الوطن

من اليمين إلى اليسار.. "ورقة الجزائر" تشغل المتسابقين نحو قصر الإليزيه

مستقبل العلاقات بين البلدين من أجندة مترشحي الحملة الانتخابية الفرنسية

 تفانى مرشحو الرئاسيات الفرنسية على اختلاف مشاربهم السياسية خلال الأسابيع الماضية في إعادة استقراء واقع العلاقات مع الجزائر على المدى المنظور، ومع انشغال الإعلام الفرنسي بـ"خمسينية الاستقلال" حاول المتسابقون لنيل شرف رئاسة قصر الإليزيه ركوب موجة "الذاكرة وحرب الجزائر"، وحادثة مراح ووفاة أول رئيس للجمهورية الجزائرية أحمد بن بلة والهجرة، طمعا في حصد مزيد من أصوات الناخبين، وهنا ارتأت "الرائد" العودة إلى أبرز المترشحين وأوفرهم حظا لاعتلاء سدة الحكم في فرنسا.
وأظهرت الأحداث المتلاحقة بما لا يدع أدنى مجال للشك وضع جل المترشحين للرئاسيات الفرنسية، سواء من أقصى اليمين إلى اليسار الفرنسي أهمية للعلاقات مع الجزائر لحسابات سياسية وأخرى اقتصادية، ليقحم هذا الاسم المستعمر القديم الذي لا زالت أطراف ترفض الاعتذار عن جرائم ارتكبت في حق الجزائريين عمرها 132 سنة في حملاتهم الانتخابية، وهي نقطة التقاء مختلف التيارات السياسية دون استثناء، ويعتبر نيكولا ساركوزي المنتهية ولايته والمرشح لنيل عهدة ثانية أكثر الفرنسيين انشغالا بالمسائل الجزائرية.

ساركوزي يرفض "التوبة"
وساركوزي الذي يرفض "التوبة" وهو يتوجه عام 2007 بنصيحة للنظام الجزائري الحالي، بعدم تحميل الجيل الجديد في فرنسا لما اقترفه الأجداد، يشدد من لهجته تجاه كل ما هو جزائري منذ بدء الحملة الانتخابية، التي فضلها أن تكون من مقتل محمد مراح المتهم بتنفيذ عملية إرهابية أودت بحياة سبعة أشخاص منهم يهود وذلك إيمانا منه بما توفره من صدى إعلامي وجذاب لأصوات الفرنسيين المنهكين بارتفاع مستوى البطالة والسكن في عهدته الممتدة على مدى خمس سنوات، ليتم التركيز على أصوله الجزائرية وبالتالي استحضار مسألة الهجرة غير الشرعية التي قال إن فرنسا الملتزمة بسياسة تحكم في الهجرة وقعت بشأن هذه الأخيرة نحو 15 اتفاقا حول احتواء تدفق المهاجرين منذ تولي نيكولا ساركوزي الرئاسة في 2007، الأمر الذي يدعو إلى إبرام اتفاقات نهائية بعد التفاوض مع أبرز البلدان التي يأتي منها المهاجرون وعلى رأسها الجزائر موضحا بالحرف الواحد "بعد خمسين سنة على نهاية الاستعمار يجب أن ننهي بلا تأخير إعادة التفاوض مع الجزائر حول اتفاقات تفضيلية في مجال الهجرة تعود إلى 1968" علما أن اتفاقات مشتركة للتحكم في تدفق المهاجرين عقدت مع بنين وبوركينا فاسو والكاميرون والرأس الأخضر والكونغو برازافيل والغابون وجزر موريشيوس ولبنان ومقدونيا ومونتينغرو وروسيا والسنغال وصربيا وتونس، لكن المفاوضات لم تسفر عن نتيجة مع الجزائر التي "يأتي منها أكبر عدد من المهاجرين" ومالي والصين بعد أن كان متوقعا أن تؤدي إلى إبرام اتفاق خلال ،2010 بينما تم التوقيع مع المغرب ببساطة على اتفاق حول التنقل المهني للشبان، وقد يكون هذا سببا لتعادل ساركوزي في نتائج انتخابات الدورة الأولى بحسب آخر استطلاعات الرأي مع المرشح الاشتراكي فرانسيس هولاند، لكن استطلاعات الرأي كذلك ترى أن ساركوزي سوف يخسر في انتخابات الدور الثاني والنهائي التي سوف تجرى في 6 ماي المقبل أمام فرانسيس هولاند.

هولاند يصطاد في مياه الراحل "سي أحمد".. والتاريخ شأن آخر

و يكون هولاند اليساري أكثر منافسي ساركوزي شراسة وحنكة في السباق نحو الإليزيه حيث بدا موقفه واضحا في قضية حرب الذاكرة، بعدما ردد بصيغة أخرى الاعتذار عن جرائم بلاده بحق الجزائريين لو اعتلى سدة الحكم، رغم تقديمه واجب العزاء للرئيس الأسبق الراحل سي أحمد، وقال هولاند في بيان "إن بن بله سيظل بالنسبة للجزائريين والفرنسيين رمزاً لاستقلال الجزائر الذي يعد خطوة تاريخية مصيرية بالنسبة للبلدين"، مثنياً على ذكرى أول رئيس للجزائر بعد الاستقلال عن الاحتلال الفرنسي وهي نقطة أخفق في كسبها غريمه ساركوزي، الذي تجاهل الحادثة واعتبرها لا حدث، وعد المرشح الاشتراكي للرئاسة في فرنسا، وطمعا لاستعطاف أصوات الحركى والأقدام السوداء أكد "بالاعتراف" بمسؤولية فرنسا في "التخلي عن الحركيين" إذا انتخب في الاقتراع الذي سيجري ماي المقبل، وكتب المرشح الاشتراكي في رسالة إلى جمعيات الحركيين "إذا منحني الشعب الفرنسي ثقته، أتعهد بالاعتراف علنا بمسؤوليات الحكومات الفرنسية في التخلي عن الحركيين وتصفية الذين بقوا في الجزائر وظروف استقبال العائلات التي نقلت إلى مخيمات في فرنسا".
وهكذا يتضح موقف الرئيس المفترض لفرنسا من مسائل شغلت الطبقة السياسية بالبلدين على مدى العقود الماضية، خصوصا بالنسبة لليمين المتطرف الذي تكون ابنة المهندس الذي تولى تعذيب الجزائريين مارين لوبان إحدى المرشحات التي أظهرت خطابا "عنصريا" خلال حملاتها الانتخابية.
مارين لوبان على خطى والدها "مهندس تعذيب الجزائريين"

ويتقاطع خطاب مارين لوبان "العنصري" المترشحة عن الجبهة الوطنية مع ساركوزي في موقفها من مسألة الهجرة التي ارتأت أن تكون أحد مرتكزات أجندتها السياسية المثقلة بالتركيز على قضية الأمن، حيث اغتنم اليمين الفرنسي الفرصة منذ اليوم الأول من مقتل مراح وحتى قبل ذلك للتذكير بالخطر "الأصولي الإسلامي" ووصلت مارين لوبان مرشحة الجبهة الوطنية الفرنسية للانتخابات الرئاسية (أقصى اليمين) إلى حد التحذير من خطر الأصولية (الإسلامية) المحدق بفرنسا. وقالت لوبان في تصريحات لإذاعة إسرائيلية من تل أبيب "ثمة أحياء كاملة في الضواحي تحت سيطرة الأصوليين وأسلحة تنتقل، وتمويل خارجي يدخل" في إشارة إلى الجزائريين الذين يكون مراح أحدهم، واتهمت لوبان الاستخبارات الفرنسية بالتقاعس حيال "الخطر الأصولي الإسلامي" في وقت كان فيه مسؤولون سياسيون فرنسيون بينهم الرئيس ساركوزي يدعون لعدم الخلط بين الإسلام والإرهاب، وبالموازاة يتوقع خبراء خلال اليوم الأخير من الحملة الانتخابية أن تفوز مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان بـ 17 في المئة من مجموع الأصوات، بينما تتراوح شعبية مرشح أقصى اليسار جان لوك ميلينشون من 14 إلى 15 في المئة.

ميلينشون المتحفظ من حرب الذاكرة

وبدا واضحا توجيه المرشح عن جبهة اليسار ملينشون إلى الداخل والأوضاع الاجتماعية الفرنسية حيث لم تحض الجزائر بفرصة إلا ما ندر حيث أكد في إحدى المقابلات الصحفية مع جريدة "لو ماتان" الفرنسية أنه سيقوم بأولى زياراته إلى الجزائر في حال فوزه في الرئاسيات، مفضلا عدم الخوض في قضية الذاكرة التي أصبحت تشغل الطبقة السياسية أما فرانسوا بايرو، السياسي الأكثر شعبية، ويمثل خط الوسط، فلم يكن تقدمه كما كان متوقعا، كما أن تطرقه إلى المسائل التاريخية لم يكن موجودا.

من نفس القسم الوطن