الوطن

السلطة هربت الجزائر من الربيع العربي..ودعاة الرابعة يدفعون بها نحوه

تحت ذريعة البحث عن الاستقرار الذي لن يأتي إلا بعهدة رئاسية أخرى للرئيس

 

سياسيون: عصبة المال الفاسد بعد أن فقدت التأثير على صنع القرار ساومت باستقرار الجزائر

يوضح الاندفاع الذي يبديه دعاة العهدة الرئاسية الرابعة، في الآونة الأخيرة، رغبة هؤلاء في انتهاج كل الأساليب والطرق للدفاع عن خارطة الطريق التي انتهجوها منذ فترة، لترتيب انتخابات رئاسية على مقاس المنخرطين في حزب الفساد، وقد سارع المدافعون عن هذا المشروع إلى محاولة كسر كل المبادرات التي تولد للحدّ من هذه الدعوة وكذا إجهاض النقاشات التي تهدف للبحث عن مرشح إجماع وتوافق بين أحزاب الموالاة والمعارضة، مستثمرة صمت المعني الأول رئيس الجمهورية_، وهو الصمت الذي غذى طموحهم، ودفعهم لاستعمال طرق مشروعة وأخرى غير مشروعة للاستثمار فيه وفي مرضه للتشويش على أصحاب القرار، خاصة في هذه الفترة التي تشهد بداية العد العكسي لانتهاء الآجال القانونية لمعرفة هوية فرسان الرئاسيات المقبلة، التي يتوجه فيها الرئيس بنسبة كبيرة إلى رفض الانخراط في خارطة الانقلاب الأبيض على الذين جاؤوا به لسدّة الحكم في 1999، والاكتفاء بالعهدة الرئاسية الثالثة له.

يرى الساسة والمتتبعون للمشهد السياسي في الجزائر ممن سألتهم "الرائد"، حول الأسباب التي تقف وراء هذا التوقيت الذي اختار دعاة العهدة الرئاسية الرابعة أن يناوروا فيه، أن تيقن هؤلاء من رفض الرئيس التقدم لهذا الاستحقاق وتوجه هذا الأخير نحو الردّ بالسلب على طلبهم بخصوص ترشحه في الرئاسيات المقبلة، هو الذي دفعهم للاستثمار في الحرب النفسية التي تأتي عن طريق تصريحات يدلون بها بين الحين والآخر، ووضع مصالحهم الشخصية ضدّ مصلحة الشعب والوطن، مؤكدين على أن المنخرطين في حزب الفساد الذي يتحكم اليوم في اللعبة السياسية لن يمانعوا بوضع استقرار الشارع الجزائري الذي حمته مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية من موجة الربيع العربي الذي ضرب دول الجوار قربانا لتحقيق مشروعهم، وقد أظهروا هذا التوجه في الآونة الأخيرة من خلال تصريحات أمين عام حزب الأغلبية المنتخبة في مختلف المجالس، عمار سعداني، الذي هاجم القائمين على المؤسسة الأمينة، ما جعل الكثيرين يتأكدون بأن اللعبة السياسية التي يراد لها أن تكون مغلقة تهدف لخدمة أطراف من خارج النظام وترتبط بمصالح هؤلاء في الجزائر ليس إلا، ويشير هؤلاء إلى أن الرئيس الذي رفض الردّ على مطالب عديدة تقدم بها أطراف من هذا الحزب الذي وصفوه بـ"حزب الفساد"، أهمها تعديل الدستور قبل الرئاسيات، باتوا اليوم متيقنين من أن عبد العزيز بوتفليقة يسير في الغالب نحو الاكتفاء بالعهدة الرئاسية الثالثة التي تنتهي بعد أسابيع قليلة، ما يعني أن مخططهم في الدفع به كمرشح عن هذا الحزب بات غير مطروح وأن المفاوضات حول الرئاسيات داخل دهاليز السلطة قد وصلت إلى المرحلة المفصلية، وهي الخطوة التي عجلت بخروج هذا الصراع بين مؤيدي المشروع والرافضين له داخل دهاليز النظام إلى العلن.

واعتبر المتتبعون للشأن السياسي عندنا بأن الحسم في مستقبل الرئيس في سدّة الحكم قد انتهى وبقيّ فقط الإعلان عن رفضه التقدم لسباق المنافسة على كرسي الرئاسة مع فرسان الاستحقاق الانتخابي المقبل الذي يرى هؤلاء أن رسالة الرئيس التي وجهها لنائب وزير الدفاع الفريق أحمد قايد صالح، ولعائلات ضحايا الطائرة العسكرية التي سقطت بمدينة أم البواقي، يعزيهم فيها في الفاجعة الأليمة التي هزت الشارع الجزائري، كانت فرصة أيضا ليؤكد لمن يشوشوا على استقرار الجزائر من خلال ضرب مؤسساتها العسكرية والدستورية بأنه لا يحق لأحد مهما تعالت المسؤوليات أن يعرض الجيش الوطني الشعبي والمؤسسات الدستورية الأخرى إلى البلبلة.

سعداني يطمئن دعاة الرابعة ويحدد تاريخ 18 كموعد إعلان عن الرئيس عنه

وبالرغم، من أن الطبقة السياسية، المحسوبة على السلطة، أصبحت رهينة الشك بخصوص وجود العهدة الرئاسية الرابعة، في ظل تأجيل الحديث عنها من قبل المعني الأول بها رئيس الجمهورية ومحيطه الذي وصلتهم أصداء منه بأنهم لم يتلقوا أي أخبار أو أنباء عن رغبة الرئيس أو رفضه للتقدم لعدة رئاسية رابعة، وهو الأمر الذي دفع بالكثيرين من المدافعين عن هذا الخيار، إلى الحدّ من التطرق إليه في الاجتماعات الرسمية والمغلقة التي يعقدونها بدء برئيس الحركة الشعبية الجزائرية، عمارة بن يونس، وأمين عام التجمع الوطني الديمقراطي، عبد القادر بن صالح، إلا أن اليومين الماضيين وبحسب تسريبات من هذين الحزبين، فقد أوضح بن صالح لعدد من قيادات حزبه أن الأنباء التي يروج لها عمار سعداني أمين عام جبهة التحرير الوطني بخصوص إعلان مرتقب سيدلي به الرئيس في الأيام المقبلة والتي قد تكون يوم 18 فيفري أو في الفترة الممتدة إلى غاية الـ 24 من نفس الشهر، قد تكون صحيحة، رافضا في الوقت ذاته أن يوضح لهؤلاء من أين جاء بهذه التأكيدات التي تشير إلى أن بوتفليقة  يسير نحو الإعلان رسميا عن فكرة ترشحه لرئاسيات التي 17 أفريل المقبل، وهي نفس الأصداء التي يروج لها قيادات من"الامبيا" التي سبق وأن طالبهم رئيس الحزب بضرورة الابتعاد عن الحديث أو التطرق لكل ما يتعلق بالرئاسيات المقبلة إلى حين انتهاء الآجال القانونية لإيداع ملفات الترشح أمام الهيئات المختصة قانونا ليلية الـ 4 إلى 5 مارس الداخل، غير أن عودة النقاش داخل أروقة الحزب مؤخرا حول الرئاسيات وترشح الرئيس طرح الكثير من علامات الاستفهام وهي ذات الأنباء التي تتزامن مع خروج سعداني للحديث عن موعد إعلان الرئيس عن ترشحه.

عبد العزيز رحابي:"دعاة الرابعة ينتهجون خطاب التخويف ضدّ المعارضة !"

يوضح وزير الاتصال الأسبق، عبد العزيز رحابي، تعقيبا على الموضوع، أنّ أطرافا نافذة في السلطة وجماعات النفوذ المالي التي لها ريع ومصالح تريد المحافظة عليها، هي التي تشوش على عملية التحضير للرئاسيات المقبلة، وما شهدته الساحة السياسية في الأسابيع المقبلة هو دليل على أن هذه الأطراف قد فقدت كل الحظوظ في إبقاء الأمور على حالها بعد رئاسيات الـ 17 أفريل المقبل، لمواصلة هيمنتها على الساحة السياسية الوطنية، خاصة وأن هذه الفئة وفي ظرف 15 سنة التي كان فيها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في سدّة الحكم، سعت إلى جعل المال المتحكم في الحياة السياسية، وغياب هذا السدّ المنيع الذي حمى مصالح هذه الجماعة طوال فترة حكم الرئيس التي تمتد منذ 1999.

ولم يستغرب المتحدث أنّ يدفع هؤلاء بالجزائر نحو ربيع عربي لحماية مصالحهم التي ترتبط بوجود أصحاب المال الفاسد في أعلى هرم السلطة، ويوضح رحابي أنّ هؤلاء يناورون من منطلق أن السلطة الحالية هي الضامن الوحيد لمصالحهم وتواجد بوتفليقة في الحكم سيحمي لهم مصالحهم ويمنحهم المزيد من الامتيازات والحصانة التي يتمتعون بها منذ 15 سنة، ويتوقعون زوالها بنهاية حكم الرئيس، ولهذا أصبح دعاة العهدة الرئاسية الرابعة، يصورون أنفسهم بأنهم المرادف للاستقرار وأن مرشحهم هو الضامن الوحيد له وأن المعارضين لهذا التوجه أبناء حركى والغريب أن هؤلاء ينتهجون خطاب التخويف ضدّ المعارضين لهذا المشروع والرافضين له، منتهجين في ذلك خطاب"يا إما نحن أو الطوفان".

وفي تحليله للأحداث الأخيرة التي شهدتها الساحة السياسية، من تجاذبات حول الرئاسيات المقبلة وشخصية مرشح السلطة، قال وزير الاتصال السابق والمحلل السياسي، أنه كان يتوقع أن تشهد الجزائر وضعا مماثلا خاصة وأن التعديل الدستوري الذي فتح العهدات الرئاسية بعد مجيء بوتفليقة للحكم، هو القرار الذي زادّ من حدّة الغموض في ظل صمت الرئيس تجاه الاستحقاق فلا هو قال بأنه سيترشح ولا قام بإعلان عدم رغبته في التقدم للاستحقاق، وتوقع المتحدث أنه بمجرد إعلان الرئيس عن قراره تجاه الاستحقاق سينتهي هذا الجدل الذي يصنعه دعاه العهدة الرئاسية الرابعة، الذين لا يرون بأن الانتخابات الرئاسية هي فرصة للتغيير في الوضع القائم بقدر ما يبحثون عن تغيير يحمي فقط مصالحهم، وأشار رحابي في الساق ذاته إلى أنّ الجزائر تشهد ربيعا عربيا دستوريا منذ تولي اليامين زروال لرئاسة الجزائر، وبالتحديد حين اقرأ دستورا حددت فيه العهدة الرئاسية بعهدتين، وبعد أن جيء بالرئيس الحالي لسدّة الحكم في 1999، قام بدوره بتعديل الدستور وبالتحديد في مادة العهدات الرئاسية التي تم فتحها وأصبح بذلك مصير الجزائر مرهونا بهذا القرار.

هذا واعتبر المتحدث أنّ الأمور بعد حالة الحراك الأخير الذي شهدته الساحة السياسية في الأيام القليلة الماضية، ستأخذ نوعا من الهدوء لأن أصحاب العهدة الرابعة متأكدين بأنها لن تكون وما يقومون به اليوم هو مساومات فقط، فهم يساومون السلطة لضمان استقرار مصالحهم بعد نهاية حكم بوتفليقة ليس إلا.

عبد الرزاق مقري:"الصراع في أعلى هرم السلطة...صراع مصالح ليس إلا"

يؤكد عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم، على أن الصراع الذي ظهر إلى العلن في الأيام الماضية، هو نابع من خوف هؤلاء على مصالحهم التي ترتبط ببقاء هذه السلطة قائمة لعهدات رئاسية أخرى، وهو صراع محموم على المصالح ليس إلا، موضحا أن المدافعين على بقاء الرئيس في أعلى سدّة الحكم هو نفس الأشخاص الذين يتمتعون برصيد كبير من المسؤوليات والمصالح التي يحاولون اليوم اقتناص كل الفرص لحمايتها عن طريق دعم مرشح يخدم هذا التوجه.

وقال مقري في الصدد ذاته أننا جميع نعلم بأن المنخرطين في صراع السلطة ودوائر النظام، تصب آخر خرجاتهم التي أطلوا بها على العلن بأن الجزائر كانت بحاجة إلى أن تكون دولة قانون بعيدا عن رقابة وتدخل المؤسسات العسكرية الذي أطل أمين عام جبهة التحرير الوطني عمار سعداني للمطالبة بحيادته والدفاع عن دولة مدنية، واستبعد المتحدث أن يكون المتحدث باسم هذا الصراع يأخذ الإذن والإيعاز من قبل الرئيس أو محيطه لأن هؤلاء هم الذين اوجدوا هذا الوضع منذ سنوات عديدة تمتد لـ 15 سنة كان فيها عبد العزيز بوتفليقة رئيسا على الجزائر، ولا يمكنه اليوم أن يبحث عن تغيير لا هو ولا محيطه إلا إذا كانت هناك أطراف أخرى تسعى لبسط نفوذ أكبر وهيمنة أخرى على الجزائر التي تواجد حالة من اللا استقرار بسبب هذه الحالة من الضبابية التي تتحكم فينا كلما اقترب موعد إجراء الرئاسيات المقبلة.

محمد ذويبي:هذا الحراك دليل على غياب التقارب بين أصحاب القرار !

اعتبر، محمد ذويبي، الأمين العام لحركة النهضة، أن الوضع الحالي الذي تعيشه الجزائر لن يشهد استقرارا قبل موعد إجراء الرئاسيات المقررة في الـ 17 أفريل المقبل إلا إذا تدخل أصحاب القرار الفعليين ووضع حدّ لما يحدث في أعلى هرم السلطة والذي أثر بشكل سلبي على التحضير لإجراء استحقاق انتخابي في المستوى، وقال المتحدث أن الذين يربطون استقرار الجزائر والشارع بكلمة من رئيس الجمهورية بخصوص إعلان ترشحه أو عدم ترشحه للرئاسيات المقبلة مخطئين لأنّ النهج السياسي لم يعد مرتبطا بالأشخاص بل هم مرتبط بالسياسيات فإن كانت هذه السياسيات ناجحة ومتحكمة في زمام الأمور ستحاول أن تخرج الجزائر منتصرة في معركتها مع الذين يساومون باستقرار الجزائر على حساب ضمان مصالحهم ومناصبهم في أعلى هرم السلطة.

وأوضح المتحدث في السياق ذاته أن هؤلاء لم يعودوا اليوم بحاجة للخروج إلى الشارع للدفاع عن مصالحهم، كما أنهم ليسوا محتاجين إليه للضغط على السلطة على اعتبار أن الجميع انخرط في هذا السلوك السياسي الذي ارتبط بالمال المسخ ووظفه لأغراض جماعة المال الفاسد التي تريد أن تستثمر في كل المواعيد السياسية الكبرى لحماية أنفسهم ومصالحهم أكثر من ذي قبل، ونوه ذويبي في هذا الإطار إلى أن الأيام القادمة ستكون مرتبطة بالنهج السياسي الذي سيسير عليه هؤلاء فالأصل عند هؤلاء هو البقاء وهذا هو مبدأهم وسيسعون لتوظيفه سواء بالطرق المشروعة عبد الدفع بمرشحهم لعهدة رئاسية رابعة أو عند طريق انتهاج أساليب أخرى غير مشروعة ومن هذا المنبر_يضيف المتحدث_، نحن كقيادات وإطارات ومناضلين في حركة النهضة نحمل أصحاب القرار وشركائهم مسؤولية الوضع الذي ستقبل عليه الجزائر قبل وبعد رئاسيات أفريل المقبل لأن الجميع سيكونون شركاء، أما بالنسبة للأحزاب السياسية الجادة فقد حاولت أن تتعامل مع هذه المرحلة الغامضة بتوجيه جملة من الشروط التي على السلطة أن توفرها للشعب قبل الخوض في الاستحقاق الرئاسي القادم، لكنها تخلت عن دورها ولم تستوعب الدرس وتحاول اليوم أن تستغل الشعب الجزائري والظروف التي يمر بها لتمرير مشاريعها.

خولة بوشويشي

من نفس القسم الوطن