الوطن

هؤلاء بعيدون عن هموم الشعب

السلطة، الأحزاب، والنواب...

 

لا ندري أي وصف يصلح لكي نصف به حال معظم قادة الأحزاب السياسية، وحال السلطة ووزاراتها، ولا حتى حال نواب البرلمان الذين تسموا جزافا باسم  "نواب الشعب"، فكل هؤلاء يغرد تغريدته من أجل مصلحته بعيدا عن الهموم الحقيقية لشعب مغبون يجري خلف كيس من الحليب، أو شقة لستر أبنائه من برد الشتاء، أو منصب شغل يحفظ كرامته، فأحزاب كالأفالان والأرندي والأفافاس وتكتل المعارضة، تتسابق في عرض مطالبها السياسية، سواء بالترشح، أو بطلب عهدة رابعة طمعا في منصب مقرب من الرئيس، أو الحصول على مكاسب تقول المعارضة إنها ضرورية لها للمشاركة أو المقاطعة بالنسبة للرئاسيات، ألا يصلح وصفهم بالمغردين خارج طموحات الشعب الذين يجعلونه شعارا في خطاباتهم الانتخابية فقط؟
مصطفى. ح
سمة البعد عن حقيقة معاناة الشعب، وصفة الأنانية والخطابات الرنانة الجوفاء، هو ما تتصف به أحزاب سياسية تتغنى بالدفاع عن الشعب وتدعي أنها تناضل لنيل حقوقه وجلب ديمقراطية خرافية له، فالشعب المغلوب على أمره، ما فتئ يدخل العام الجديد، حتى انعكست أمنيات سنة سعيدة إلى كوابيس تعيسة بسبب غلاء المعيشة جراء ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية الأساسية، بينما شكلت ندرة حليب الأكياس هذه الأيام الشغل الشاغل للمواطن، في حين، لم يتحدث ولا رئيس حزب عن كيس الحليب، ولا عن الهموم الحقيقية للمواطنين، بدليل أن حزبا كجبهة التحرير الوطني ينشغل منذ فترة بمشاكله الداخلية بحثا عن شرعية قيادته، فالأمين العام عمار سعداني الذي يخشى في أية لحظة أن ينقلب الكرسي على رأسه، ومع ذلك، لم يصرح ولا مرة في خطاباته عبر كل خرجاته الميدانية والإعلامية، بكلام في صالح هموم الشعب، بينما يسهب في الحديث عن تعديل الدستور وترجي الرئيس كي يترشح لعهدة رابعة، في حين لم يبد ولا قيادي آخر من الأفالان شجاعة في الحديث عن أهمية أن يعود الحزب للشعب ويتجذر بينه، فالحزب العتيد يجري نحو تحقيق طمع سياسي سواء منصب نائب الرئيس أو الوزارة الأولى، بينما لا تهمه مشاكل الشعب الحقيقية، إن هو جاع، أو بقي بلا مأوى، أو بلا عمل، ونفس الحال، تتواجد عليه أحزاب أخرى في خانة الموالاة، تجمع أمل الجزائر (تاج) يغرد تغريدة العهدة الرابعة ويجري عبر الولايات لحشد الدعم وعين رئيسه على مغنم في ما بعد الانتخابات، وحتى حركة حمس، التي تتغنى بخطابات منتقدة للسلطة، أغلقت الباب على نفسها واهتمت فقط بشؤونها الداخلية للخروج بموقف حول الرئاسيات سواء بمرشح عنها، أو بالمقاطعة أو بدعم مرشح توافقي إن وجد، فهي كباقي أحزاب المعارضة مجتمعة في تكتل العشرين، أو الثلاثين، أو لا ندري كم عددها، جميعها يجتمع على مطلب أوحد هو هموم الأحزاب، مطالب نزاهة الانتخابات، تشكيل هيئة مستقلة لتنظيمها، لا لتعديل الدستور قبل الرئاسيات، وهلم جرا، لكن لم تقم هذه الأحزاب بمخاطبة الشعب الذي هو الحلقة الاساسية في العملية الانتخابية، لم تنزل هذه الأحزاب للشارع وتحتج مع الشعب على غلاء الاسعار مثلا، أو ندرة أكياس الحليب، كما لم تشتغل قيادات أحزاب تدعي المعارضة الراديكالية كالأفافاس، جبهة العدالة والتنمية، وحزب العمال، هي أيضا منشغلة فقط بما ستأتي به السلطة بعد استدعاء الهيئة الناخبة. 
 فالشعب همه أن يعيش في عزة وكرامة، بينما تغريدات السياسيين، لم تزده عن همه شيء، فالأحزاب همها الانتخابات، والسلطة همها التصريحات اليومية بلغة الأرقام فقط، فوزير الداخلية مثلا لما يصرح بأن الدولة ستقلل من عدد الوثائق المطلوبة لاستخراج جواز سفر بيومتري، كأنها تضحك على الشعب، وهي تعلم أن غالبيته غير قادر على السفر ولا حتى الحصول على تأشيرة، يأتي هذا، ووزير الفلاحة يصرح بأن لا خوف على ارتفاع سعر الحليب، لكن لم يقل ما هي أسباب الندرة في كيس الحليب، يضاف إلى هذا، تلك الأنانية التي ظهر بها نواب البرلمان وهم يناقشون وزير الداخلية في مسألة جواز السفر الدبلوماسي، حيث طالبوا أن يمنح لهم جوازا دبلوماسيا مثل الوزراء، بينما لم يطلبوا مثلا من الوزير الأول الحضور للبرلمان ويسائلونه عن ندرة كيس حليب، أو قضية شراء السلم الاجتماعي عبر منح ملايير الدينارات للشباب في خرجاته الميدانية، فالنائب البرلماني والبرلمان عموما، استقال من تمثيله للشعب ودخل مرحلة البحث عن مصالحه الخاصة، فهو يطالب الدولة بإعادة النظر في معاشات النواب، بينما لم يطالب بالتحقيق في كيفية توزيع مناصب الشغل على مستحقيها، أو السكنات العمومية، أو التحقيق في غلاء المعيشة.
يظهر جليا من خلال المشهد السياسي في الجزائر، أن بين الشعب والسياسيين هوة، وبين السلطة والشعب هوة، وبين هموم الأحزاب وهموم العشب بعد المشرقين، فهل تفكر المعارضة التي تعارض فقط من أجل مكاسبها الانتخابية، في ممارسة السياسة انطلاقا من القاعدة الحقيقية للنضال، وهي الشعب؟
 

من نفس القسم الوطن