الثقافي
اختتام مهرجان الجزائر الدولي للفن الحديث
الحفاظ على الذاكرة
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 29 جانفي 2014
تختتم اليوم تظاهرة مهرجان الجزائر للفن الحديث في طبعتها الخامسة والتي شهدها المتحف العمومي الوطني للفن الحديث طيلة شهر ونصف حيث امتد المعرض من
14 ديسمبر إلى غاية 30 جانفي الجاري.
جرت فعاليات هذا الحدث الثقافي الذي وضع تحت شعار "الحفاظ على الذاكرة"، في جنبات المتحف العمومي الوطني للفن الحديث والمعاصر في شكل ثلاثة معارض كبرى مستقلة ومنفردة عن بعضها، تستقبلها الطوابق الثلاثة للمتحف.
تكريم أسكار نيمار
احتضن الطابق الأرضي للمتحف المعرضَ الحامل لعنوان "زيارة جديدة لأعمال أسكار نيمار"، وهو من تصميم أندرياس هلموت روست، فنان مصور جال في العديد من مدن ألمانيا الشرقية وفي برلين برؤية جديدة للتراث العمراني والحضري لهذه المناطق والمدن. انتهى به التجوال ليحط الرحال هذه المرة في العاصمة الجزائرية بهدف تركيز عدسته على منجزات المهندس والمصمم البرازيلي الكبير أسكار نيمار الذي خصه بالتكريم من خلال هذه الرؤية لأعماله الهندسية الكبرى. التقط المصور الألماني صورا لمبانٍ في الجزائر، صمّمها المهندس أسكار نيمار ومنها، على وجه الخصوص، مبنى جامعة العلوم والتكنولوجيا هواري بومدين بباب الزوار، تخليدا منه بآلته لهذا الصرح الذي تبرز من خلاله مادة الاسمنت في وضعها الطبيعي عبر أجزاء من المبنى الطلائعي في الفترة التي شيد فيها سنة 1974. وعبر المزاوجة بين الظل والضوء، توصّل المصوّر في صوره
الملتقطة إلى اللمسات الشعرية التي منحها الصرح المشيد للفضاء الذي استقبل جزئياته المختلفة. مبنى الجامعة المذكور لم يكن الوحيد الذي كرِّم على تصميمه المهندس البرازيلي أسكار ريبريو ألمايدا دو نيمار المتوفى في 5 ديسمبر 2012، بل هناك أيضا مبانٍ تخلد عمله من خلال هذا المعرض الرائع الذي أريد له أن يكون في مستوى روائع تصاميمه الهندسية، على غرار القاعة متعدّدة الرياضات البيضاوية المحاذية للمركب الأولمبي "محمد بوضياف" بالعاصمة وجامعة "بشير منتوري" بقسنطينة والمدرسة متعدّدة التقنيات للهندسة المعمارية بالعاصمة، إضافة إلى جامعة "مولود معمري" بتيزي وزو.
لمسات مخلدة للجزائر العاصمة
اختير للمحطة الثانية للطبعة الخامسة لمهرجان الجزائر الدولي للفن المعاصر، الاحتفال بالفن الثامن عبر باقة تتكوّن من عشرين صورة جُمعت كلها تحت عنوان "لمسات
مخلدة للجزائر العاصمة"، للمصوّر الأمريكي شارل شوك غرانس مارتين، التقط فيها زوايا رائعة لآثار تاريخية في العاصمة تقع في أماكن فريدة، وأضاف إليها لقطات عفوية
للحياة اليومية لسكان الجزائر البيضاء. يتميّز المصوّر الأمريكي شارل غرانس مارتين بتعدّد مواهبه، فهو مخرج وكاتب وأستاذ محاضر ورئيس سابق لقسم الآداب بمدرسة كوينس بجامعة نيويورك، إضافة إلى كونه قمّة في مجال التصوير، حيث نالت
روائعه الإعجاب لتُصنَّف ضمن مجموعة المتحف الشهير للفن المعاصر لنيويورك. كما حازت تلك الروائع على إعجاب مؤسسات أخرى لتنال شرف العرض في أفخم قاعات العرض، مثل متحف الفنون لبروكلين ومؤسسة سميثسونيان ومتحف أناكوستيا في واشنطن وقاعات عرض ومتاحف وجامعات ريو دي جانيرو وماتو غروسو وباريس ونيوبورك، فيما شهدت قاعة عرض "أيما"، بساو باولو، في جويلية 2013، إقامة حفلة طرح كتابه المعنون "لمسات مخلدة للجزائر العاصمة".
تعود قصّة "الود" التي يحملها المصوّر الأمريكي شارل غرانس مارتين للعاصمة ولسكانها إلى العام 2009، عندما زار الجزائر بمناسبة استقبال العاصمة لفعاليات الطبعة الثانية للمهرجان الإفريقي، حيث اكتشف مواقعها التاريخية وجمال مبانيها الأثرية، إضافة إلى إعجابه بحياة العاصميّين، ليقرّر العودة إليها في 2010 قصد الاطلاع بعمق على تلك الروائع من عبق تلك الروائح العاصمية الزكية. أثناء تجوّله في أحياء العاصمة وأزقتها، أعجب المصوّر الأمريكي ببعض المواقع وعلقت بذهنه بعض الصور التي عادت بذاكرته إلى طفولته، موقع سكناه والأماكن التي يعشقها.
متحف الأدوات ترد الغياب
خُصّص المعرض الثالث لطبعة 2013 من مهرجان الجزائر الدولي للفن المعاصر، لمجموعة نادرة للمتحف الكويتي "متحف أدوات ترد الغياب"، وهي مجموعة متكوّنة من قطع فريـدة ومجزّأة تشمل ذاكرة جماعة بشرية اقتطعت من جذورها، فلسطينيي الكويت. وتتكوّن تلك الأجزاء من قطع صغيرة، لكنّها مهمّة في الحياة اليومية وتستدعي التفكير بعمق، مثل صورة لمجسّم قناة تلفزيونية وكتاب بصفحات بيضاء غارق في أعماق حوض أسماك مصغّر وأداة طبخ مضغوطة وأباجورة كبيرة سوداء ملصّقة بالسقف وعينين مربوطين بأنبوب واحد ونصف جهاز هاتف مرصّع بالرخام الأبيض. ومن خلال هذه القطع العتيقة أو عديمة الأهمية، فإن تاريخا يحكى وتُسرد جزئياته سعيا للحفاظ على ذاكرة تلك المجموعة من النسيان أو الاغتراب. كيف ذلك؟ انطلاقا من غياب الصور الجماعية أو السرد أو الأرشيف لتصبح الذاكرة مرجعية أساسية لقطع هذا المتحف
الجامعة لأشلاء من هذا الماضي أعيدت الحياة لأجزائه قصد منح معنى محدّد لمضمون الحاضر. تمكن طريقة العرض هذه للقطع بروزا حقيقيا، لكنْ بخلفية مستحيلة أو متجاوزة للحقيقة، كما تؤدّي وظيفة استعادة مخيّلة وذاكرة تاريخ فلسطينيي الكويت". للذكر، فإن متحف "أدوات تردّ الغياب" تمّ إنشاؤه قصد تعويض غياب شهادات ووثائق تروي تاريخ فلسطينيي الكويت الذين حلوا بالكويت جماعات، بداية من 1936، ليكونوا نواة مجموعة نشيطة أثرت إيجابيا على المجتمع الكويتي وثقافته وتاريخه وتقاليده. لكنْ، بحلول 1990، عرف فلسطينيو الكويت تشرذما جديدا وترحيلا جماعيا آخر عشية الأزمة العراقية-الكويتية. يعمل هذا المتحف، كما يؤكد المنظمون، على اكتشاف هذا الغياب-التغييب للذاكرة من خلال "مجموعة قطع تذكر بالماضي وبانحطاط العصر الذهبي للمجتمع الكويتي والفلسطيني-الكويتي". ويؤكدون أيضا بأن متحف "أدوات ترد الغياب" مؤسّسة مستقلة تقرّر من له الحق في تصوّر متحف بهذا الشكل، كونه متحفا يستجيب لوعد يتضمّن استعادة تاريخ غير محفوظ وتجسيد شروط إنشاء متحف يضمّ جزئيات هذا التاريخ. إن القطع المعروضة في هذا المتحف شبيهة بقطع أيّ متحف آخر، لكنْ مع خصوصية انتماء تلك القطع لذاكرة الوجود الفلسطيني في الكويت، متميّزة بذلك على المعروف بالنسبة إلى قطع المتاحف الأخرى. جدير بالذكر هنا أنّه، وعلى هامش المعارض الثلاثة، فإن شعار الطبعة الخامسة لمهرجان الجزائر الدولي للفن المعاصر شكل محور يوم دراسيّ تميّز بمداخلات تقدّم بها أساتذة بمواضيع ذات صلة بالشعار، مثل محاضرة الدكتور ماي النقيب، من الكويت، بعنوان "فلسطينيو الكويت: إلى أين؟" ومحاضرة الأستاذ يحيى سويلم، من مصر، حيث تطرّق إلى الفن الفلسطيني المعاصر في الكويت، إضافة إلى محاضرة الأستاذة اللبنانية كريستين خوري، "المعرض الدولي لفلسطين 1978". كما قدّمت المصمّمة والراقصة نصيرة بالزة، بمناسبة هذا الموعد، عرضا كوريغرافيا رفقة دليلة بالزة، حمل عنوان "ثنائي مونبيليه".
فيصل.ش