الثقافي

الحياة الثقافية في الجزائر رجل ميت يرتدي بدلة

الروائي الجزائري سمير قاسيمي:

 

شبه الروائي الجزائري سمير قاسيمي، الحياة الثقافية في الجزائر برجل ميت يرتدي بذلة، على اعتبار انقسام الحالة السردية في الجزائر إلى اصوات رسمية وأصوات خارج النص الرسمي، مضيفا أن أرباب الفئة الأخيرة هم من يتطورون، وان السياسة الثقافية في الجزائر هي التي أفرزت هذه الأسماء الرسمية، مشيرا إلى ان الدولة تضخ بلايين الدنانير للقطاع الثقافي، ولا تستفيد منها سوى شريحة ضيقة من الناشرين وذوي المحسوبية، بينما لم توفر تلك الأموال حياة كريمة لكاتب حقيقي واحد.

وقال قاسيمي في حوار اجراه مع جريدة الحياة اللندنية وفي حديثه عن مواجهته مع المؤسسات الثقافية في الجزائر بعد قرارها القاضي بمنع الناشرين المصريين من المشاركة في الصالون الدولي للكتاب في الجزائر العاصمة، انها كانت مواجهة حاسمة في حياته، مضيفا بان قرار محافظ معرض الكتاب انذاك إسماعيل إمزيان قد ادهشه، مضيفا ان اعتراضه على ذلك المنع كان نابعا من قناعته بأنه ليس من حق أحد أن يحرمه كقارئ من اقتناء الكتاب المطبوعة في مصر، باعتبار ان الدستور الجزائري يحمي حقه في المعرفة، مشيرا انه قد أصدر بياناً معترضاً على قرار المنع، مع جمعه لتوقيعات العشرات من الكتّاب والمثقفين، حيث كان البيان بمثابة رسالة لإصلاح ذات البين، إلى ان تكللت مجهوداته بالسماح للناشرين المصريين بالمشاركة، وفي سياق اخر ولدى حديثه عن تجربته الشعرية التي تحولت إلى السرد بعدها قال قاسيمي انه بدا كتابة الشعر في سن مبكرة، حيث كان يحمل تصوراً رومانسياً عن الوسط الثقافي، مضيفا انه بعد احتكاكه به اكتشف أنه على النقيض، وهو الأمر الذي نفّرنه منه، ودفع به إلى الاتجاه إلى أعمال حرة، قائلا انه عمل كبنّاء، ثم كتاجر، وكاتب في المصالح الحكومية لأولئك الذين لا يُحسنون الكتابة، ليعمل اخيرا كمصحح لغوي في الصحافة، وهو ما أتاح له الاحتكاك مجدداً بالوسط الثقافي، ووفر له فرصة للقراءة بغزارة، حيث دخل عالم الكتابة من باب الرواية بعدها، متأثرا برواية «الاحتقار» للإيطالي ألبرتو مورافيا، ليكتب روايته الاولى «تصريح بضياع» بالتشاور مع الكاتب والمترجم محمد عاطفي بريكي، وتابع قاسيمي بعدها الحديث عن روايته الاخيرة "الحالم"، قائلا ان الرواية انبنت في الأساس على فكرة أن ينعزل أحدهم في غرفة تحمل جدرانها مرايا، وافتراض بقدرة قادر استطاعته أن يحيا مدة 40 سنة، في هذه الحالة سينبثق سؤال: ألن يسأل ذلك الشخص نفسه إن كان هو الأصل أم أن أحد انعكاساته في المرآة هو الأصل؟ مضيفا ان الفكرة هنا تتناول الغرور الذي قد يصيب الإنسان بعد أن يحقق إنجازاً ما، حتى وإن كان ذلك الإنجاز كبيراً، هل يستحق أن ينعزل عن مجتمعه وعالمه ويلخص الحياة في نفسه ويتصور أنه سُرَّة العالم! مشيرا إلى ان حياة كاتب "ريماس إيمي ساك" كان أقرب نموذج حاول تخيله، وعند مقارنته بنفسه وجد انه يعكس نفس تصوراته عن الأدب، مضيفا بانه يؤمن بعدم وجود هرمية وتراتبية في الأدب، باعتبار الرواية مساحة مسطحة في نظره، لذلك كان ريماس إيمي ساك نقيضاً أو مقابلاً عكسياً لسمير قسيمي على صعيد الشخصية وحتى على صعيد ترتيب حروف الاسمين، مضيفا بعدها بخصوص ان "الحالم" هي عبارة عن رواية داخل رواية، داخل رواية، بأنه يرى بأن القارئ أذكى من الكاتب، ويستطيع أن يدرك الاحتمالات ومسارات الرواية، وربما يمتلك لغة أقوى من لغة الكاتب، لذا ارتأى التعامل معه بحذر، مفسرا بعد ذلك إلى ان سر الميل إلى فلسفة الزمن في رواية "الحالم"، إلى ان فكرته عن الزمن فكرة رياضية، بحكم تخصصه في الرياضيات والفيزياء، مضيفا بأن الزمن هو تعارف بين الناس، ولولا تسمية الزمن لكان الانسان في أفضل حال، باعتبار ان كل مخاوف الانسان تدور حوله، لانه يخاف الموت بسبب الزمن، يخاف قصر مدة المتعة الجنسية بسبب الزمن، من هنا يبدو الزمن بمثابة عائق أمام الإنسان، وهذه العوائق يجب على الإنسان ألا يحترمها، وأن يتجاوزها، من هنا تولدت رغبة قاسيمي في إرباك الزمن وإعادة تشكيله، اما لدى تطرقه لرواية «في عشق امرأة عاقر» وشخصية المرأة العاقر التي لمح بها إلى الجزائر، قال إن فكرة أن يكون الوطن غنياً والمواطن فقيراً هي مفارقة عجيبة في نظره فالشخص الذي يستطيع أن يستفيد من ثروات بلده يصف الوطن بالبقرة الحلوب، تلك البقرة الحلوب هي في المقابل أنثى عاقر لا تنجب شيئاً للمواطن الفقير، على رغم أن الفقير يحب الوطن أكثر من ذلك الغني، وهي مفارقة أخرى أكثر غرابة. وبالتالي كانت الرواية إعلاناً عن حبه لهذا الوطن الذي ينبذه –حسبه-، إلا أنه مستمر في حبه.

ليلى. ع


من نفس القسم الثقافي