الثقافي
"سالاس ونوجة".. رواية أمازيغية بترجمة عربية
للروائي الجزائري إبراهيم تزاغارت
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 04 جانفي 2014
إذا كان هناك بيت من الشعر يمكن أن يختصر رواية إبراهيم تزاغارت، "سالاس ونوجة" التي صدرت ترجمتها العربية مؤخرا عن دار تيرا للنشر في الجزائر، فهو ما كتبه الشاعر الفرنسي لويس أراغون: "كفكفي دموعك أيتها الحياة، لا يوجد حب بدون امتعاض".
فصول من ورق، تتداخل فيها فصول من الحلم والواقع والهذيان وسيرة الإنسان والمكان الموجوعين بتطلعهما إلى غد جميل طال انتظاره، وقد لعبت اللغة التي راهنت على جمالية البساطة، دورها في القبض على اللحظة الإنسانية، بعيدا عن المراوغة. لم يجد الشاب "سالاس" -بعد أن فقد أمه في قرية أمازيغية- طريقا ينسيه هواجس الموت والحياة، سوى أن يحترف الملاكمة، وواتته الأحلام فأصبح في ظرف وجيز -بفضل إصراره وقوته- فتى الحلبة، حتى لفت الأنظار إليه، ولم يكن يتوقع أنه سيصبح ممنوعا من ممارسة رياضته التي برع فيها، بسبب إعاقة ألمت به إثر حادث دراجة. يحيل هذا الحادث المفاجئ بطل الرواية على ماضيه، حيث أمه التي فقدها، تماما كما فقد حلمه في الملاكمة، فيشرع في قراءة الحياة من الزاوية السوداء، وهي الزاوية التي لم يخرج منها إلا بوصول رسالة غيرت مجرى حياته. واستثمر الروائي في نصه تقنيات السينما، فخلق علاقة مباشرة بين القارئ والمشهد، وكان تركيزه على التفاصيل الصغيرة مطية جمالية لالتقاط الأنفاس والأحاسيس التي تؤثث الحكاية. ساعدت تقنية الاسترجاع (الفلاش باك) التي وظفها الروائي في مفاصل قليلة من الرواية، على فهم بعض الجوانب المعتمة في الحكاية، ومنها تلك المتعلقة بالرسالة التي لم تكن مرسلتها سوى "نوجة" الفتاة التي أنقذها "سالاس" يوما من الغرق في بحر بجاية، والتي غادرت إلى الجزائر العاصمة دون أن تترك له أثرا يدل عليها.
أحب "سالاس" الفتاة "نوجة" لأنها تشبه أمه، وأحبته لأنه يشبه الأرض، وإن كان كل واحد منهما يعرف دافعه إلى حب الآخر، فإنه يجهل كيف يلتقيه ثانية، وهو الواقع الذي أنشأ ما يمكن أن نسمّيه "ذاكرة المستقبل" من خلال الأحلام. يشكّل الحلم في رواية "سالاس ونوجة" نافذة يطل من خلالها الإنسان والمكان معا على ذواتيهما كما يريدانها أن تكون.
إنسان يحلم بطرفه الآخر الموغل في المجهول، ومكان يحلم بالخروج من جهل الآخر به، وهو المؤثث بالجمال في كل فصوله، وكأنه ورث اللعنة التي لحقت بأحد سكانه الأوائل المسمى "بلقاسم ناعلي أوقاسي"، نتيجة أن أولاده السبعة كانوا يعتدون على سفن التونسيين القادمين من جزيرة جربة. تقدم الرواية القرية الأمازيغية فضاء مفتوحا على السحر والجمال، وتقتفي أدق تفاصيل الأرض والسماء والبحر والجبل، بالموازاة مع التقاطها لتفاصيل ذاكرة أم "سالاس" الراحلة، من خلال حديثه عنها مع نفسه. يتداخل الحديث عن الأم مع الحديث عن الأرض، فيحصل تماه بينهما، حرص الروائي على ألا يخرج عن أبعاده الروحية والإنسانية، كما حرص على أن يتماهى حديث "سالاس" عن المستقبل مع حديثه عن "نوجة". يكابد "سالاس" من أجل أن يلتقي "مستقبله" المتمثل في "نوجة"، فيحصل ذلك في جامعة الجزائر، لكنه يبقى -مثل القارئ- في نهاية الرواية، لا يدري هل يتحقق مشروع الزواج أم ينهار أمام رغبة أبيها في أن ترتبط بغيره؟
نجحت رواية "سالاس ونوجة" في أن تكسر أفق انتظار القارئ العربي في الجزائر، من خلال أنها طرحت نفسها رواية التفاصيل الصغيرة للحياة، لا رواية القضايا الكبرى المتعلقة بجراح الهوية الأمازيغية، عكس الشعر الأمازيغي المكتوب منه والمغنى، والذي ينزع دوما إلى الاشتغال على أسئلة الانتماء، وما يتفرع عنها من هواجس وأشجان.
واستطاعت أن تبرهن لغويا وجماليا على أن اللغة الأمازيغية قادرة على استيعاب الأسئلة الوجودية للحياة روائيا، وأن الإشكال ليس فيها، بل في غياب مشروع جزائري للترجمة يمنح القارئ الجزائري باللغة العربية فرصة أن يرى الوجه الثاني من هويته المتعددة.
ف.ش/ وكالات