الثقافي
بانوراما الفيلم الملتزم والقضايا الإنسانية
اليوم الثاني من مهرجان الجزائر الدولي للسينما
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 21 ديسمبر 2013
تتواصل لليوم الثاني على التوالي فعاليات مهرجان الجزائر الدولي للسينما في طبعته الرابعة بعرض الأفلام الملتزمة بالقضايا الإنسانية في الدرجة الأولى، حيث عرف أول أمس عرض الفيلم الجنوب إفريقي "ما رواء العدو" والفيلم الأمريكي “حرروا أنجيلا وكل المساجين السياسيين”.
“ما وراء العدو” الحب يطفئ نار العنصرية
عاد المخرج الجنوب إفريقي لاتسوي سيروتي، بالذاكرة إلى سنوات الثمانينيات من القرن الماضي، حيث كانت لغة التمييز العنصري ونار الفتنة سيدة الموقف. هناك فرض البيض سيطرتهم على مناحي الحياة معاملين السود بقسوة، لكن بين نيران الفتنة تولدت قصة حب كسرت لغة الاضطهاد، إلا أن نتيجتها كانت مروعة. المخرج لاتسوي سيروتي خلال سهرة الجمعة، في فيلمه الموسوم “ما وراء خطوط العدو” الصادر سنة 2012، والذي عرض ضمن برنامج اليوم الثاني من المسابقة الرسمية في فئة الفيلم الروائي الطويل لمهرجان الفيلم الملتزم الرابع، سلط الضوء على ما جرى في جنوب افريقيا من أحداث التمييز العنصري التي اكتوى الجنوب إفريقيون بها لعقود من الزمن، خلفت وراءها المئات من القتلى والجرحى من أبناء هذا البلد الذي بات مثالا للديمقراطية اليوم. عاد سيروتي بالأذهان إلى قصة رائعة تعود وقائعها إلى سنة 1984 ببريتوريا، استمدها من واقع مرّ لا يتمنى أحد أن يعود إليه. وصور من خلال شخصية “جوان” شابة في مقتبل العمر تريد أن تبني حياتها مثل باقي النساء تقوم على الحب والطموح، لكن وجودها في عزلة عن المجتمع يجعلها لا تعرف ما يدور في محيطها من قتل وسفك دماء، وتجهل أنّ النضال من أجل التحرر والتخلص من حياة العبودية قائم. لتهتز فيما بعد حياتها السلمية العفوية كامرأة بيضاء بعد أن ترى والدها وحبيبها الشرطي الأبيض يعذب ويقتل السود شر قتلة وما يزيدها يقينا بأنّ ما يجري في الخارج ليس سوى اضطهاد هو أنّ مربيتها “ماما جولا” السوداء تخفي ناشطا مصابا مناهضا لسياسة التمييز العنصري التي تطبقها حكومة البيض. حيث تتعلق به وتحبه هذا ما جعلها تقرر الانفصال عن حبيبها الشرطي وتقف الى جانب السود في محنتهم وتعالج الفتى المصاب. لكن النهاية كانت باهظة الثمن. وفي السياق تمكن المخرج لاتسوي من التعبير عن القصة بشكل مؤثر حرك مشاعر الجماهير الحاضرة بقاعة الموقار، مستعملا في ذلك صورا ذات دلالة واسعة وبموسيقى رنانة تعكس الرغبة في التحرر من الظلم، إنّ الحرية تتطلب التضحية.
“حرروا أنجيلا وكل المساجين السياسيين” النضال من أجل الحرية والمساواة
يشكل الفيلم الأمريكي “حرروا أنجيلا وكل المساجين السياسيين”، لمخرجته شولا لانتش، فرصة للتعرف على الحركات الشعبية في الولايات المتحدة الأمريكية في سبعينيات القرن العشرين. وعلى وجه التحديد اكتشاف أحد الوجوه البارزة في إطار مكافحة التمييز العنصري، ألا وهي أنجيلا دافيس التي تعود لتروي للأجيال الصاعدة، “مغامرة” حياتها ونضالها كامرأة زنجية شيوعية التوجه بعد دراسات عليا في الفلسفة بألمانيا. التاريخ: 7 أوت 1970، الحادثة: هجوم على موكب أمني لمحاولة تحرير ثلاثة مساجين سياسيين، النتيجة: اغتيال القاضي “هوفر”، أما المتهم الرئيسي في القضية فكانت: أنجيلا دافيس مدرسة الفلسفة بالجامعة، اشتهرت بعد إعلانها موقفها حيال “بلاك بونترز” المجموعة المسلحة الزنجية التي أعلنت تمردها على النظام. وقالت بصوت عال في مدرجات الجامعة إنها تريد التغيير بكل الوسائل المتاحة، والنضال يستوجب استعمال القوة. وهي العبارة التي ترجمتها السلطات الأمريكية آنذاك بدعوة صريحة لاستعمال العنف، وتشجيع “البلاك بونترز” على ممارسة أعمال العنف حيال السكان البيض. الفيلم يظهر لنا كيف يدخل رونالد ريغن ساعتها في اجتماع طارئ وأعلن قرار طرد المدرسة من الجامعة بحجة عدم مهنيتها.
الفيلم الذي عرض في الحصة الثانية من برنامج العروض في الثاني من يوم من ”أيام الفيلم الملتزم” بالجزائر العاصمة، يرسم للمشاهد بورتريه امرأة مميزة، طويلة القامة، بتسريحة شعر افريقية كانت رائجة في السبعينيات. هادئة وكثيرة التفكير، تذهب إلى الجذور لتستقصي حقيقة وجود الإنسان، بعيدا عن لون بشرته. وارتبط اسمها أيضا بخلية الشيوعيين السود، بأنصار تشي لوموبمبا، هي أنجيلا دايفس بطلة الستينيات والسبعينيات بامتياز. وبلغة لم يتدخل فيها صوت الصحفي، ولا أي راوٍ آخر، يروي العمل في 90 دقيقة كاملة، حياة المناضلة، منذ كانت طفلة صغيرة وسط عائلتها البورجوزاية في الجنوب، وبعيدا عن هموم طبقة كادحة عانت التمييز العنصري. انجيلا تمكنت من الدراسة ومواصلتها في مدن كبيرة، رافقت البيض في كل مراحل التعليم، وحظيت بما لم يكن متاحا لأقرانها، من ذوي بشرتها. انجيلا سافرت إلى ألمانيا ودرست الفلسفة، وتميزت بذكائها وسرعة بديهتها، سريعا ما أصبحت جديرة باسم الفيلسوفة إلا أنها لم تكن مرتاحة هناك في بيئتها الأوربية، حيث لم تشعر بالفرق بينها وبين الآخرين. كان بالها مشغولا بأقرانها في أمريكا حيث الحركات الشعبية تمهد لكسر قيود العبودية إلى الأبد. واعتمدت المخرجة الأمريكية على مادة أرشيفية غاية في الأهمية، حوارات مع انجيلا دافيس في عز نضالها وشبابها، وأيضا مع فاعلين أساسيين في القضية على غرار ريغن ونيكسون وهوفر . ركزت على مساندة المناضلة للإخوة المعتقلين في سجن سويداد.
بناء الفيلم كان قريبا إلى شكل مغامرة بوليسية ولكن بخلفية سياسية بارزة. حيث امتزجت لحظات الهروب من مكان إلى مكان، بالمواجهة المباشرة لدعاة العنصرية، وموجة التضامن الإنساني الذي استطاعت هذه السيدة حصده. الكل على لسان انجيلا ذاتها التي عبرت في إحدى اللحظات عن خوفها من كم التهديدات التي كانت تصلها: “شعرت بالخوف، الخوف الحقيقي، لدرجة أنني اقتنيت مسدسا للدفاع عن نفسي”. وهو المسدس الذي استعمل ضدها في محاكمتها ومطاردتها من قبل مكتب المخابرات الفيدرالية (أف.بي.أي.)، بعد حادثة اغتيال القاضي هوفر، واتهامها باشتراء المسدسات التي استعملت في عملية الاغتيال. فيصل.ش