الثقافي

مهمة الروائي هي اكتشاف مقدار الألم والتضحيات التي عاشها البشر وليس استعادة التاريخ

الروائي واسيني الأعرج يؤكد:

 

قال الروائي الجزائري واسيني الاعرج، في حديثه عن التوثيق التاريخي الذي يطبع روايته "سراب الشرق" بجزأيها "ذئب البراري" و"ستائر بروكلين"، وعن امكانية الأديب في انقاذ التاريخ من التزوير، بأن الروائي لا يستعيد التاريخ بل مهمته أن يعرف مقدار الألم والتضحيات التي عاشها البشر ولم يسبق له ان يعرفها، مضيفا ان علاقته بالتاريخ تنطلق من هنا واضعا جانباً كل المقدسات "فلا مقدس في الكتابة إلا الكتابة ذاتها وإلا فلا داعٍ لأن نكتب –حسبه-".

وأضاف واسيني في حوار اجراه مع جريدة الحياة اللندنية خلال سؤاله عن منظوره لمفهوم الجائزة الادبية العربية، قائلا بأن الجائزة هي في نهاية المطاف اعتراف نقدي جميل له أهميته، ولكن له حدوده أيضاً، مشيرا الى ان وجود الجوائز في حياة الاديب الثقافية العربية مهم، لكونه يحضّ على الكتابة إلى حد ما، وان المنافسة أمر جميل وكاذب حقيقة من يقول غير ذلك، لكن ثمّة إشكالية يجب توضيحها وهي ان الجائزة وعلى رغم قيمتها إلا انها لا تصنع أديباً، لأننا نتذكر الكاتب المميز فقط الذي تشكل له الكتابة رهاناً وجودياً حاسماً، وليس من تمكن من حصد اكبر قدر من الجوائز، فالجائزة حسب واسيني تمنح النصّ فرصة كي يستمر في الحياة، وتمنح الكاتب لحظة فرح سرعان ما ينساها ويعود إلى ما هو أهم وهو الكتابة، وفي سياق اخر اكد واسيني ما يشاع عن غزارة انتاجه في السنوات الاخيرة، مضيفا بأنه منذ مرضه تغيرت علاقته مع الزمن، إذ أصبح الموت الذي كان بعيداً أقرب منه. مشيرا الى انه يحمل العديد من المشاريع التي يحتاج إلى عمر موازٍ لإتمامها قائلا انه يسرق من نومه، راحته وأشواقه ليظل عميقاً في هذه الغيمة التي سكنها باعتبار الكتابة حلما مستمرا في الزمن ولا توقفه قوة إلا الموت، وفي نفس السياق قال واسيني بأن الموت سلطة قاتلة وخطرها هو أننا لا نستطيع حيالها أي شيء، مضيفا بأن أولئك الذين نراهم ونعيش معهم ونتنفس معهم الهواء نفسه ونقاسمهم الأسرار الصغيرة والكبيرة نظن أنهم خالدون مثلنا لأننا نحن أيضاً لا نفكر في الموت أبداً، وعندما نصاب بقوة في من نحب، أو فينا، بسبب المرض أو العاهة الخطيرة، تتغير الأشياء فجأة وتصبح الحياة على قيمتها الكبيرة، مجرد احتمال، وتتغير علاقتنا بالأشياء، وتصبح علاقتنا بالزمن تقاس بالكثافة لا بالمدة. مضيفا "يمكنني أن أحب امرأة لليلة واحدة ويرتسم حبها في مخيلتي إلى الأبد، ويمكنني أن أعيش مع شخص آخر عمراً بكامله من غير أن تعني لي هذه الحياة الشيء الكثير"، قائلا واسيني انه منذ ان أصيب بالأزمة القلبية تغير الزمن بالنسبة له، فأصبح يكتب اكثر قائلا ماذا لو مت يومها؟ مجيبا انه لن يحزن على شيء بقدر حزنه على ما كان في داخله من روايات كان سيحملها إلى القبر مثل «أشباح القدس» و«البيت الأندلسي» و«أنثى السراب» و«أصابع لوليتا»، وأخيراً «مملكة الفراشة»، اما في حديثه عن مضامين رواياته كالذاكرة قال واسيني بأن هذه الاخيرة ثقيلة ومعقدة جداً باعتبار ان الإنسان الذي يعيش فقط على ذاكرته إنسان ميت، وان الذاكرة في العالم العربي تحولت إلى استعارة لتبرير الهزيمة، مضيفا بأن ذاكرتنا العربية مليئة باللحظات الجميلة، ولكنها أيضاً محشوة بالتخلف المدقع، لهذا فأمر الذاكرة مرتبـط بالضرورة بنا وبإراداتنا إلى حد كبير، وقدراتنا على التخلص من أثقل ما يؤرقنا، ويجرنا إلى الخلف، مشيرا في نفس السياق الى ان تكريسه لحيز كبير للمرأة في اعماله الادبية جاء من منطلق انه عاش في وسط نسائي، لأنّ رجال العائلة إما استشهدوا أو التحقوا بالمقاومة في الجبال إبان الثورة، أو هاجروا طلباً للعيش والعمل في فرنسا، وانه رأى كيف تُسرق طفولة الصبايا وتكبر النساء بسرعة، وكيف تخلق النسوة وسائط العيش، وكيف يقاومن باستماتة الذكورية المتيبسة والظالمة، وفي ختام الحوار قال واسيني عند سؤال للصحفي عن ماذا اذا ما طلب منه تقديم النصيحة الى احد الروائيين الشباب بأنه لا يميل الى النصائح لأنّ في ذلك أبوّة لا معنى لها ومحكوم عليها بالفشل، إذ يمكن الابن أن يكون أحسن بكثير من أبيه، أو من ينتحل هذا المنصب لنصحه، ومع ذلك ثمّة أفكار عامة تمسّ الجميع، وربما الشباب أكثر لأنهم مقدمون على حياة طويلة ومهم التنبه لبعض المعضلات التي هي ثمرة تراكمات وليست نصائح. 

ل.عمران

من نفس القسم الثقافي