الوطن

حـــــــزب أمريـــــــكا في الجزائـــــــر؟!

فردوم هاوس والاندياي وجمعيات أمريكية أخرى بتمويل أمريكي تشكل:

 

 تتزامن الزيارة التي سيقوم بها وزير الخارجية الأمريكي إلى الجزائر، جون كيري، في غضون اليومين القادمين، مع الحراك السياسي الذي تشهده الجزائر منذ أشهر تحسبا للاستحقاقات الرئاسية المقبلة، حيث تتطلع أمريكا بشكل أو بآخر إلى أن تكون لاعبا محوريا في هذا التحول الذي ستقبل عليه الجزائر بعد رئاسيات 2014، مستغلة في ذلك التوتر الكبير الذي يشهده بيت الساسة الجزائريين والأحزاب السياسية عامة سواء تلك المحسوبة على السلطة أو المعارضة، هذه الضبابية جعلت العديد من الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا تسارعان إلى لعب أوراق سرية وأخرى مكشوفة لجس نبض الشارع الجزائري من جهة والساسة من جهة ثانية تجاه هذا الموعد، ولم تكتف بهذا الدور القديم الجديد بل تحاول لأن تكون طرفا فاعلا على اعتبار أن أجندة كيري تحمل لقاء مرتقبا مع رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة حسب ما أكدته مصادر «الرائد»، بالإضافة إلى عدد من الوزراء في حكومة سلال الذين سيستعرضون عليه تطلعات السلطة في هذا الاستحقاق الذي يأخذ حيزا كبيرا من اهتمام أمريكا اليوم أشهرا قليلة قبل أن يستدعي رئيس الجمهورية الهيئة الناخبة للتقدم لهذا الموعد الذي يرتقب أن يشهد مشاركة العديد من الأسماء السياسية والتيارات سواء أعلن بوتفليقة عن رغبته في التقدم لعهدة رئاسية رابعة أم رفض وهو الخيار الذي تريد أمريكا أن تجس نبضه عن كثب من خلال هذه الزيارة بعد أن مارست طوال الأشهر الماضية مسحا لخارطة السياسة في الجزائر وأعدت تقاريرها حول تطلعات الأسماء الناشطة فيه ليأتي الدور اليوم على الرئيس الذي عملت أحزاب السلطة إلى إعلانه فارسا من فرسان هذه الرئاسيات دون أن تتبين فيما يتعلق بقناعاته الشخصية تجاه هذا الموعد.

 

وكانت أمريكا من خلال سفارتها بالجزائر وشركائها من مؤسسات المجتمع المدني الفاعلين في الجزائر، والذين تمدهم بالدعم المادي والمعنوي، قد أعدوا تقاريرهم الخاصة بهذه الاستحقاقات، من خلال سيناريوهات محتملة تتعلق بمواصلة السلطة الحالية لمسارها كأعلى هيئة حاكمة في الجزائر لسنوات قادمة أو انتقال سلس لهذه السلطة نحو مرشح آخر يواصل العمل وفق خارطة وبرنامج من سبقه على كرسي رئاسة الجمهورية أو وصول الساسة الجزائريين إلى تحقيق مطلب رجل التوافق والإجماع الذي يبحثون عنه منذ سنوات لكنهم عجزوا عن إيجاده بسبب الاختلاف الكبير في الرؤية والتطلعات لدى هؤلاء، ومن هذا المنطلق تسعى الولايات المتحدة الأمريكية في السنتين الأخيرتين إلى تكثيف جهودها مع الفاعلين في المشهد السياسي الجزائري بشكل مباشر وآخر غير مباشر خاصة مع أطراف ينضوون تحت لواء خدمة المجتمع المدني الذين لا تتأخر أمريكا في مدهم بالدعم المادي والمعنوي اللازم للعمل وفق أجندتها، التي تتسم ومنذ سنوات بالتوافق والاختلاف في بعض المحطات دون أخرى، تحت شعار التوازن ما بين المصلحة والمبدأ، الذي تنتهجه كخط مع السلطة لكنها وبالمقابل تستغل قصر الفكر والبعد عند بعض الساسة عندنا لخدمة مصالحها التي تأتي اليوم بوزير خارجيتها في زيارة عمل للجزائر التي تقبل على عدد من الاستحقاقات الداخلية والخارجية، حيث تحاول أن تسبق هذه الزيارة زيارة أخرى سيقوم بها آخر السنة المبعوث الفرنسي إلى الجزائر حاملا نفس الأجندة والتطلعات.

وقبل هذا حاولت أمريكا أن تبسط نفوذها على ما يحدث في الجزائر من حراك سواء على مستوى الشارع من خلال جمعيات ومنظمات المجتمع المدني وأخرى عن طريق فتح قنوات الحوار والتشاور وتبادل الرؤية والأفكار مع سياسيين بارزين من مختلف التيارات والقناعات الايديولوجية، التي لم تتوان للحظة عن مدّ يدها للمدّ الأمريكي الذي يأتي مع كل مناسبة تعيشها الجزائر حيث تستعمل مثل هذه اللقاءات في بسط المزيد من النفوذ داخل المجتمع المدني وفي الحراك الذي قد يقوده أمام عاصفة التغيير الذي تنادي به بعض هذه الأطراف، وربما تنامي هذه الظاهرة أشهرا قليلة قبل إجراء موعد الرئاسيات المرتقبة ربيع السنة المقبلة هو الذي دفع بالحكومة وفي أكثر من مناسبة إلى محاولة إضعاف هذه المبادرات التي تستهدف الجزائر من خلال قطع الطريق أمام كل الهيئات الأجنبية التي تمنح رعايتها ودعمها لجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني بسخاء في انتظار تقديم فروض الولاء والطاعة نظير هذه الرعاية الخاصة التي لا تتوانى عن تقديمها لهم بمبرر وبدون مبرر، تخضع حسب المحللين إلى اعتبارات ومقتضيات الحراك الذي تعيشه الجزائر داخليا وإقليميا دفعت بالجزائر إلى أن تلتزم بنظرتها البرغماتية تجاه الحراك الدولي غير البريء الذي يأتي من الضفة الأخرى ليجس نبض شارعها، في غفلة منها، وهو الحراك الذي ترفضه الجزائر من خلال قانوني الأحزاب والجمعيات وسبل تمويلهم ونشاطاتهم مع الأطراف الخارجية. وبالمقابل تسعى مؤسسات أمريكية بشكل أو بآخر إلى بسط أكبر قدر من النفوذ داخل المجتمع الجزائري من خلال نشاط مؤسساته المنضوية تحت لواء مؤسسات غير ربحية، إلى دعم أشكال جديدة من النفوذ داخل الجزائر وغيرها من الدول التي تحوز على اهتمامها وتتواجد على لائحة الدول التي يمكن أن تستفيد من التموقع في مختلف هيئاتها الرسمية وغير الرسمية. وتأتي على رأس هذه المؤسسات NDI وفريدوم هاوس اللتان تشتركان في اهداف اساسية وهي الاهتمام بالشباب والمرأة في مختلف المجالات والقطاعات وفي الوقت الذي يتركز جهد الأندياي بمساعدة الاحزاب السياسية وخاصة في موضوع شفافية الانتخابات كما تحرص هذه الجمعيات على تلقين الايديولوجية والقيم الأمريكية من خلال برامج تأهيل القيادات الشبانية فيها، وقد توجهت عدة وفود حزبية الى الولايات المتحدة الأمريكية منذ ان بدأت هذه الجمعية في نهاية التسعينيات وكان المشرف على المشروع ساعتها روبرت فورد الذي كان يشغل منصب دبلوماسي رفيع في السفارة الأمريكية بالجزائر والذي يشغل الأن منصب سفير في سوريا. ورغم ان الأندياي لا يوجد لها اعتماد قانوني رسمي في الجزائر الا انها تنشط باستمرار ولها علاقات مميزة مع مختلف الأحزاب السياسية ، كما تشرف على رعاية خاصة لبعض الشباب الذي تراهن عليه في المستقبل . ومن جانب آخر تقوم مؤسسة فردوم هاوس بالاهتمام بالجوانب الحقوقية وموضوع حقوق الانسان بشكل عام وقد تعززت هذه المؤسسة ببعث مؤسسة حقوقية اخرى ABA الجمعية الامريكية ...، والتي تهتم بقضايا العدالة وهي الملفات الاساسية التي استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية محاصرة روسيا في الدول التي انشقت على الاتحاد السوفياتي وحققت عبر عمل عميق متواصل بسط نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية كما بدأت مؤسسة شبانية اخرى تنشط في المدن الداخلية الجزائرية وبدون علم السلطات الجزائرية اسمها YIF «المؤسسة الشبانية الدولية» وتهتم هذه المؤسسة بتمويل المشاريع الصغيرة للشباب في المدن الداخلية وتحرص على تحقيق شراكة من خلال التمويل الأمريكي رغم ان قوانين البلاد لا تسمح بمثل هكذا مشاريع . ولم تهمل الادارة الامريكية الجوانب الانسانية حيث بدأت عدة حملات انسانية لمحاولة تقديم نفسها ان مبرر التحرك هو الجانب الانساني وتبعد الاهتمام عن رغبة الاحتكار او الهيمنة السياسية على البلاد. وفي هذا الاطار تم برمجة مشروع مستشفى بغرداية المعروفة بالتعدد والتنوع المذهبي دون سواها من الولايات. ومن خلال تواصلنا مع المستفيدين من برامج الدورات المركزة التي تعقد في امريكا وفي مختلف الدول العربية والاوربية والتي منها المغرب لفت انتباهنا ان تمويل هذه المبادرات تشرف عليه السفارة من خلال مكتب MEPI وترتكز الاستراتيجية الامريكية على خلق مصادر تمويل لإحداث شراكة مع الجزائريين في الجمعيات او مؤسسات او اشخاص. ويبقى اهم اهتمام للمسؤولين الأمريكيين في زياراتهم للدول النامية هو تسهيل مهام هذه المؤسسات والجمعيات وفي الجزائر تكون هذه المؤسسات ترى بعين الريبة لقانون الجمعيات الجديد وخاصة في شق التمويل الذي ترى انه يتعارض مع سياساتها وتوجهاتها ومن المتوقع ان يضغط كيري في زيارته اليوم الى الجزائر على ضرورة تعديل القانون وتسهيل حركة الجمعيات، كما يكون مسؤولو NDI قد تواصلوا مع مصالح وزارة الداخلية في الآونة الأخيرة من اجل الحصول على الاعتماد القانوني .

ان هذه الفسيفساء من الجمعيات هي التي ستصنع مع الشركات الامريكية الكبرى والقوة والهيمنة التي تحظى بها الولايات المتحدة الامريكية، حزب امريكا الجديد الذي ترعاه المصالح الأمريكية في الجزائر في ظل الرداءة التي تسود الطبقة السياسية الجزائرية.

خولة بوشويشي 


من نفس القسم الوطن