الوطن

تذاكر من ذهب.. ومعاناة بالساعات في المطارات.. وخدمات لا تليق بابن آدم

إرادة الدولة في تطوير السياحة داخل البلاد تصطدم بالواقع المر

 

 

كم هي كثيرة المناطق السياحية التي تزخر بها بلادنا، من شواطئ متوسطية، إلى مرتفعات جبلية خضراء، وصولا إلى الصحراء، التي تحيي المخيلة بشروق شمسها وغروبها، فلكل منطقة نكهتها الخاصة، ولكن للأسف لا تعتبر في الوقت الحالي وجهة سياحية، بل لا تزال قيد الإنشاء، ويتعين عليها لبلوغ هذا الهدف، التركيز على التميز والترويج السياحي، فلا يكفي استقطاب السياح، دون توفير لهم خدمات ذات مستوى. 

الجزائر بلد سياحي بدون سياح...!!

 

تعرف السياحة ببلادنا واقعا مريرا، ولكن المسؤولين، بمن فيهم وزير السياحة، يرفضون التصريح بهذا، وبأنه لا وجود لترويج سياحي ولا خدمة تليق بالسائح الوطني، فما بالك بالأجنبي، الذي تبدأ رحلة عذابه فور وصوله إلى الجزائر، بدءا من ملف طلب التأشيرة، ليبقى واقع السياحة في بلدنا بعيدا كل البعد عن الطلب، ما يتسبب في عجز ينفر الجميع إلى تونس وتركيا والمغرب واليونان.

نحن نعيش في واقع الإغراءات، والترويجات الإعلانية، فالسياحة اليوم تعتبر سلعة كغيرها من السلع، تحتاج إلى ترويج، وللأسف لم تستطع بلادنا الاستفادة من تجارب الجارتين تونس والمغرب على الأقل، أين يتنافس القائمون على السياحة فيها كل موسم، على إطلاق حملات ترويجية خارج الحدود، لاستقطاب السياح، وتنظيم الرحلات للإعلاميين، بهدف التعريف بمقومات بلادهم السياحية، مع تخفيض أسعار الرحلات الجوية، فيما تبقى هذه الاستراتيجية بعيدة كل البعد عن تفكير القائمين على القطاع بلادنا.

بداية المعاناة تبدأ باقتناء التذاكر...

إن فكر السائح في قضاء عطلته في إحدى مدن الوطن، وتوجهه إلى الخطوط الجوية الجزائرية لاقتناء التذاكر، سيتفاجأ بأسعارها الجنونية، التي تبقى هي الأغلى، مقارنة مع تونس والمغرب، مقابل خدمات ليست أرقى من باقي شركات الطيران.

كانت الساعة تشير إلى حدود منتصف نهار الخميس الفارط، عندما قررنا خوض مغامرة سائح جزائري، يريد زيارة إحدى المدن الصحراوية، فتوجهنا إلى الخطوط الجوية الجزائرية aire Algérie  وأردنا أن نستفسر عن أسعار التذاكر، دخلنا وبقينا في قاعة الاستقبال ننتظر دورنا، وبعد انتظار دام طويلا، جاء دورنا وتقدمنا على أساس اقتناء تذاكر لأربعة أشخاص، تذكرتين لزوجين، ولطفليهما الصغيرين، حيث أخبرتنا الموظفة بأسعار تذاكر السفر لرحلة الجزائر العاصمة تجاه تمنراست، 14200دج كان سعر تذكرة الكبار، أما الطفل البالغ من العمر ثلاث سنوات ونصف فبلغت تذكرته 9700دج، أما الرضيع البالغ من العمر عاما ونصف فـ1400دج، كما علمنا أن الرحلات متوفرة يوميا باتجاه تمنراست.

غيّرنا وجهتنا صوب وكالة للسياحة والأسفار، آملين أن نجد أسعارا منخفضة، ترجع لنا الأمل لزيارة صحراءنا الغالية ذات يوم، واكتشاف خباياها، دخلنا ولحسن الحظ أننا هذه المرة لم ننتظر دورنا، لأن الوكالة لم يكن فيها غيرنا من الزبائن، فاستقبلنا الموظف بسرور، لأنه على ما يبدو مر وقت طويل ولم يستقبل أي زبون، وهذا ما تأكدنا منه فيما بعد، لأنه بعد تعذر ظهور نتائج البحث الذي أجراه على الحاسوب لمعرفة أسعار التذاكر، فأخبرنا بأنه لم يستعمله لمدة طويلة، لهذا السبب أصبح بطيئا هكذا، وبعد عناء طويل ظهرت الأسعار وياليتها لم تظهر، لأننا صراحة اصطدمنا بأسعارها غير المعقولة، فسعر تذكرة الرحلة باتجاه تمنراست للكبار هو 17800دج، أما الصغار فسعر تذكرتهم كان 9000دج، ومن شدة الصدمة أردنا تغيير الولاية، فسألناه عن ثمن تذاكر ولاية أقرب، فوقع اختيارنا على بشار، حيث تراجعت الأسعار قليلا، فكانت 8800دج للكبار، أما الصغار فتذكرتهم بسعر 4000دج، ولكن تبقى الأسعار في غير متناول الجميع، لأنه لو قمت بإجراء عملية تكلفة الرحلة لعائلة متكونة من أربعة أشخاص لوجدتها تتجاوز الثمانية ملايين، ضف إلى ذلك مصاريف الإقامة بالفندق والأكل والشرب، وتكلفة المواصلات إذا أراد الشخص التجول بالولاية، فالسياحة في بلدنا تبقى محتكرة عند أصحاب الدخل المرتفع، فالعائلات البسيطة عليها قضاء عطلتها بالمنزل، أو التوجه إلى حديقة التسلية ببن عكنون، أو حديقة التجارب، أو إلى شاطئ البحر، لأنها تبقى الطريقة الأقل تكلفة، وفي متناول العائلات ميسورة الحال.

 

وصولا إلى المطار.. الانتظار بالساعات..

وإن انتهيت من التذاكر، وحان موعد السفر، فيأتي دور مواعيد الرحلات التي لها حديث آخر، فلا تخلو أية رحلة من التأخير، الذي يصل في بعض الأحيان إلى 12 ساعة، فتبقى المواعيد غير دقيقة، فإذا كان موعد رحلتك على العاشرة مثلا، عليك أن تكون في المطار قبل ساعتين، ولكن مع الأسف ستبقى تنتظر لساعات أخرى إضافية، لأن الطائرة قد تأخرت، وهكذا هي حالة الرحلات الجوية، سواء المحلية، أو الدولية، فكم من رحلات لحجاجنا الميامين بقيت لساعات في المطار، وبعد اقلاع الطائرة، إن كانت الرحلة دولية فلقد انتهت المتاعب، أما ان كانت الرحلة محلية فاعلم أن المشاكل آتية لا محال ما إن تحط الطائرة بمطار آخر.

وهو كذلك، فما إن تحط الطائرة في المطار، يخيل لك بأنك أخطأت في العنوان، بسبب الإنزال الكبير لرجال الأمن، غير أن هذا لا يعز حيث تساهم السياحة بتونس بأكثر من 5 مليارات دولار في الشعور بالأمان، بقدر ما يرسخ لديك الشعور بالخوف، وكأن ضمان الأمن يجب أن يرى بالعين المجردة، فأكبر المطارات العالمية التي تستقطب ملايين المسافرين، والمتأهبة دائما لمواجهة أي مشكلة، لا ينتبه فيها المسافر لوجود عناصر الأمن، وبوصولك إلى شبابيك الشرطة، تبدأ معاناة أخرى مع الانتظار، والذي يتجاوز أحيانا ساعة من الزمن، وعلى الرغم من العدد الهائل من الشبابيك، إلا أنها غير مستغلة ولا تشتغل جميعها في وقت واحد لـتخليص المسافرين من معاناة الانتظار.

وما إن تنتهي كل تلك المعاناة، عليك أن تفكر في طريقة لمغادرة المطار، فإن كنت قد اتفقت مسبقا مع شخص ليقلك، فأنت جد محظوظ، وإلا فإنك ستجد نفسك فريسة لجشع سائقي سيارة الكلونديستان الذين يزاحمون سائقي سيارات الأجرة، فيستقبلونك وهم يلوحون بمفاتيحهم، وإن اخترت سيارة الأجرة القانونية، ستصطدم أيضا بأن العداد لا يشتغل، وليس أمامه خيار غير الركوب أمام غياب البديل، فلا مترو ولا ترامواي ولا قطار يقرب المطار، بخلاف باقي مطارات الدول المتقدمة.

رحلة البحث عن المبيت في أحد الفنادق..

وبمغادرة المطار، عليك أن تجد فندقا، تقضي فيه عطلتك، والتي أصبحت مهمة صعبة، لأن الغرف كلها محجوزة، وكأن الشعب الجزائري كله ينام بالفنادق، فإن لم تقم بالحجز مسبقا، فلقد بدأت معاناتك حقا، فستتعب كثيرا للحصول على غرفة، وإن كانت ليست على قدر المقام، إلا أنك مجبر على حجزها، وإلا فستنام في العراء، وعند بلوغ الفنادق، وأغلبها بعيدة عن وسط المدينة، يصطدم ضيفنا بمستوى الخدمات المقدمة في الفنادق.

وبالحديث عن الفنادق، تذكرت قصة مغترب جزائري، يقطن بباريس، نزل ليقضي عطلة نهاية الأسبوع، حيث أراد امضاء ليلة في فندق، قبل أن يشد رحاله لولاية بجاية، ففوجئ بعدم توفر غرفة شاغرة، يمضي فيها ليلته لأن كل غرف الفنادق التي قصدها كانت محجوزة، فاضطر ابن المهجر أن يتصل بصديق له يعمل بفندق بمدينة تيقزيرت ليحجز له غرفة، ولحسن حظه أنه وجد أين يقضي ليلته، ولا يختلف الأمر كثيرا في باقي المدن، فرغم سحر طبيعتها، إلا أن ألف عائق وعائق يحول دون أن تكون مقصدا للسياح، والجزائريين قبل الأجانب، بسبب الكم الهائل من العوائق، فإن جلب السياح الأجانب غير ممكن، لأن الطلب الوطني يفوق بكثير كل التوقعات ولا يمكن تلبيته، فما بالك بجلب السياح الأجانب، والغريب أن يبقى الواقع سيئا هكذا في مجال الخدمة السياحية، من دون أن يتم معالجة الوضع من الأساس، فالخدمات الفندقية ضعيفة وما بالك بالاستقبال والنظافة، كما أنه على الرغم من ضعف خدمة الفنادق، إلا أنها تظل محجوزة خاصة في فصل الصيف، ولا يمكنك أصلا العثور على غرفة.

المرافق السياحية التي تملكها الجزائر

 يعاني بلدنا من نقص كبير في المنشآت القاعدية، والبنى التحتية الفندقية والسياحية، خاصة وأن العديد من الاستثمارات، لاسيما في مناطق التوسع السياحي، ظلت عالقة ما بين 2001 و2013 إلى غاية التوقيع على تعليمة صادرة عن وزير السياحة، محمد بن مرادي، في جوان الماضي، والتي ستسمح بتحرير حوالي 130 مشروعا سياحيا، أكثر من 50 في المائة منها على المناطق الساحلية على مساحة تفوق 50 هكتارا.

ووفقا للتقديرات الإحصائية المتوفرة، فإن الجزائر تحوز على 1200 فندق من مختلف الأصناف، منها 900 فندق يتواجد في مناطق الشمال، حيث يلاحظ أن جل الفنادق من فئة خمس نجوم، منها عشرة فنادق متواجدة بالشمال، وسبعة منها في العاصمة، هي الشيراطون والهيلتون والجزائر والأوراسي وسوفيتال وميركور وأوازيس، فضلا عن شيراطون وهران، بينما نجد أن دولة أصغر بكثير مثل تونس تمتلك 45 فندقا من صنف خمسة نجوم، والمغرب 40 ومصر 100، وتفتقد الجزائر للعدد الكافي الذي يحترم المقاييس الدولية من الفنادق من فئة 3 ونجمتين، اللتين تعتبران القوة الضاربة الحقيقية للترويج السياحي، مقابل امتلاكها لحوالي 50 فندقا من فئة 4 نجوم.

يحتل بلدنا المرتبة 132 سياحيا 

 نحن نحتل المرتبة 132 في قائمة الدول الأكثر تطورا في قطاع السياحة والطيران، والتي تضم 139 دولة، وفق تقرير التنافسية للسفر والسياحة لعام 2013، الذي أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي في مارس، وكل هذه المؤشرات دليل على أننا نتراجع ولا نتقدم، ويجب أن يكون هناك استثمارات فعالة في مجال الفنادق والمركبات السياحية لرفع طاقة الاستقبال، وتلبية كل الطلبات وتجاوز مرحلة العجز الكبير التي نغرق فيها منذ الاستقلال، فمن الضروري أن تكون هناك سياسة واضحة، فهل يعقل أن يتم الإبقاء على نفس التسعيرة في الفنادق من الفاتح جانفي إلى 31 ديسمبر، ولا يتم فرض تسعيرة موسمية لتشجيع السياح على القدوم، ولهذا تبقى وجهة الجزائريين أنفسهم هي تونس والمغرب وتركيا واليونان. 

 

 

بماذا تختلف تونس البلد الشقيق عنا..؟؟

على عكس الجزائر، تتوافر في تونس جميع مقومات الجذب السياحي، فعلى الرغم من صغر مساحتها، إلا أن السائح في تونس يجـد متعته، لتنوع وتباين المناطق السياحية، فإلى جانب شواطئها التي يبلغ طولها حوالي 1200 كم على مياه البحر الأبيض المتوسط، والمجهزة بمرافق وخدمات سياحية متطورة، نلمس فيها وعيا سياحيا عاليا، على المستويين الرسمي والشعبي، كما تتمتع تونس ببنية خدمات متطورة في مجال المواصلات والنقل جوا وبراً وبحراً، بالإضافة إلى خدمات الاتصالات الحديثة، التي تستوعب كل ما تنتجه تكنولوجيا الاتصال الحديثة، والذي سمح لتونس أن تكون سوقا مالية هامة تنتشر فيها المصارف والمؤسسات الماليّة العالميّة الكبرى.

وخلال السنوات السابقة، تحولت تونس إلى وجهة تستقطب مجموعات فندقية وذات صيت عالمي، بالنظر لما توفره هذه البلاد من مميزات، أهمها وفرة السياح الذين يقدر عددهم بسبعة ملايين سائح سنويا، وتوفر بنية تحتية ضخمة تساعد على إقامة مشاريع سياحية كبرى فضلا عن توفر عوامل جغرافية مناسبة.

تونس كانت على الدوام الوجهة المفضلة للجزائريين بالنظر إلى النشاط السياحي المقترح على مدار السنة، وحتى وإن كان الطلب قد انخفض مقارنة بالسنوات الفارطة بسبب الاضطرابات الاجتماعية، إلا أن تونس تظل على الرغم من ذلك البلد الذي يزوره الجزائريون، لما تعرف الشواطئ التونسية من نشاطات كثيرة خلال موسم الاصطياف، حيث يفضلون الأجواء الاحتفالية في فصل الصيف.

وسيساهم القطاع السياحي التونسي في التحرير الكامل للدينار نهائيا، وسيعزز مخزون البلاد من العملة الصعبة، كما يتمتع بشعبية، بشكل رئيسي على الساحل الشرقي لتونس، ولديها منتجعات كبرى، تحيي فيها ليالٍ سياحية، حيث تساهم السياحة بتونس بأكثر من 5 مليارات دولار. 

تطوير السياحة يحتاج لخبرة عالية 

فالدولة إذا أرادت فعلا أن تهتم بالسياحة عليها أن تجهز نفسها، فكيف لنا أن نجلب السياح الأجانب في فصل الصيف، ونحن عاجزون حتى عن تغطية الطلب الوطني، ولا يمكن تحميل الوكالات السياحية مسؤولية عدم قدوم السياح إلى الجزائر صيفا، لأنها ليست من يمنح تأشيرة السفر، ولا هي من تسيّر وتتحكم في الفنادق ولا الاستقبال في الموانئ والمطارات، وصولا إلى أسعار التذاكر الملتهبة للخطوط الجوية الجزائرية، حيث يصل سعر التذكرة في ذروة الموسم السياحي إلى 690 أورو، فوزير السياحة يتحدث عن تطوير القطاع، وهو غير مقتنع أصلا بتطويره، فهو لا يقضي أصلا عطلته الصيفية في الجزائر، وهو نفس منحى كل إطارات ومسؤولي الدولة، فالسياحة الداخلية غائبة تماما في الجزائر، كما أن الوكالات السياحية عاجزة عن تسويق منتوج سياحي بالمعايير المطلوبة للخارج، مع مشكل قلة الرحلات الجوية نحو الجزائر كمشكل وعائق يحول دون تحقيق الهدف المنشود من تطوير السياحة.

الديوان الوطني للسياحة والأسفار يستفيد من 25 حافلة مرسيدس جديدة

مع العلم أن الديوان الوطني للسياحة والأسفار (أونات) ، قد استفاد مؤخرا من 20 حافلة من نوع مرسيدس، تضاف إليها 15 أخرى ستسلم خلال الأيام القليلة المقبلة ستستعمل في نقل زبائن الديوان عبر مختلف الوكالاته المتواجدة بالقطر الوطني، هذه الحافلات تأتي في سياق دعم الدولة لترقية السياحة، وهو ما سيساهم في وضع حد للنقص المسجل على مستوى النقل لدى الديوان.

وافية. ك

من نفس القسم الوطن