الثقافي

وزارة الثقافة تصدر علبة سيديهات للفنان العملاق الراحل شريف خدام يكرّم بابن زيدون

بوصلات غنائية أمازيغية

 

افتتح مساء أول أمس، الحفل التكريمي للفنان القبائلي الراحل شريف خدام، الذي نظمته وزارة الثقافة، من خلال إصدارها لعلبة سيديهات كرمز لواجب الذاكرة والاستحقاق والاعتراف معا، فبعد مسار ناهز خمسا وخمسين سنة، بقي الرجل بلا منازع، واحدا من القامات الكبرى في تاريخ الاغنية الجزائرية والمغاربية المعاصرة، بدليل انه لا يمكن اختصاره في عمل واحد كونه يتعلق بمسيرة عمر من الزمن.

 

عرفت قاعة ابن زيدون بالعاصمة اقبالا جماهيريا غفيرا من محبي الفنان الراحل، اين ساهم كوكبة من فناني الاغنية الامازيغية، في احياء هذا الحفل التكريمي، على غرار الفنان عباس امغار الذي اشرف على افتتاح الحفل بوصلات غنائية للراحل، تلته الفنانة الشابة دجيجي التي اتحفت الجماهير بصوتها العذب، ليجيء الفنانون الامازيغيون فريد فراقي، اكلي يحياتن ومليكة دومران، ليطربوا اسماع عشاق الاغنية القبائلية، بوصلات غنائية للراحل شريف خدام، ليكون بعدهم مسك ختام هذه الفسيفساء الغنائية الفنان الطيب ابراهيم صاحب الصوت الصداح، وقد اكتفى الفنانون الذين احيوا هذا الحفل الذي طغى عليه الحنين لأيام "الدا شريف" بأداء اغاني الراحل تعبيرا منهم عن تقديرهم وحبهم لفنان الاجيال الذي ترعرعت في كنفه الكثير من الاصوات التي غنت بالقبائلية، كما كانت مناسبة صدور هذه العلبة من الاقراص المضغوطة وهي الاولى للفنان فرصة لاستذكار شريف خدام والتذكير بمكانته الفنية وموهبته كمطرب وايضا كموسيقي وعازف بارع على آلة العود التي كانت انامله تحول كل لمسة الى الحان عذبة تدغدغ مشاعر المستمعين وتسافر بهم الى عوالم اجمل بعيدا ولو للحظات عن هموم الحياة واشجانها، فيما صرحت وزيرة الثقافة خليدة تومي التي حضرت هذا التكريم ان صدور هذه العلبة من تسجيلات لاغاني الفنان وهي الاولى من نوعها هي اقل ما يمكن تقديمه تخليدا لروح فنان كبير قدم اعمالا ذات ابعاد عالمية، لتقوم بعدها بتسليم درع التكريم لعائلة الفنان الراحل شريف خدام مع علبة تسجيلات تضم اغانيه وباقة ورود، تقديرا وعرفانا لما قدمه عملاق الاغنية الامازيغية للأغنية الجزائرية بصفة عامة، في الوقت الذي اشاد فيه العديد من الفنانين الذين حضروا حفل التكريم بما قدمه الفنان للاغنية القبائلية اين اعتبر الفنان كمال حمادي ان شريف خدام مخرج الاغنية القبائلية من المحلية الى العالمية، مضيفا ان أغانيه أصبحت تسمع في ارجاء المغرب العربي الكبير، كما ابرز الفنان المجاهد حميد تميز شريف خدام وأصالة فنه واطلاعه على الموسيقى الغربية والشرقية وكذا قوة كلماته واشعاره التي اثرت فيه وجعلته وهو ابن القصبة يتعلم اللغة القبائلية ويغنيها. كما اكد كل الذين تداولوا على المنصة على ثقافة الرجل وقربه من ابناء وطنه حيث غنى همومهم وايضا احلامهم وطموحاتهم فكانت كلمات اغانيه قريبة منهم وهي تحمل في عمقها الكثير من المعاني والرمزية اذ الى جانب الحب والغربة كانت تتحدث عن الحضارة والثقافة والادب، وعرف الفنان الراحل بأنه من مواليد الفاتح من جانفي لسنة 1927 بمنطقة ايت مسعود في بلدية إفرحونان بالقبائل الكبرى "تيزي وزو" في وسط عائلة متدينة، دخل المدرسة القرآنية وتعلم بها في زاوية بوجليل بالقبائل الصغرى في 1935، غادرها بعدها بسبع سنوات اين ذهب للعمل بإحدى الورشات بالجزائر العاصمة ليهاجر إلى فرنسا في سن الخامسة عشرة ويبدأ الغناء بالمقاهي الباريسية وكانت اول أغنية له بعنوان "ايليس نتمورثيو"(يا بنت بلدي) في 1955 بعد أن تعلم المبادئ الأولية للموسيقى على يد الموسيقار التونسي محمد جاموسي، عرف عنه نضاله في صالح التفتح مع اعتزازه بماضيه متوجها بعزم نحو المستقبل، ومنخرطا في اسلوب موسيقي كبير من عمل علمي يعتمد على البحث والتنظيم والذي من خلاله تمكن من اكتساب القواعد الضرورية حيث تعلم لسنوات طويلة العود، الصولفيج، البيانو، الغناء والايقاع وذلك من خلال الدروس الخصوصية التي كان يتلقاها لدى الاساتذة الكبار في ذلك العصر منهم الاستاذ فرناند لامي، مفتش كونسارفاتوار فرنسا وقائد الجوق روبرتو بامزي وهذا بالموازاة مع عمله الشاق بالمعمل، حيث استطاع بسرعة كبيرة الاحتكاك بإحدى التشكيلات الموسيقية الشهيرة في 1960، كما سجل للاذاعة والتلفزيون الفرنسي اغاني معدة في قمة الرقة مرفوقة بالجوق السيمفوني لباريس، اضافة الى عناصر من فرقة فرانك بورسال في 1963، وفي هذا الصدد يعتقد شريف خدام ان موسيقانا يجب اثراؤها بإسهامات من الخارج، على اعتبار ان الجزائر هي من بين البلدان المتوسطية التي عرفت العديد من الثقافات عبر العصور المختلفة، وعلى اعتبار معرفته الواسعة للموسيقات في العالم، كما نجح الفنان في ايجاد توليفة عن طريق خلق عالم موسيقي يمزج بين العديد من التأثيرات الجامعة بين القديم، المعاصر والكلاسيكي، فالبنسبة له فالموضوع لا يعد مجالا لمقايضة اصالته لكن تمثل خلاصة الموسيقى العالمية بشكل واضح، مع الحفاظ على الاصل بإدخال ضمن مكوناته قاعدة توافقية تنسجم مع الخط النغمي، لتكوين عمل مبتكر، فهو كذلك قد وضع اسس نمط اغنية صارت فيما بعد ملكا له، غنى بكل فخر عن بلده "تامورث" مسقط رأسه، مستعيدا بذلك تاريخ اجداده لعدة ألفيات، عاد الى الجزائر في 1964، حيث نشط انذاك حصة إذاعية معروفة باسم"بعض النوتات" التي كانت موجهة الى معرفة موسيقات العالم والتقريب بين الثقافات، فيم بادر الى انجاز حصة اذاعية تحت عنوان "مطربو الغد" في 1968، التي عنيت باكتشاف جيل بكامله من المواهب الجديدة الذين صاروا نجوما وفنانين كبارا، قدم تطوعا في 1970 طيلة سنوات حياته دروسا في الموسيقى والغناء في صالح الشباب في قاعة تقع بشارع هوراس فارنيه بالجزائر العاصمة، انسحب شيئا ما سنوات السبعينيات عما يتعلق بإبداعه الخاص لكي يتفرغ للمطربين الشباب ليؤلف بشكل خاص اعمالا عظيمة للمطربة الكبيرة نوارة، كما عاد الى الجزائر سنوات بين السبعينيات والثمانينيات برفقة قادة الاجواق الشهيرين، ليعود الى باريس بهدف العلاج بعد مرضه بالقصور الكلوي في 1995، اين احتفل بمرور اربعين سنة من الغناء بقصر المؤتمرات بباريس مع الجوق الفيلارموني الدولي، اصدر ألبوم بيانو بالتعاون مع العديد من الفنانين الاجانب في اواخر التسعينيات، كما عاد الى الجزائر سنوات الالفين ليحيي العديد من الحفلات على غرار الاحتفال بذكرى اول نوفمبر مع الجوق السيمفوني الوطني في 2005 ، والحفل الكبير بالملعب الاولمبي ببجاية، في 2006 بمناسبة الذكرى الخمسين لمؤتمر الصومام، وافته المنية اواخر جانفي سنة 2012 بباريس، ومن اروع ما غنى "الدزاير ان شاء الله اتحلو" اي "الجزائر ان شاء الله ستشفى" وساهم في تكوين واكتشاف عدد من المواهب التي ذاع صيتها في مجال الأغنية القبائلية وترك بعد رحيله في 2012 رصيدا كبيرا من الأغاني التي لا تزال راسخة وأعاد غناءها عدد كبير من المطربين.

ليلى عمران

من نفس القسم الثقافي