الثقافي

الأنظمة الدكتاتورية وحق تقرير المصير في رابع أيام الفيلم الملتزم

أفلام القضية الصحراوية والنساء المكافحات من الموزمبيق

 

تستمر قاعة الموقار في الجزائر العاصمة في احتضان الطبعة الرابعة من المهرجان الدولي للسينما أيام الفيلم الملتزم والتي تستمر الى غاية 26 من نفس الشهر . وعرضت اول امس مجموعة من الافلام ابرزها فيلم عن القضية الصحراوية، فيلم يحكي قصة نساء مكافحات ضد الدكتاتورية في الموزمبيق. 

الفيلم البرازيلي “مارغاريدا العذراء” الاغتصاب لإجهاض الثورة

أبرز المخرج البرازيلي، ليتشينيو أزفيدو، في فيلمه “مارغريدا العذراء”، قصصا حقيقية لنساء بطلات وشجاعات، كنّ ضحية نظام اشتراكي خاطئ أعلن عن إحداث تغييرات في المجتمع الموزمبيقي سنة 1975. حيث صور حياتهن داخل معسكر لإعادة التأهيل شمال البلاد، ميزته الأشغال الشاقة والتدريبات الصارمة التي فرضها الثوار عليهن. المخرج أزفيدو المقيم في موزمبيق، الذي عرض عمله سهرة السبت، بقاعة الموقار في إطار برنامج الفيلم الملتزم الرابع، طرح فكرة مهمة تتعلق بكيفية تصحيح حياة صعبة لنساء تقبعن داخل معسكرات لإعادة التربية شبيهة بالسجن، يسودها التعذيب وفرض الأعمال الشاقة والتأديب التعسفي، بهدف تحويلهن إلى “نساء جديدات” في المجتمع سواء كأم أو كزوجة لها مهنة أنثوية وتخدم الشعب على غرار نظيرها الرجل، وبالتالي إيجاد ذهنيات جديدة هي بالدرجة الأولى الفكرة التي جاء بها النظام الاشتراكي الذي تبناه الثوار بعد رحيل الاستعمار البرتغالي سنة 1975. يحيل الفيلم المتفرج إلى مشاهد، تبرز القمع العشوائي الممارس من قبل الحارسات وجيش الحكومة القائم، ويتبنى تلك الأفكار التي لا تخلو من حب النفس والأنا. ويستعرض الفيلم جانبا آخر مشرق لهاته النسوة اللاتي تسلحن بالشجاعة والقوة والاتحاد لتجاوز العقبات المختلفة التي واجهتهن خلال الحقبة السوداء التي قضين فيها حياتهن في مركز إعادة التأهيل في الأدغال، حيث دافعن بشراسة عن شرفهن وتحررهن. سلط المخرج الضوء على هذه الفترة التي قامت فيها حكومة “فريليمو” بتنظيف شوارع العاصمة من العاهرات وبيوت الدعارة وأرسلت الآلاف منهن إلى مراكز معزولة شمال البلاد حتى تمحى بسرعة الآثار التي خلّفها الاستعمار، حيث مست العملية معظم النساء بمن فيهن الشريفات وطبقت عليهن عقوبات وقوانين صارمة كانت جدّ قاسية استمرّت سنتين. زهاء 500 امرأة تم اعتقالهن، من بينهن الفتاة “مارغاريدا” البالغة من العمر 16 سنة، التي وجدت نفسها عن طريق الخطأ وسط نسوة لا تشبههن. وهي الفتاة البسيطة التي جاءت من الريف إلى المدينة لاشتراء جهاز عرسها ولم تكن حينها تحمل أوراق هويتها مما جعل عساكر الحكومة يعتقلونها. فكان منعرجا غيرّ حياتها وهدم أحلامها فكونها عذراء زاد من أطماع المحيطين بها، لكن تمكنت المعتقلات من حمايتها طوال فترة الاعتقال واستطعن أن يفرجن عنها وسبقتها محاولة فرار فاشلة، حيث قدمن اعترافات جريئة للقائدة “جوانا” بضرورة إطلاق سراحها، وخلال زيارة تفتيش القائد لمخيم الاعتقال تم تبرئة “مارغارديا” وأنّ اعتقالها باطل وغير شرعي باعتبارها فتاة شريفة، فاقتنع القائد بذلك وقرر الإفراج عنها. لكن ما حدث هو انّه حينما نقلها إلى المدينة قام باغتصابها بوحشية، عكست المبادئ والنظام الذي كان يدعو له والثورة الاشتراكية التي أسس لها بهدف ترقية المجتمع من جميع الجوانب.

 

الوثائقي “الجهة الأخرى للجدار”: الصحراء الغربية.. استمرار المقاومة 

يشكل الجدار العازل المرابط على طول 2700 كلم الذي رصته القوات المغربية على الأراضي الصحراوية، صميم موضوع الفيلم الوثائقي “الجهة الأخرى للجدار، ثائرو الصحراء الغربية”، الذي بدوره يشكل المعاناة الحقيقية الجاثمة على قلوب الشعب الصحراوي، اللاجئين منهم والمتواجدين في الأراضي المحررة والمحتلة. يفكك المخرج دونيس فريسال، من خلال فيلمه المقدم مساء اليوم بقاعة الموقار في إطار مهرجان الجزائر الدولي للسينما، مراحل الانتهاك المغربي للشعب الصحراوي وثرواته الاقتصادية، بسرد تاريخي وإنساني للقضية التي مازالت تنتظر الفرج في تقرير مصيرها حسب ما أفضت إليه اللوائح الأممية، عبر استفتاء حر ونزيه تشرف عليه الهيئة الأممية ويتوزع على الجدار الملايين من الألغام، حتى يصعب للصحراويين التنقل إلى مخيمات اللاجئين الصحراويين بتندوف بالجزائر، ومرور اللاجئين للقاء ذويهم بالأراضي المحررة والمحتلة. إنه أشبه بالطوق القاتل حيثما وضعت قدمك فاحتمال انفجار الألغام وارد بقوة، إذ ذكر الفيلم أن القوات المغربية وضعت ما معدله 10000 لغم لكل مواطن صحراوي، وهو رقم يثير الهلع والخوف. ونقل الفيلم شهادة مدرس صحراوي تمكن من الإفلات والتحق باللاجئين في مخيمات تندوف. يُجهر العمل ( 49 دقيقة) بصوت عال صوت المقاومة الصحراوية التي تتكتم عليها القوات المغربية المحتلة منذ حوالي أربعة عقود، وتمكن أصدقاء الشعب الصحراوي من إنتاج هذا العمل بفضل تسريبات الفيديو لمواطنين صحراويين من مدينة العيون المحتلة ومخيم اكديم نزيك تحوي على مشاهد مرعبة للقمع المغربي، وهي فيديوهات مسجلة بالهواتف النقالة، على علم أن النظام المغربي يرفض كل أشكال الإعلام لتغطية المنطقة حسب قانون الإعلام الساري بالمملكة المغربية. ولهذا السبب احتوى الفيلم على مشاهد مهربة من جحيم العيون المحتلة، غير مؤطرة وصورها غير ثابتة وصوتها غير دقيق، إلا أنها حملت مضمونا عميقا هدفه تنوير البشرية بآخر مستعمرة بإفريقيا ما زالت تنشد الاستقلال رغم مرارة العيش. وأخذ الفيلم عدة أبعاد من حيث التناول، إذ عمل بصور الأرشيف التي تعود إلى فترة التهديد المغربي فور خروج الاحتلال الاسباني سنة 1973، واستخدم أرشيف لمداخلات العديد من النشطاء الصحراويين وشهادات لضحايا القمع وصور لآثار التعذيب تقشعر له الأبدان، وتناول حتى تقارير المنظمات الحقوقية على غرار هيومن رايت المعروفة، ووشح كل هذه السلسلة أغاني لنسوة نابعة من عمق الصحراء الغربية وثقافتها. 

 

“كونغ بين، ليل هندو صيني طويل”:

المخرج لام لي ينفض غبار الذاكرة عن الضحايا المنسيين

 الفيلم الوثائقي الفيتنامي “كونغ بين، ليل هندو صيني طويل” لمخرجه لام لي، الذي عرض بالعاصمة هذا السبت، هو دعوة للشعب الفيتنامي للبحث في الصفحات “المظلمة” من تاريخه النضالي لاسترجاع حريته، التي صادرتها فرنسا الكولونيالية. يعود العمل بالذاكرة الجماعية الى الـ 20000 مجند في مستعمرات الهند الصينية، لخلافة العمال الفرنسيين قبل الحرب العالمية الثانية، وما حل بهم بعد انتهاء الحرب. عرض الفيلم في ثالث أيام المنافسة الرسمية للأفلام الوثائقية، بقاعة الموقار، ضمن فعاليات مهرجان الجزائر الدولي للسينما في طبعته الرابعة. يقدم شهادات حية لناجين فيتناميين من التجنيد الاجباري للقوات الفرنسية في الحرب العالمية الثانية، وكيف تم إقحامهم في المصانع وحقول الأرز الموجه محصولها لفائدة فرنسا الاستعمارية. كما يصف الفيلم كيفية وظروف ترحيل آلاف منهم الى فرنسا خلال الحرب، التي رافقتها ألوان من العذاب والعبودية والإذلال الممزوج بخزي المستعمر في معاملة هؤلاء الشباب.

عمل المخرج لام لي على إبراز العديد من الجوانب والحقوق الانسانية التي تم انتهاكها من قبل القوات الفرنسية. والبداية من عام 1939 تاريخ نقل العمال الفيتناميين الى مصانع الأسلحة والذخيرة، وصولا الى حقول الأرز التي أصبحت رائجة في فرنسا بفضل هؤلاء العمال المحتجزين في المعتقلات والمخيمات على غرار “مازارغوس”. مخيم شهد وفاة العديد من العمال إلى غاية ماي 1948، ادوا أخطر المهمات مقابل أجور زهيدة.

فيلم “كونغ بين، ليل هندو صيني طويل” يعتمد على شهادات الناجين من هذه التجربة، وبعض الوثائق التاريخية التي تكاد تكون معدومة، لسعي المستعمر لجعلها في طي النسيان، لكن إرادة المخرج لام لي وذاكرة المنبوذين أو الجنود المنسيين الذين يعتبرهم المجتمع الفيتنامي عملاء للكيان الاستعماري رغم مساندتهم للزعيم التاريخي “هو شي منه” كما صورهم الفيلم حالة دون تحقيق ذلك، وهذا من خلال الاستعانة بشكلين في تقصي الحقائق كان اولهما السرد المباشر، والثاني اعادة بناء الحادثة التاريخية في مشاهد جديدة بممثلين او عرائس المياه التقليدية المشتهرة في الفيتنام.

فيصل شيباني

 

من نفس القسم الثقافي