الوطن

الجزائر أمام فرصة انتقال ديمقراطي بعيدا عن الضغط الفرنسي

بعد هزيمة اليسار في الانتخابات

 

شكلت نتائج الانتخابات البلدية في فرنسا نكسة انتخابية قاسية لليسار وللرئيس فرانسوا هولاند الذي تعرف شعبيته تدهورا كبيرا، وتعكس هذه النتائج رسالة واضحة للحزب الاشتراكي الحاكم مفادها عدم الرضا الشعبي على التورط الفرنسي المبالغ في السياسات الخارجية على حساب الداخل، في الوقت الذي تعرف فيه فرنسا أزمة اقتصادية خانقة وارتفاعا مشهودا في نسبة البطالة. 

 

كما تعتبر هذه النتائج بمثابة تنبيه لليسار بضرورة إعطاء الجبهة الداخلية حقها من الاهتمام لإنقاذ الحزب الاشتراكي الحاكم من خسارة محققة في المواعيد الانتخابية اللاحقة وأهمها رئاسيات 2017.

وعزز اليمين المعارض في فرنسا موقعه في الجولة الثانية من الانتخابات البلدية بعد حصوله على 45.91 %من الأصوات مقابل 40.57 % لصالح اليسار الحاكم، فيما جاء اليمين المتطرف في المرتبة الثالثة بـ 6.84 % من الأصوات، وذلك حسب النتائج الأولية. حيث فقد اليسار العديد من المدن البارزة، مثل كامبير ودانكيرك وليموج وتولوز، رابع كبرى مدن فرنسا، والتي تعرف بتصويتها التقليدي لصالحه، وبلغت نسبة الامتناع عن التصويت في الجولة الثانية 38 % أي أكثر بكثير مقارنة بالدورة الأولى التي بلغت 35.38 %. وفي باريس، فازت المرشحة الاشتراكية بمنصب رئيس بلدية باريس بصعوبة بالغة بعد تنازل زميلها في الحزب برتران دولانويه المعروف بصداقته للرئيس بوتفليقة، حيث حصلت هيدالغو على 54.50 % وتكون هيدالغو بهذا أول امرأة تتولى رئاسة مدينة باريس في تاريخ فرنسا.

إن هذه النتائج تحمل دلالات بالغة وقوية وعلى الجزائر استخلاص الدروس منها، فهي تشكل فرصة كبيرة للنخب السياسية في الجزائر لرسم سياسة وطنية خالصة بعيدا عن أي تدخل خارجي من أي جهة كانت بغية تفعيل مسار الانتقال نحو الديمقراطية في البلاد، وتهيئة الجو المناسب لذلك، خاصة وأن فرنسا الرسمية التي تعتبر فاعلا مؤثرا في الحياة السياسية الجزائرية وركنا شديدا يأوي إليه ويستقوي به البعض في الاستحقاقات المصيرية للبلاد، هي مقبلة على حالة من الانطواء والانشغال بترتيب البيت الداخلي على ضوء الهزيمة القاسية التي مني بها اليسار الحاكم بشكل يهدد وجوده في الحياة السياسية الفرنسية إن لم يتدارك الوضع. كما أن انتكاسة اليسار تجعل فرنسا تعيد حساباتها من جديد بشأن سياستها الخارجية خاصة في إفريقيا وبالخصوص منطقة شمال مالي التي شهدت تدخلا فرنسيا عسكريا دفعت من خلاله الكثير من الناحية المادية والبشرية ولقي معارضة كبيرة من الداخل الفرنسي خاصة من طرف اليمين، وها هو فرونسوا هولاند يدفع نفس الخطأ الذي سار عليه سابقه نيكولا ساركوزي ودفع ثمنه بفقدانه كرسي قصر الايليزي عقب فقدانه شعبية كبيرة ومصداقية أكبر على خلفية التدخل العسكري في ليبيا. ما يحصل في الداخل الفرنسي يصب في اتجاه الجزائر ودول الجوار خاصة ليبيا ومالي وذلك لتأثيرهما المباشر على الوضع الامني في الجزائر والمنطقة ككل .

 

محلّلون: تراجع اليسار في فرنسا يفقد بوتفليقة ورقة دعم خارجي

 يعتقد محللون سياسيون في الجزائر أن تراجع اليسار الفرنسي مقابل صعود اليمين في الانتخابات البلدية، يؤكد بأن الرئيس يوتفليقة خسر حليفا مهما في دعمه في انتخابات الرئاسة، بينما يرى البعض الآخر أن الدور الفرنسي في الاهتمام ببعض الملفات كمالي، افريقيا الوسطى، وغيرها، سيتراجع بسبب تراجع اليسار ، وهذا سيقوض دور المغرب في منطقة الساحل، في حين يقول ناشطون سياسيون بأن اليمين أو اليسار كلاهما يلعب ورقة المصالح مع الجزائر.

وبرأي الأستاذ في الإعلام عبد العالي رزاقي، فإن من آثار نتائج الانتخابات البلدية في فرنسا أنها أبعدت اليسار الفرنسي عن الساحة الداخلية للبلاد، وهذا من جانب آخر يجعل دعمه لبوتفليقة يتضاءل، فصعود اليمين يعني غياب ورقة فرنسا في دعم العهدة الرابعة مقابل ترك المكان للولايات المتحدة الأمريكية وقطر للعب نفس الدور، وحسب رزاقي فإن محيط الرئيس كان يعول على دعم فرنسي لكن أن يتراجع اليسار فإن الرئيس هولاند الذي يعد صديقا للرئيس بوتفليقة، قد يتجه باليسار إلى الاهتمام أكثر بالداخل، كما أن اليمين الفرنسي معروف عليه أن له سلطة معينة ورؤية ضيقة أكثر، وسيؤثر ذلك على المهاجرين في فرنسا، أما فيما يتعلق بالحضور الفرنسي في مالي وافريقيا الوسطى وبعض القضايا الأخرى، فيرى رزاقي أن الدور الفرنسي إن تراجع في مالي فهذا سيجعل المغرب يتراجع بفقدانه لدعم كبير كفرنسا.

من جانبه يرى المحلل والناشط السياسي مسعود عظيمي أن الرئيس فرانسوا هولاند قد خسر رهان الداخل الفرنسي في هذه الانتخابات، فالنتائج تظهر أن صعود اليمين هو تغيير للناخب الفرنسي في موقفه من سياسة اليسار بقيادة هولاند، ولهذه النتائج آثار داخلية وخارجية، فبالنسبة للجزائر، يمكن أن يؤثر صعود اليمين على العلاقات بين البلدين خاصة في ملف الهجرة، ويتضح التوجه اليميني من خلال تصريحات مارين لوبان ( الجبهة الوطنية )، فاليسار متساهل مع الأجانب مقارنة باليمين المتطرف، لكن هذا لا يعني أن اليمين لا تهمه مصالح فرنسا في الجزائر، ويعتقد عظيمي أن الشأن الداخلي الفرنسي لا يمكنه أن يؤثر على سياسة فرنسا الخارجية خاصة مع الجزائر، 

إلى ذلك، يرى المؤرخ والناشط السياسي أرزقي فراد أن صعود اليمين وتراجع اليسار في فرنسا لا يعني تغيير فرنسا لسياستها الخارجية، لكون الفرنسيين يضعون المصلحة العليا للبلاد فوق خلافاتهم السياسية في الداخل، وهذا الأمر معناه أن تراجع اليسار لن يؤثر في التعاطي مع ملفات كبرى سواء فيما يتعلق بالوجود العكسري في مالي أو في افريقيا الوسطى، والدليل هو عدم تدخل اليمين في سياسة اليسار الخارجية.

محمد.د/ مصطفى. ح

من نفس القسم الوطن