الثقافي

"للشعر دور كبير في واقعيتي السحرية والروائيون الجزائريون لهم خصوصية في الكتابة"

الروائي السوداني أمير تاج السر لـ "الرائد":

 

 

يتحدث الروائي السوداني أمير تاج السر، صاحب رائعة "صائد اليرقات" و"أرض السودان - الحلو والمر"، و"مهر الصياح" لقيت طريقها إلى الشهرة وترجمت إلى اللغة الإنجليزية في ثلاث طبعات، حيث يعتبرها من أهم أعماله، كما يؤكد اعتزازه بسحرية أسلوبه في الكتابة وكذا الشعرية في العمل الروائي، ويعترف بأن الجزائريين لهم خصوصية في الكتابة، لديهم بحر وصحارى ومدن وقرى تحمل الموروث التاريخي، وتوظفه جيدا، ولديهم خيال جيد ووعي كبير بما يدور هنا وهناك. 

 

-مباشر بعد "صائد اليرقات" اهتم النقد العربي باسم "أمير تاج السر" لا ككاتب روايات فحسب، بل كظاهرة روائية تملك خصوصياتها، إلى أي مدى كان النقد موضوعيا معك، خاصة وأن بعض الكتابات أطلقت عليك "أمير الواقعية السحرية" في السرد العربي؟ 

 

في الحقيقة أنا منذ البداية، أي بداية تعرفي على سكة السرد، عملت على مشروع كبير لإنجاز العديد من الأفكار. كان هذا المشروع ومضات في ذهني، وكان لا بد من صبر كبير ودأب لأنجز شيئا. صحيح أنني انقطعت بعد عملي الأول حوالي ثماني سنوات بسبب العمل في أماكن نائية شرق السودان، في مهنتي، لكني عدت بعد أن استقرت أموري أكثر جدية، وهكذا انشغلت بالكتابة كجزء من الحياة. النقد لم يحبطني كثيرا، ومعظم من كتبوا عني منذ بداياتي كتبوا بإيجابية، وحتى من كتب بسلبية، كان يكتب بحب، وحين اشتهرت صائد اليرقات، اتسعت معرفة القراء بي وكذا اتسعت حيل النقد في تتبع أعمالي. شخصيا أحترم النقاد سواء أعلوا من شأن أعمالي أم اعتبروها لا شيء، لكني لا أتتبعهم، ولا أتأثر كثيرا بما يقال، فقط أكتب. بالنسبة لأسلوبي الذي يوصف بأنه واقعية سحرية أعتقد أنه كذلك، فقط هي سحرية خاصة جدا للشعر دور كبير فيها، وأعتقد أيضا لخصوصية المكان الجغرافي الذي تدور فيه الأحداث، أما مسألة إمارة أسلوب في الكتابة، فهذه ألقاب يطلقها البعض محبة، ويتذمر البعض من سماعها، وهي ليس القصد بأي حال من الأحوال. الذي يعني الكاتب هو ماذا يكتب؟ ولمن يكتب؟ وهل لكتابته أي تأثير يتعدى شاشة الحاسوب الذي يكتب عليه؟


- رغم مستواها اللغوي والفني، إلا أنني أشعر أن روايتك "مهر الصياح" لم تنل حقها على مستوى التناول، رغم اتفاق الجميع على أن أمير هذه الرواية مختلف تماما عن أمير الروايات الأخرى، ولعل "أرض السودان" فقط من أعمالك ما مسه مثل هذا التجاهل، بالرغم من أن الأخيرة-أقصد أرض السودان- قد تكون واحدة من أهم أعمالك إن لم تكن أهمها؟ 

مهر الصياح من أهم أعمالي، هذا لا شك فيه. هي وتوترات القبطي ملحمتان أخلصت كتابتهما. "مهر الصياح" على العكس نالت حظا لا بأس به وقد نشرت في ثلاث طبعات حتى الآن وستنشر منها قريبا طبعة رابعة، وأيضا نشرت بالإنجليزية في ثلاث طبعات. لقد كتبت هذه الرواية في عام 2002، واستغرقت كتابتها مني زمنا طويلا، وكان علي أن أصنع تاريخا موازيا للتاريخ الذي كان في تلك الفترة التي تدور فيها الأحداث. أعتقد أنها كانت بداية تحولي لأسلوبي الذي أكتب به الآن، الأسلوب الذي يزاوج بين الشعر والنثر دون أن يقبض الشعر بخناق النثر أو يعتقله تماما. لقد قدمت رؤيتي كما اعتقدها عبر تلك الرواية، وأنا راض عنها تماما، أما أرض السودان- الحلو والمر فأمرها مختلف وأنا استوحيتها من رحلة شاب إنجليزي إلى السودان في القرن التاسع عشر. لم أكتب رحلته كما كانت وإنما كتبت رحلة موازية، وكنت أتحدث عن العلاقة المعكوسة بين الشرق والغرب. حين يأتيك الغريب في ديارك ويقرأ تلك الديار بطريقة أو حسابات خاطئة، وبذلك يصبح أوسمان ضحية لقراءته غير المنصفة، حين يدعي المعرفة بكل بواطن البلاد التي يراها لأول مرة، وهو في الحقيقة لا يعرف إلا القليل. ولو قورن بواحدة مثل مستكة صاحبة النزل الشهير، وهي أيضا غريبة لكنها تقيم منذ زمن في البلاد، لوجدنا مستكة قد أمسكت بالخيوط أكثر منه. أما أهمية هذه الرواية فأنا لا أعتبرها أهم أعمالي، وإنما كل ما كتبته أعتبره في النهاية تاريخ جدير بأن أحافظ عليه، وأهتم به.

- من أهم الانتقادات التي تناولت "مهر الصياح" أنك لم تتقن رسم شخوصها بشكل كامل، هل تعتقد أن خصوصية "السودان" لم تظهر بشكل كاف مثلما ظهرت في عملك الأخير أرض السودان، أم أن تركيزك على الفنية واللغة ما جعل الأمور تلتبس على القارئ؟

من قال ذلك؟ "مهر الصياح" جاءت بكل عناصر الكتابة ولم تلغ عنصرا واحدا منها، الشخوص مهمون للغاية، وأنا أرسم بعضهم كاملا وبعضهم ضبابيا، كل حسب أهميته، لكن ما يدور من أحداث يمكن أن يعوض عن النقص المقصود في رسم الشخوص. تعرف أنا لا أميل لوصف الشخص التقليدي وإن صادفتني رواية بها مثل تلك الأوصاف، لا أكملها، وقد فعلت ذلك في مهر الصياح. لقد قيل لي إن الرزينة نظر أخت بطل الرواية، هي الشخصية الوحيدة التي رسختها بإصرار في ذهن المتلقي ثم عدت وانتزعتها والقارئ ما زال ممسكا بها. إنها ضرورة الكتابة، كل شخصية تؤدي دورها فإن انتهى، لا مجال لاختراع دور جديد. هناك شخصية الخصي نجام، هذه الشخصية كانت محورية أيضا بما قدمته، ورسخت في أذهان الكثيرين، وشخصية السلطان رغد الرشيد، وكذا ابنه رجل الحماية مساعد، وشخصية الألبينو جبروتي، كانت أيضا مرسومة بما قدمته من خير وشر. إذن كل ما كان يخص سودان القرن السابع عشر، ومنطقة دارفور خصيصا كان موجودا إضافة لما ذكرته من لغة شعرية، وهي في الحقيقة لغتي المعتادة التي ما زلت محافظا عليها إلى الآن، ويمكن أن تنحسر قليلا أو تزداد بحسب النص الذي أكتبه، ولعل رواية اشتهاء الأخيرة فيها من الشعرية أكثر من أي نص آخر. 

- ماذا عن الرمزية والمتخيل "المكثف" في هذا العمل، هل كان لجوئك إليهما لغاية ما؟ 

ليس "مهر الصياح" بالذات ولكن كل أعمالي روايات وليست سير، كتبتها بشيء من الواقع وأشياء من الخيال، أنا غالبا ما أنطلق من حدث واقعي ثم أقوم بتطويره من خيالي، فعلت ذلك مع حادث عبد الله فرفار الواقعي، في "صائد اليرقات" وحادث المغني أحمد ذهب ومتبرعه الذي سيمنحه الكلية، في زحف النمل، كذا كل الأعمال المعاصرة التي كتبتها. مهر الصياح رواية عن التاريخ المتخيل وهكذا كان لا بد أن يكون الخيال فيها كثيفا وحادا، لكن مع ذلك أعتقد أن ثمة وقائع فيها تستحق أن تقارن بما يحدث اليوم.

- تعد -حسب تصريحاتك- من أكثر الروائيين العرب متابعة للمشهد السردي في الجزائر، بحسب معرفتك هذه، هل يمكن للرواية الجزائرية أن تنافس الرواية العربية وتتمركز فيها؟ وهل تتوسم في أي روائي جزائري من الشباب القدرة على تخطي المحلية وحمل راية الرواية الجزائرية عربيا وعالميا؟

نعم أحب كتابة الجزائريين، وأعتقد أن الجزائريين لهم خصوصية أيضا في الكتابة، لديهم بحر وصحارى ومدن وقرى تحمل الموروث التاريخي، وتوظفه جيدا، ولديهم خيال جيد أيضا ووعي كبير بما يدور هنا وهناك. الرواية الجزائرية كانت موجودة في خارطة الأدب العربي والعالمي منذ زمن بعيد، موجودة بكاتب ياسين وياسمينة خضرا وواسيني الأعرج ومستغانمي، كل يكتب بطريقته والآن موجودة في كتاب من أجيال جديدة. يوجد أمين زاوي وربيعة جلطي وبشير مفتي وسمير قسيمي وبوكبة، وغيرهم من الشباب وعندي رواية أولى للزيواني عن الصحراء ومستمتع بقراءتها. هناك كثيرون لم أذكرهم وأحترمهم كثيرا وأسعى متى ما حصلت على وقت إلى تتبع إنتاجهم، وهذا أفعله مع كل البلاد التي يكتب فيها أدب عربي.

أجرى الحوار: مصطفى حفيظ

من نفس القسم الثقافي