الثقافي
"للأسف الكتاب الذين يحاولون إيصال الأدب الأمازيغي بالعربية قليلون جدا"
الكاتبة نجاة دحمون تكشف في هذا الحوار:
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 15 جانفي 2014
في هذا الحوار تتحدث الكاتبة الجزائرية نجاة دحمون عن بدايتها مع الكتابة ، متطرقة الى مشاكل المرأة المثقفة في الجزائر ، مرورا بواقع الكتابة الامازيغية ، التي تبقى الى حد مهمشة في الواقع الجزائري نظرا للعديد من الظروف التي تحيط بالكتابة الامازيغية، كما تحدثت نجاة دحمون عن مشكل النشر في الجزائر .
متى بدأت نجاة الكتابة؟
لا أذكر متى بدأت الكتابة أو لنسميها خربشاتي الأولى ما بقي في ذاكرتي أنه ذات يوم غاب معلمي وجاء بدلا منه مدرس آخر ، كنت أدرس سنة سادسة ابتدائي وطلب منا كتابة تعبير ، وأعجب المدرس الجديد بما كتبته وأمرني بقراءته أمام زملائي وكانت تلك أول مرة أعرف أنا ما أكتبه جميل ، وتكرر ذلك في المرحلة المتوسطة ، إذ كانت أستاذة اللغة العربية كثيرا ما تمدح مواضيع الإنشاء التي كنت أكتبها.
هل ولادة القصة عند بنت القبائل عسيرة؟
لا أظن أن هناك اختلافا في تفاصيل ولادة قصة من كاتب لآخر حسب جنسه أو عرقه أو انتمائه، فالكتابة فعل ايجابي ذو أهداف سامية ، وبعض القصص تكتب نفسها وتدفعني لمجاراتها فبعض الشخصيات قوية لدرجة أنها من يسير كاتبها والبعض الآخر كسول أو مزاجي يرهقني كما قد يرهق أي كاتب آخر فيدفعنا للبحث عن الكلمات والجمل لتعبر عنه وتخفف من ضيمه أو لنوصل أفكاره.
من الذي يكتب القصة، أنت، أم هي، أم العالم من حولك؟
من يكتب القصة ، ربما القدر !! أو يد خفية تكتب ما يمليه عليها صوت داخلي خفي أو قناعة تستتر خلف كم هائل من جمل ومعانٍ وكلمات تنتهي في الأخير على شكل قصة تحكي ما في قلوب الأشخاص الذين حولي أو البعيدين عني أو تروي عن زمن عزيز علي خزنته ذاكرتي ...!! إذن أنا أكتب عن ما أؤمن به وما أحبه وهي ( لنسميها نجاة الطفلة ) تكتب عن عالمها الذي تحن إليه وربما ترغب في العودة لبعض محطات السعادة فيه والعالم من حولي وبعيدا عني يدفع الكاتبة لتكون جزءا من قضايا العصر ومن معاناة الضعفاء ، فالثلاث كل واحد اجتمع في ناردين ( نجاة ) ليشكلن قلمها وروحها وقصصها ومقالاتها.
في رأيك ما هو أهم رافد من روافد تشكيل العالم القصصي لدى القاص؟
البيئة الأولى للقاص تشكل غالبا أهم رافد في تشكل عالمه القصصي لكن هذا ليس قاعدة دوما ، إذ القاص ينوع روافده بالبحث والتقصي ويشكل عوالمه المختلفة من كل شيء يتأثر به ، كما أن خيال القاص منهل لا ينضب أبدا ...لكن تبقى البيئة الأولى للقاص وجروحه وطموحه هي الروافد الأقوى دوما.
ماذا قدمت لك البيئة الجزائرية من نصوص قصصية، وهل تأخذين شخصياتك منها؟
البيئة القصصية الجزائرية كنز نادر وسعيد جدا القاص الذي يغرق في اكتشاف محيطات النصوص القصصية الجزائرية لكني لا آخذ شخصياتي ولا أستوحيها من النصوص التي قرأتها إذ أفضل أخذ شخصياتي من واقعي وقصص مرايا أمازيغية مثال على ذلك فكل شخصياتها حقيقية، فقد فضلت أن أعير قلمي لمن لا قلم له ليكتب فالكتابة عن المرأة الأمازيغية قليلة جدا وشخصيات الواقع بكل ما فيها من تميز تغني عن البحث عن شخصيات في نصوص قصصية وتكرار ما قد كتب قبلا، ثم أن استلهام شخصيات من واقع كتب أخرى ستخلق شخصية مشوهة وستسيء للنص القصصي الذي استلهمت منه وللشخصية ولكاتبها أيضا لذا الأفضل البحث عن شخصية من وحي خيال القاص أو استخدام شخصيات الواقع مع مسحة خيال وإبداع بالطبع واستغلال العوالم السرية للقاص لتخلق شخصية كاملة حرة تقرر نفسها رغم أن الكاتب هو من يقرر مصيرها.
أغلب كتاباتك تتمحور في الأدب والتراث الأمازيغي فكيف ترين هذا الأدب في المشهد الثقافي الجزائري وفي أي خانة تصنفينه؟
الأدب الأمازيغي يحمل خصوصيات تدفعني وتدفع الكثير من الأدباء الشباب على السير على خطى "مولود فرعون "، وكاتب ياسين ومولود معمري وطاووس عمروش وآسيا جبّار وغيرهم كثير ممن كان لهم السبق بالكتابة عن المجتمع الأمازيغي ونقل بعض صور الأدب الأمازيغي من شعر وقصص وأساطير، لكن للأسف الكتاب الذين يحاولون ايصال الأدب الأمازيغي والموروث الحضاري الأمازيغي بالعربية قليلون جدا، من هنا جاءت أهمية ما أقوم به .. الأدب الأمازيغي يشهد حاليا نقلة نوعية من خلال نشاط عدة أدباء وشعراء أمازيغ شباب يحاولون ربط جسور التواصل بين هذا الأدب الذي لا يعرف عنه إلا القليل من خلال جمع كنوز التراث الشفوي بالأمازيغية أو الفرنسية أو العربية لحفظه ونقله للأجيال القادمة ،مع الاعتراف بأن هناك تهميشا للأعمال الأدبية الأمازيغية بغض النظر عن اللغة التي يكتب بها ما جعله لا يأخذ المكانة التي يستحقها والتي آمل أن يحظى بالاهتمام من طرف الناشرين ووسائل الاعلام المختلفة.
كيف ترى نجاة المرأة المثقفة في الجزائر؟
وضع المثقفة في الجزائر واضح وغامض فالمرأة المثقفة في الريف غير وضع المرأة المثقفة في المدن، فالثانية تحظى بحرية أكبر في حين أن الأولى وضعها مثل وضع أختها غير المثقفة فهي ملزمة غالب الوقت بالخضوع لسطوة الأعراف والتقاليد، ففي عالم الريف أن تكون المرأة مثقفة ومتعلمة لا يعني بالضرورة تحررها أو استقلاليتها فكثير من المثقفات يفضلن قبول واقعهن على الثورة ضده لفداحة الخسائر التي ستسببها أية محاولة للخروج عن العادات والأعراف السائدة ، لكن بعض المثقفات استطعن برفق كسر بعض القيود وتغيير بعض ملامح الواقع لكن قيود كثيرة تنتظر أن تكسر. كما أن المرأة المثقفة الذكية تخيف الرجل وليس الجزائري فقط بل الرجل العربي فثقافة المرأة تعني استقلال إرادتها عن الرجل وتعني قوتها وتعني أن تكون ندا له وأن تتخذ قراراتها دون العودة لأن تطلب مباركته.
على الرغم من كثرة الأسماء في مجال الكتابة الروائية مؤخرا بالجزائر إلا أنّ الانطباع بعدم الرضا حول النوعية الفنية لغالب منتوجها يبقى سمة الخطاب النقدي، إلى ما ترجعين ذلك؟
قبل الإجابة على سؤالك أرغب في طرح بضع أسئلة: كم من عمل روائي نُقد ضمن الإصدارات التي ظهرت مؤخرا ؟ كم من عمل اطلع عليه النقاد بجدية؟ ألدينا مجلات نقدية متخصصة في نقد الأعمال الروائية بشكل أكاديمي موضوعي؟ ..." لست ضد أي تقييم لأي عمل روائي شرط أن تكون القراءة النقدية موضوعية بعيدة عن الشتم والتعميم فإن قرأ ناقد ما رواية لم تنل إعجابه لا يحق له بأي شكل من الأشكال الحكم على الأعمال التي لم يقرأها ويقرر دون دراية أنها أعمال ضعيفة لا ترقى للمستوى المطلوب ...ثم هناك تركيز على أدباء دون غيرهم أسماء دون غيرهم، ونادرا ما يدرس عمل للأدباء الشباب ( الجدد) فإن قيل الأديب الفلاني يكرر نفسه فلماذا لا يعمل الناقد على دراسة أعمال غيره بدل نقد أعمال شخص واحد؟ ،ثم هناك أعمال أدبية جزائرية استطاعت الوصول للقائمة الطويلة والقصيرة للبوكر العربية وبعض الجوائز الأخرى ، أعمال لاقت الانتباه ودرست جيدا ،في رأيي المتواضع الكتابة الروائية في الجزائر بخير مستوى الروايات يختلف وقيمتها الابداعية والفنية ليست نفسها لكن هناك أعمال متميزة وبدل عدم الرضا أقترح توسيع عدد الدراسات النقدية لأكبر عدد ممكن من الأعمال ولأدباء مختلفين ثم الحكم على نوعية ما درس فقط دون الحكم على عمل لم يدرس احتراما لمجهود الروائيين الذين ضحوا بالكثير لترى أعمالهم النور .
عملك كأستاذة ، يكاد يكون دائما، وكذا تمارسين الكتابة الأدبية، ألم يحدث هذا فوضى بين الجبهات؟
أمارس مهنة التدريس منذ 1993 م ،منذ تخرجي من المعهد التكنولوجي للتربية وكنت أكتب لنفسي في دفاتري الخاصة من حين لآخر دون أمل في طبع أو نشر أو وصول أعمالي للقراء ،وموازاة مع ذلك كأي امرأة أهتم بشؤون البيت ، وما أحدث الفوضى ليس كوني أكتب فلقد تعودت على سرقة الوقت لأقرأ أو لأكتب ، الفوضى بدأت عند التزامي بالكتابة بشكل منتظم ومستمر فهذا ليس بالأمر السهل دائما خاصة وأن مهنة التعليم مهنة مرهقة للغاية ننقلها معنا لبيوتنا فالتحضير والتصحيح يأخذ وقتا طويلا ...ومن فترة زميلة فترة: "كيف وفقت بين الاهتمام بشؤون أسرتك والعمل والكتابة"، خجلت من إخبارها بأني لم أوفق بين الثلاث رغم ترتيب أولوياتي أسرتي أولا بعدها عملي وأخيرا الكتابة والقراءة وينتهي الأمر غالب الوقت بابتعادي عن الكتابة رغم أن حبي لها يجعلني أفضل وضعها في المرتبة الأولى إن احتجت للتركيز على أسرتي أو عملي... ولسبب ما أعتبر نفسي محظوظة بعدم اهتمام من حولي بما أكتبه فهذا أعطاني حيز حرية أكبر فبالنسبة لمن حولي أنا الابنة أو الأخت أو العمة ...أو أستاذة الاجتماعيات وهذا حدّ من حرب الجبهات ،وتمكنت ( على حساب راحتي ) ممارسة الأدوار الثلاث لكني أعترف أن الأمر مرهق جدا.
توجه انتقادات لدور النشر الجزائرية خصوصا من الأدباء الشباب، ما هي نظرتك لهذه المؤسسات، وهل أنت راضية عنها؟
طبعت عملي الأول على حسابي وللأسف في مطبعة وتكاليف الطبع كما تعلمين باهظة للغاية ، فعلت ذلك لأني لم أجد منفذا آخر ، لم أستطع الوصول لدار نشر يمكنها أن تتكفل بطبع كتابي ... وتمنيت لو وجدت شخصا واحدا يوجهني لدار نشر واحدة تتكفل بزهرة زعتر ، ذلك لم يحدث ، ولكني لا ألوم دور النشر الخاصة فمن أهدافها تحقيق ربح مادي وهذا حقها بل أعاتب أكثر دور النشر العمومية ليس لأنها لا تطبع للأدباء الشباب فبعضها طبع لهم ،بل لكون هذه الدور لا تستقبل أعمال الأدباء الشباب بالاهتمام المناسب ، فمن حق أي عمل يعرض على دار نشر عامة أو خاصة أن يقيم تقييما موضوعيا خلال فترة زمنية محددة فإن ناسبهم نشر العمل بها ونعمت وإلا ترد على صاحب العمل بالنفي ليعرض عمله على دار نشر أخرى أو يعدل عمله أو يحسنه ...لكن ترك القاص أو الشاعر ينتظر دون رد أو تمنح له وعود دون أن تتحقق يحطم أي كاتب خاصة في بداية مشواره الأدبي . لحد الآن لم أتعامل إلا مع دار نشر واحدة عرضت عليها عملي الثاني وأنتظر تأكيدا على طبعه واسمها " ميترو للنشر " للشاعر الطيب لسلوس وهذا الشاعر استقبل النسخة الأولية من " ثموشها أنّي " بحفاوة أشكره عليها ، وسأجيبك عن رضاي من عدمه مستقبلا بعد تعاملي مع دور نشر أخرى فحاليا لست مؤهلة لإبداء رأي حول ذلك.