الوطن

فرنسا تلقي بكامل ثقلها على الجانب الجزائري في انتظار حسم مسألة الرئاسيات !

في محالة منها للدفع بالعلاقات الثنائية المستقبلية بين البلدين إلى أقصى حدودها

 

توضح التحركات التي يقوم بها مبعوثون من قصر الإليزيه للجزائر منذ قرابة السنة، الحرص الكبير الذي توليه الحكومة الفرنسية للمسائل التي تتعلق بالمسار السياسي في الجزائر، حيث شهدت الفترة التي تلت تعرض رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة إلى وعكة صحية، في 27 أفريل الماضي، والتي نقل على إثرها في نفس اليوم إلى مستشفى فال دو غراس بالعاصمة الفرنسية باريس، توافد العديد من الشخصيات الفرنسية ذات الوزن الثقيل إلى الجزائر، كما لعبت مصالح السفارة الفرنسية عندنا الدور البارز في هذا الحراك من خلال استقبالها وتنقلها للقاء عدّة شخصيات سياسية من دعاة مشروع العهدة الرابعة والمعارضين له، حيث ناقشت هذه الشخصيات بشكل غير رسمي مستقبل الرئيس في الحكم، وهو الدور الذي تكفلت به أمين عام جبهة التحرير الوطني، عمار سعداني الذي عرض سلعة العهدة الرابعة على السفير الفرنسي لدى الجزائر أندريه باران، كما سبق وأن أشرنا له من قبل، ولم يختلف هذا اللقاء عن جملة اللقاءات التي عقدها هؤلاء مع الجانب الجزائري لوضع إستراتيجية حول مستقبل العلاقات  بين البلدين ومحاولة كل جهة الدفع بهذه الثنائية في المسار الذي يخدم مصالحها على وجه الخصوص، ورغم أنّ فرنسا كانت ولا تزال ترى في الجزائر الحليف السياسي الأول في منطقة إلا أن خوفها من التغير الذي قد يحدث في أعلى هرم السلطة بعد رئاسيات 2014 هو الذي خلق لديها حالة من الترقب أكثر من ترقب الساسة الجزائريين أنفسهم.

وبحسب المتابعين للملف الجزائري الفرنسي، فيرى هؤلاء أنّ الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يومي 19 و20 ديسمبر الماضي، إلى الجزائر خلقت حالة من القلق والكثير من التساؤلات على مستويات عديدة، ولم تتعلق تلك التساؤلات حول مستقبل وطبيعة العلاقات الثنائية بين الجزائر وفرنسا مستقبلا بقدر ما شكلت سلسلة من النقاشات الجادة حول الدور الذي ستلعبه فرنسا في عهد رئيسها الحالي في المشهد السياسي الدولي والإقليمي وبدرجة كبيرة الجزائر، التي طالما ربطت بينهما قضايا عديدة تمتد منذ سنوات الاستعمار الفرنسي للجزائر، وهو الذي جعلها ترفض الخروج من دائرته، وبعد مرور سنة عن تلك الزيارة حطّ رئيس وزراء الحكومة الفرنسية جون مارك إيرو، بالجزائر أمس أول، لتقييم حصيلة العمل الثنائي بين البلدين بعد سنة من زيارة هولاند للجزائر والعمل على الدفع بها إلى أقصى الحدود من جهة ثانية، خاصة وأنها تتزامن مع اقتراب الكشف عن مستقبل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في سدّة الحكم مع بداية السنة المقبلة والتي سبق وأن دافعت فرنسا عن هذا الخيار_بقاءه في السلطة_، حسب ما كشفت عنه مصادر من محيط الرئيس نفسه، والتي عملت في الأشهر الماضية على استقبال وفود فرنسية من مختلف الطبقات السياسية المحسوبة على السلطة ومن خارجها أيضا وكان ملف رئاسيات 2014 ومستقبل الرئيس فيها على طاولة النقاشات دائما، وقد برز ذلك أيضا من خلال سلسلة اللقاءات التي عقدتها السفارة الفرنسية في الجزائر سواء عن طريق السفير أو مصالحها الدبلوماسية مع عدد من السياسيين البارزين المحسوبين على الرئيس وآخرين من المعارضة وقد أصبحت الرؤية لديهم حسب بعضهم، أكثر وضوح وشمولية مقارنة بالساسة الجزائريين.

ورغم أن هولاند فشل في تأكيد رسائله التي ألقاها في الخطاب الذي توجه به للطلبة الجزائريين بجامعة تلمسان حينها، والتي قال فيه بأن هناك تغييرا دستوريا هاما ستقبل عليه الجزائر، سيكرس الديمقراطية ويصنع المستقبل السياسي للجزائريين، على اعتبار أن مسار الإصلاحات في الجزائر قد بلغ المرحلة النهائية التي وجب إنهاءها عبر تعديل الدستور، وجدد تلك التلميحات في الندوة الصحفية التي قعدها عقب نهاية زيارته وأوضح فيها بأن مرحلة المصالحة والبناء تتطلب في الأخير المرور إلى تعديل الدستور الذي يعتبر المحطة الأخيرة في سلم الإصلاحات السياسية، إلا أن تعديل الدستور الذي ناد به ضيف الجزائر وأثار حينها الكثير من علامات الاستفهام لم يتجسد بعد على أرض الواقع وربما دفعت بالرئيس إلى إعادة النظر في هذا المشروع الذي يبقى مؤجلا إلى حين ظهور بوتفليقة في الأسابيع المقبلة وقول كلمته تجاه العددي من القضايا السياسية الهامة التي ستقبل عليها الجزائر في ربيع السنة المقبلة.

وبعيدا عن السياق السياسي الذي يعد في طليعة النقاشات التي تجمع مسؤولي البلدين بشكل رسمي وفي الكثير من الأحيان بشكل غير رسمي، فيرى خبراء اقتصاديون أن الجزائر تعد المنفذ الوحيد المتاح حاليا أمام الاقتصاد الفرنسي للعودة إلى المشهد العالمي والتربع على السوق الدولية التي قضمت ظهرها الأزمة المالية التي هزّة القارة الأوروبية، وبالرغم من أن الجزائر لم تستفد كثيرا من هذه العلاقات والمشاريع التي تراهن عليها فرنسا في سياستها الاقتصادية تجاه الجزائر ودول الجوار، إلا أنها قادرة على خلق منافسة حقيقية من جراء هذا الامتياز الاقتصادي الذي تحصل عليه الجانب الفرنسي داخل السوق الجزائرية، وفي هذا السياق أكدّ الخبير الاقتصادي، عبد الرحمن بن خالفة، على ضرورة تغيير نمط  معاملة الجزائر مع فرنسا، خاصة وأن الجزائر شرعت في الفترة الأخيرة التي تلت الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي للخروج من دائرة البيع والشراء بين الجانبين الجزائري والفرنسي إلى مرحلة الشراكة وهي التي تجسدت في الزيارة التي يقوم بها الوزير الفرنسي الأول للجزائر ومدينة وهران التي تعد القطب الاقتصادي الثاني في الجزائر، وأوضح المتحدث لدى استضافته صبيحة أمس في برنامج "ضيف الصباح "على أمواج القناة الإذاعية الأولى، أنّ هذه الأهمية تكمن في استقطاب كفاءات تسيرية جديدة ومحاولة الاستفادة منها قدر المستطاع خاصة في الجانب التكنولوجي الذي تعد فرنسا رائدة فيه، كما شدد المتحدث، على حاجة الجانب الفرنسي لتطوير العلاقات الاقتصادية بين الجانبين مذكرا بالعلاقة التاريخية التي تربط بين السوقين، مبرزا في السياق ذاته حاجة السوق الفرنسية إلى عمق السوق الجزائرية خاصة وأنها تعيش منافسة في الجزائر من طرف أقطاب جديدة على غرار الشركات الألمانية والأمريكية وبعض الدول العربية.

خولة بوشويشي

 

من نفس القسم الوطن