الثقافي

فيلم "عائد إلى مونلوك" لمحمد الزاوي: العودة مع الألم

عرض لأول مرة في قاعة السينماتيك بالجزائر

 

عرض مساء أمس الفيلم الوثائقي "عائد إلى مونلوك" للمخرج محمد الزاوي ، لأول مرة في الجزائر بقاعة السينماتيك ، في إطار الأيام السينمائية في الجزائر العاصمة، ويطلّ المخرج الجزائري المقيم بفرنسا "محمد الزاوي" هذه المرة بموضوع آخر مستوحى من نفحات الماضي والتاريخ برؤية سينمائية جديدة وطرح متميز يأتي في وقت يرى فيه الملاحظون أن الجزائر تفتقر، بل تعاني من نقص الأرشيف الذي يبقى جله حبيس أدراج المستعمر الفرنسي. 

 

"عائد إلى مونلوك" وثائقي من 60 دقيقة عرى الجانب اللاإنساني للتجاوزات التي قامت بها فرنسا خلال فترة احتلالها للجزائر (1954 – 1962) في حق الجزائريين بالداخل والخارج. "العائد إلى مونلوك" يروي حكاية المجاهد والرئيس الحالي لجمعية المحكوم عليهم بالإعدام ''مصطفى بودينة'' الذي يعود إلى سجنه وزنزانته رقم 45 بمدينة ليون الفرنسية بعد 49 عاما، الزيارة التي جاءت بدعوة من بعض الجمعيات لم تتبعها أي ضجة إعلامية ولا ترتيبات رسمية لذا حملت الكثير من الرمزية لشاب لم يتجاوز العشرين عاما هو ''الناجي من المقصلة''، كان يترقب حينها وفي أي لحظة قطع رأسه، عادت به الذكريات والأيام لماضيه بعد منع السلطات الفرنسية له من دخول أراضيها لأنها كانت تعتبره إرهابيا، فجاء بعد سنوات بباقة زهور لأرواح ضحايا 17 أكتوبر مسترجعا شريط الأحداث المليء بالذكريات التي لم يكن سهلا عليه ورفقائه كتابتها في شكل مذكرات أو التوثيق لها سينمائيا، في حين أن محمد الزاوي الذي استرق تلك اللحظات الثمينة إن صح التعبير، استغل فرصة زيارة بودينة لفرنسا ودعم تلك الوقائع والحقائق التاريخية بكثير من الشهادات والشواهد الحية للأماكن والتي خدمت فعلا العمل، مستندا في ذلك على العديد من الشخصيات، والمؤرخين من بينهم الفرنسي "بنجامين ستورا"، والمحاميين ''نيكول رين'' و''رومان ديما''، وكذا المجاهد المحامي علي هارون.

ولعل ما جاء على لسان بودينة الذي كان وقتها مسؤول شؤون المساجين بتكليف من فيدرالية فرنسا لجبهة التحرير الناحية السابعة أكبر دليل على ذلك. كيف لا وهو الذي تحدث بإسهاب عن تلك الأيام وعن السجناء البالغ عددهم 217 سجينا محكوما عليهم بالإعدام، منهم 208 سجين أعدموا بالمقصلة والبقية قاموا بحرقهم وتسميمهم، وحقائق أخرى أماط اللثام عنها الرجل الثوري الذي وبمجرد الدخول إلى سجنه وزنزانته عادت إليه تلك الصور والذكريات الأليمة، فتغيرت ملامح الوجه وعادت أيام القهر والتعذيب، واستحضر حينها هتافات ووجوه رفاق الكفاح الذين تم تصفيتهم ولم يتجاوزوا العقد الثاني، عاد بعد خمسين سنة لهذا السجن الذي يحمل الكثير من الرموز والدلالات كاشفا عن الكثير من الحقائق التي جرت خلال حقبة تريدها فرنسا أن تبقى مظلمة، فسجين الأمس، الزائر الغريب على متحف الحرب العالمية الثانية - سجن مونلوك راح يروي لمدير المتحف قصة كل زنزانة وكل جدار، ويوميات المساجين آنذاك وهنا بدا التأثر واضحا على الرجلين...

ويعد هذا الوثائقي نتيجة بحث وعمل على الذاكرة جسّده صاحبه بقليل من الإمكانات الخاصة والمتواضعة، وفي ذلك تأكيد على أن الإرادة والرغبة في تقديم التاريخ بصورة سينمائية بعيدة عن التزييف . 

 

"محمد وياسمينة" رصد لمسار الكاتب ياسمينة خضرة 

يتناول هذا الشريط الجزائري الفرنسي على مدى 63 دقيقة المسار الشخصي والأدبي للكاتب الجزائري العالمي ياسمينة خضرة . في هذا الوثائقي الذي ساهم في إنتاجه بشير درايس بمساهمة التلفزيون الجزائري وقناتي ارتي وويت (8) عادت المخرجة إلى متابعة خطوات محمد مولسهول الشهير أدبيا باسم ياسمين خضرة مع عالم الكتابة والإبداع منذ نعومة أظافره وهو تلميذ في مدرسة أشبال الثورة التابعة للجيش الوطني الشعبي .

فضلت هذه المخرجة والسيناريست ومصورة البلاطو إعطاء الحرية لكاميراتها لتتجول رفقة ياسمينة خضرة في الفضاءات والأماكن التي أثرت في تكوين شخصيته وصقل موهبته فعادت به ومعه إلى القندسة مسقط رأسه ومدن أخرى كان له معها علاقة حميمية مثيرة ومصيرية مثل تلمسان التي رحل إليها ليدخل مدرسة عسكرية وهو في التاسعة من عمره . وحاولت المخرجة استرجاع بعض ذكريات الماضي بصور من الأرشيف مرفقة بتعليق جميل ومعبر مأخوذ من روايات الكاتب . ولعل ان أجمل ما في الشريط هو ذلك التعليق الذي اظهر جمال وعمق ودقة الوصف عند هذا الكاتب العالمي الذي اقتبست السينما الكثير من رواياته وإلى جانب المدن التي كان لها تأثير في مسار الكاتب مثل وهران والجزائر عمدت مخرجة الوثائقي إلى شهادات أقربائه وأساتذته وكذا زملائه في الدراسة في مدارس أشبال الثورة ومدرسة الضباط في محاولة لإعادة تشكيل محيط الكاتب لاختراق عالمه الخاص . كما توغلت كاميرا ريجين في حميمة الأديب عندما أقحمت زوجته التي حمل اسميها (ياسمينة وخضرة) ليستخرج بهما شهادة ميلاد أديب عظيم إلا أن تلك اللقطات التي ظهر فيها الزوجان جنبا لجنب طغى عليها نوع من الحرج والخجل حيث لم ترق تلك الصورة إلى كلام الكاتب عن حبه وإعجابه بزوجته التي أصبحت من خلال اسمها ملازمة لكل إبداعاته . وما يعاب على الفيلم أيضا اعتماده على التحقيق على حساب العمل الروائي والخيالي حيث غاب فيه جانب التشويق .

وستتواصل أنشطة هذا المهرجان الذي بادرت بتنظيمه جمعية "لنا الشاشات" إلى غاية 20 نوفمبر بعرض 35 شريطا ما بين وثائقي وفيلم قصير منها 25 فيلما جزائريا و10 أعمال أجنبية.

فيصل.ش

 

 

من نفس القسم الثقافي