلال هذه الزيارة المبرمجة لولاية سطيف، فهل سينجح الرئيس في آخر اللحظات قبل العاشر من ماي في إقناع الجزائريين بالمشاركة في الانتخابات لتجنيب الجزائر سيناريوهات مفتوحة الاحتمالات؟

من نفس القسم الوطن