الوطن

الشارع.. "دومينو" السلطة والمعارضة للتحكم في الاستحقاقات

ما إن تنتهي في مكان حتى تطلق شرارتها في آخر

البعض يربط هذا الحراك بما ستحمله الرئاسيات القادمة من تمديد أو تجديد أو تغيير

ارتفعت، في الآونة الأخيرة موجة الاحتجاجات التي يقوم بها فئة من الشعب للمطالبة بالمزيد من الإصلاحات الاجتماعية بعدد من المدن الكبرى بالجزائر وبدرجة كبيرة العاصمة، التي تحوز على أكبر عدد سكاني مقارنة بباقي ولايات الوطن، وقد ربط البعض هذه الموجة من الاضطرابات الشعبية والحراك خاصة الذي تنطلق شرارته الأولى من الأحياء الشعبية التي طالما كانت تعيش على صفيح ساخن ولا تحتاج إلى بنزين لإشعال فتيل الأحداث فيها، مادام الشارع "دومينو" بيد السلطة والمعارضة يحاول كل واحد استعماله والدفع به إلى أقصى الحدود للتحكم في سير الاستحقاقات الكبرى في الجزائر، والتي يؤكد بعض العارفون بخبايا الحراك السياسي في الجزائر بأن هذا الحراك المشبوه الذي يتم منذ فترة في التجمعات السكانية لن يكون في منأى عن ما يتكون عليه الجزائر بعد الرئاسيات المقبلة التي قد تسير نحو خيارات ثلاثة إما التمديد وإما التجديد وإما التغيير في شخصية الرئيس المقبل للجزائر، ويوضح البعض الآخر أن الدفاع عن مشروع التمديد سيطرح بقوة في أعلى هرم السلطة في حالة واحدة فقط تكون مرتبطة بتسارع وتيرة الحراك الشعبي في كبرى العواصم الجزائرية وهو الهاجس الذي يؤرق الساسة الذين ينتمون إلى تيار المعارضة في الجزائر أما الآخرين الذين يدافعون عن العهدة الرئاسية الرابعة سيدافعون عن خيار التمديد أكثر من خيار التجديد إذا ما تحرك الشارع وقال "لا" في وجه الإصلاحات "المغشوشة "التي تقوم بها الحكومة دون أن تحقق الأهداف المرجوة على أرض الواقع، وهو ما أكده بعض الفاعلين في المشهد السياسي في حديث لهم مع"الرائد"، التي تقربت منهم لاستقصاء آراءهم حول القضية.

يوسف حميدي رئيس الحزب الوطني الجزائري:"لن نقبل أن يفتعل في رئاسيات 2014 كالمواعيد السابقة..ولو تطلب الأمر قيام نوفمبر جديد في الجزائر !"

اعتبر، يوسف حميدي، رئيس الحزب الوطني الجزائري، أنّ قواعد اللعبة السياسية التي اعتادت السلطة أن تنتهجها في المواعيد الانتخابية الكبيرة لم تعد تجدي اليوم، وعليها أن تغير في هذه القواعد لأن التيار المعارض لها أصبح أكثر قوة مما كان عليه في السابق، ورغم سياستها المتكرر لإضعافه إلا أنه سيكون أقوى في قادم المواعيد، مشيرا في السياق ذاته بأن حزبه الذي اختار عن قناعة تامة الدفع بالمرشح علي بن فليس نحو رئاسيات 2014، وهو الحزب الفتي الذي أنشأ في 2011، سيقول كلمته في الموعد الرئاسي القادم، مهما حاولت السلطة أن تقدم من مناورات كتحريك الشارع أو الدفع به للمطالبة بالاستقرار الوهمي الذي تراهن عليه في الجزائر، مؤكدا على أن فكرة دعم بن فليس في هذا الاستحقاق هي نتاج تقارب الرؤية بين حزبه وبين البرنامج الانتخابي له.

وقال حميدي أنّ الشعب الجزائري اليوم واعي بالمسؤوليات التي ألقيت على عاتقه ولن يرضى بأن يكون بيدق في يدّ السلطة تحركه وقتما تشاء نحو خارطة الطريق التي تريدها، لأن هؤلاء على حدّ تعبير المتحدث، لن يقبل كما لن تقبل التيارات السياسية الأخرى التي تعارض سياسة السلطة، بأن يفتعل في رئاسيات 2014 كما في الرئاسيات الفارطة والمواعيد الانتخابية السابقة التي كرست لمبدأ السلطة حتى لو تطلب الأمر القيام بثورة نوفمبرية جديدة في الجزائر على حدّ تعبيره.

وفيما يخص رأي حزبه في الحراك الذي يحدث في الشارع الجزائري بشكل متفرق ومنظم في بعض الأحيان قال حميدي أنّ هناك أطراف تحاول أن تستغل هذا الغليان الشعبي للوصول إلى مآرب شخصية تتعلق بشكل أو بآخر بما ستحمله الساحة السياسية في قادم الأيام بخصوص رئاسيات أفريل 2014، بالرغم من أن هناك أطراف أخرى تحاول أن تطفئ نار الفتنة هذه لكن البعض الآخر يحاول أن يحركها على حسب تطلعاته المستقبلية للمشهد السياسي الذي ستقبل عليه الجزائر والذي بالتأكيد لن يكون كسابقيه، لأن الرئاسيات المقبلة وجو التحضير لها يختلف عما عاشته الجزائر في السابق.

وفي سياق متصل، أشار المتحدث إلى أنّ هذه الأطراف التي تتدخل في هذا الحراك لازالت مخفية وتنشط بشكل غير واضح المعالم، وهذا للعمل على الاستفادة من الوضع العام بشتى الطرق والأساليب، ولكن أعتقد_يضيف حميدي_، أن الواقع المعيشي وبالرغم من كل شيء هو الذي سيدفع بالجبهة الاجتماعية للشارع والانتفاضية ضدّ سياسة الترقيع التي يقوم بها مسؤولونا منذ سنوات، وفشلها في تقديم حلول للأوضاع المزرية التي يعيشها الشعب، بالرغم من الخيرات التي تتمتع بها الجزائر، والتي لم تستثمر فيه في الطاقات المتاحة أمامهم لتحقيق استقرار اجتماعي وسياسي، وحققت فشلا ذريعا على جميع الجبهات، منوها في الصدد ذاته بأن الوضع اليوم في الجزائر جدّ سيء في ظل غياب استجابة من السلطة لمطالب الشعب، وظلت تنتهج سياسية الصمت تجاه كل ما يحدث سواء في المدن الكبرى أو في المدن الداخلية، وحتى على المستوى الخارجي الذي لا يتوانى مسؤولونا عن بيعنا للحكومة الفرنسية ومسؤوليها بأبخص الأثمان.

عبد المجيد مناصرة رئيس جبهة التغيير:" طالما أنّ الحكومة تعتبر مطالب الشعب مشكلة فلن يهدأ هذا الحراك !"

انتقد، عبد المجيد مناصرة، رئيس حزب جبهة التغيير، تعامل الحكومة الحالية مع موجة الاحتجاجات التي تحدث هنا وهناك في الشارع الجزائري، حيث يرفض مسؤولونا اعتبار أن هذا الحراك يأتي تمهيدا لفتح قنوات الحوار مع هؤلاء والاستماع إلى انشغالاتهم ومعالجتها، غير أن سياسة الحكومة المنتهجة مع هؤلاء من خلال اعتبارهم مشكلة لا يمكن أن تؤدي إلى نتيجة بين ليلة وضحاها لما تحمله المرحلة المقبلة من استحقاقات كبرى وهامة بالنسبة للساسة وللشعب الجزائري عموما.

واعتبر المتحدث في الصدد ذاته، أنّ أسبابا عديدة تتحكم في حالة الحراك الذي تعيشه بعض مناطق البلاد للمطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية، مشيرا في هذا السياق إلى أنّ حالة الغموض التي تكتنف المشهد السياسي العام في الجزائر في الفترة الحالية التي تسبق رئاسيات أفريل المقبل، هي التي خلقت هذه الحالة من الترقب والخوف والخروج عن المألوف، ولم يستبعد مناصرة أن تكون بعض الأطراف متورطة في حالة الفوضى هذه التي تعم بعض ولايات الوطن، لكنه رفض توجيه أصابع الاتهام لجهة على حساب جهة أخرى، لكنه اعتبر أن الأطراف هذه مهما كان هدفها عليها أن لا تنسى أن الشعب الجزائري وبخاصة فئة الشباب التي يحاول البعض إبعادهم عن العمل السياسي وما يحدث من حراك على جميع الجبهات خاصة الاجتماعية، هم النواة الأولى لاستقرار أي حكومة واستقرار الدول.

فيصل بلهادي رئيس حزب جبهة الحكم الراشد: "لطالما ارتبط الحراك الشعبي بمساعي بعض الأطراف لتحقيق مكاسب على حساب أخرى !" 

أكد، فيصل بلهادي، رئيس حزب جبهة الحكم الراشد، على أن المشهد السياسي والخلفيات الاجتماعية التي تتحكم في المجتمع الجزائري، لطالما ارتبط الحراك فيها بالمواعيد والاستحقاقات الكبرى التي تقبل عليها الجزائر، وبالنظر إلى أن الموعد القادم الذي يتطلع إليه كل الجزائريين سواء المنخرطين في الساحة السياسية أو البعيدين عنها، لن يكونوا في منأى عن هذه التطلعات، مشيرا إلى أن  الخلفيات التي تتحكم في هذا الموعد من ضبابية وغموض دفعت ببعض الأطراف إلى استغلال الوضع للمطالبة باستجابة لمطالبهم التي لم تتغير منذ سنوات عديدة تتواجد فيها نفس الحكومة في سدّة الحكم، موضحا في السياق ذاته إلى أن هذا الحراك ولو حاولت بعض الأطراف أن تشخصه وتصفه بـ"البريء"، لأنه يأتي متفرقا ودون تنظيم مسبق بين الأطراف المحتجة إلا أن سيحمل أبعاد أخرى في المستقبل في ظل تواصل الاحتقان الذي يعيشه الشارع الجزائري، خاصة وأن غالبية المجالس المنتخبة ترفض أن تقوم بالدور المنوط بها في الوقت الراهن، واختارت العزلة عن ما يحدث من حراك ومطالب جماهيرية هنا وهناك.

وفي السياق ذاته اعتبر المتحدث أنّ التدفق المالي الكبير الذي تكشف عنه الحكومة في الخرجات الأخيرة التي يقوم بها الوزير الأول عبد المالك سلال، وعدم تحقيق مطالب الشعب على أرض الواقع مقارنة بكمية الضخ المالي هذا جعلت الشارع يعيد النظر في سياسة مطالبه، وغير بعيد عن هذا الوضع الذي بدأت بوادره تظهر في الأسابيع الماضية فإن برنامج رئيس الجمهورية الذي كان منذ 1999 ولم يتغير حتى اليوم أسابيع قليلة تفصل عن نهاية عهدته الرئاسية الثالثة، لم تكن قادرة على الاستجابة لمطالب الشعب فلا برنامج المليون سكن قضى على مشكل السكن في الجزائر ولا برنامج المليون ونصف المليون وظيفة قضى على مشكل البطالة، لذلك فالشعب تيقن بالمشكل في البرامج وفي سياسة التخطيط التي لن تأتي بأي إضافات له ولن تحقق أي مطلب من مطالبه لذلك كان خيار الاحتجاج الحل لقول كلمة..يكفي لهذه السلطة.

وفي الأخير نوه بلهادي، إلى أنّ  الحراك الذي يتزامن عشية استدعاء الهيئة الناخبة للرئاسيات المقبلة والتي ستكون في الأسبوعين الأولين من شهر جانفي الداخل، حتى وإن فسرته بعض الأطراف بأنه بريء فإنني أتوقع أن يحقق آثارا جانبية ستحقق مكاسب لأطراف على حساب أخرى في اللعبة السياسية.

 

البروفيسور بوحنية قوي:  "تصعيد الخلاف في غرداية يعود إلى تنامي أصوات تعمق هذا الشرخ"

 

قال الدكتور والمحلل السياسي بوحنية قوي إن الاحتجاجات في الجزائر خصوصا ذات المطلب الاجتماعي والاقتصادي تحولت إلى شبه رياضة يومية في ظل تنامي شعور لدى الشارع أن النزول إلى الميدان يجعل السلطة ترضخ للمطالب المتزايدة. ويعتبر بوحنية أن بين الاستحقاقات الانتخابية وموجة الاحتجاجات المتنامية هناك خلل عميق في بنية التفكير الاجتماعي، خلق هذه الصورة وهذا التصور للأسف الشديد والشارع الجزائري لا يهتم كثيرا بالشأن السياسي والانتخابي وإنما يؤرقه الشأن الاجتماعي ومطالب الشغل وتحسين نمط الحياة. 

وعن الاحتجاجات في غرداية، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة ورقلة، أنها أخذت بعدا اجتماعيا وانقساميا جديدا لم يكن في السابق، وقد تحول الاختلاف التاريخي في بنية مكونات مجتمع غرداية إلى خلاف حقيقي في ظل تنامي أصوات تعمق هذا الشرخ وفي ظل غياب أصوات الحكمة مادامت لا تتوفر أجندة حقيقية لإصلاح ذات البين، من طرف هيئات المجتمع المدني المكونات للمجتمع المحلي، فإن حالة التشظي والانقسام ستزول وتطفى وتعود أيضا من جديد في سيناريو صعب الحلحلة. أما في حالة العاصمة يقول بوحنية قوي "المطالب اجتماعية ومجتمع العاصمة مشاكله الاجتماعية عويصة ومستعصية خصوصا مطالب السكن والشغل، ولذلك فمن الحكمة التفكير في إعادة صياغة خارطة العاصمة الجزائرية وفق رؤية متشابكة ومتكاملة تتعدد فيها المقاربات الاصلاحية".

ويعتقد البروفيسور بوحنية أن أصابع الاتهام في أحداث غرداية موجهة للكثيرين ولكن في حالة الانقسام والاحتجاج في غرداية، فإن المسؤولية متضافرة لأن الاحتجاج يبين عن ضغائن عميقة وخلافات تاريخية كان يتم التغاضي عنها بأسلوب غير مسؤول. وأضاف "شخصيا أؤمن أن حكماء المنطقة من العزابة وبقية العروش وممثلي الهيئات السياسية الرسمية أمام منعطف تاريخي قد يعصف بجو التآلف التاريخي المميز للمدينة، وأعتقد بضرورة إقامة أجندة لخارطة وئام مدني مصغر للخروج من المأزق الحالي وإلا فإن الوضع المستقبلي ينذر بمخاطر لا تحمده عقباها".

 

 

المحلل السياسي عبد الوهاب بن خليف:  "الحراك الاجتماعي قنبلة موقوتة ويجب احتواء الوضع قبل الانفجار" 

 

يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر 3 والمحلل السياسي عبد الوهاب بن خليف أن بعض الاطراف تحاول استغلال الحراك الاجتماعي الذي تمر به الجزائر، في هذا التوقيت بالذات، لمحاولة تحقيق مكاسب سياسية ، خصوصا مع عدم وضوح الرؤية في المشهد السياسي المتخبط، وقرب الانتخابات الرئاسية ، واستدعاء الهيئة الناخبة، كلها أمور يقول بن خليف لها أثر سلبي على الصعيد الاجتماعي ومن شأن هذه التجاذبات تغذية التصعيد بمحاولة كل طرف استغلال الوضع لصالحه. بن خليف لم يخف تأثير الحراك في دول الجوار على الجزائر بحكم توتر الاوضاع خاصة في الجنوب، وربط ما يحدث في جنوب الجزائر بمخطط سياسي أجنبي يحاك في الخفاء من اجل توتير الاوضاع واستغلالها في خدمة مصالحها. ودق أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، ناقوس الخطر لما يحدث من احتجاجات في الجنوب وبالضبط بمدينة غرداية، مضيفا أن هذه الاحتجاجات قنبلة موقوتة ممكن أن تنفجر في أي لحظة إذا لم يتم احتواء الوضع في الوقت المناسب وقبل تدهور الوضع أكثر مما هو عليه ، لأن هذه الاحتجاجات لا تحمل مطالب اجتماعية بل هو صراع عشائري كفيل بنسف المنطقة، وهنا طالب بن خليف بالتدخل لوضع حد لما يجري في غرداية. وأبرز عبد الوهاب بن خليف أن الوضع في الجزائر يعيش مجموعة من التجاذبات بين نظام يريد الاستمرار في السلطة ومعارضة تريد طرح بديل وهذا الصراع الموجود قائم منذ ستة أشهر ومستمر حاليا مع قرب موعد الرئاسيات وعدم وضوح الرؤية بشأن هذه الأخيرة. الحراك الاجتماعي ربطه بن خليف بمحاولة كل طرف استمالة الوضع لصالحه للتموقع بشكل جيد يضمن أكبر حشد وتأييد في الانتخابات الرئاسية التي لا تفصلنا عنها سوى أشهر فقط. وعن محاولة كسب الشارع قال بن خليف إن ما تقوم به السلطة حاليا من خلال الزيارات المتعددة التي تقوم بها الحكومة وعلى رأسها الوزير الأول تحاول بها كسب الشارع عبر إطلاق المشاريع ومنح الأظرفة المالية، لحل المشاكل واستثمار الوضع لصالحها، خاصة استغلال ملف السكن الذي عاد للظهور إلى السطح من خلال إطلاق عدة مشاريع في هذا المجال ، وأما من ناحية المعارضة يقول بن خليف فهي تحاول الضغط وكشف الخلل وإثارة الملفات الاجتماعية كالبطالة والسكن وغيرها، والهدف منها إبراز فشل السلطة في مسايرة مشاكل الشعب. 

 

   خولة بوشويشي/فيصل شيباني

 

من نفس القسم الوطن