الثقافي
كتاب جديد بعنوان "سلطة المقدس الإنسان والتاريخ في الخطاب الديني"
للكاتب والإعلامي محمد بغداد
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 22 أكتوبر 2013
سيصدر قريبا، عن دار بهاء الدين للنشر والتوزيع، كتاب جديد موسوم بـ"سلطة المقدس"، للكاتب والإعلامي محمد بغداد، وهو دراسة متخصصة، تبحث جذور الخطاب الديني المعاصر، انطلاقا من مرجعيته الكبرى، ونصوصه التأسيسية، وقد تناول الكتاب إشكالية غاية في التعقيد، تتمثل في الإنسان والتاريخ في الخطاب الديني.
يقوم الكاتب محمد بغداد بتتبع التاريخ الثقافي والاجتماعي، للمنظومة الفكرية الإسلامية، وبالذات في عصور التأسيس، بالوقوف عند المدارس الإسلامية الكبرى، في وضع المنهجية العلمية لهذه المنظومة، في مختلف الميادين. نص محمد بغداد مهم ، في الساحة الثقافية الجزائرية، التي تكاد تخلو من مثل هذه الدراسات العميقة، فكريا وثقافيا، كون الكتاب يملك ملامح التعب الشديد، والجهد المضني، الذي يكون الكاتب قد تجشمه في انجازه، والذي امتد عبر سنوات عشر من البحث. استطاع محمد بغداد بقدرته على التعامل مع مضامين لغة الخطاب الديني، بداية من الاستيعاب الرصين للنص المقدس، الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية. ومما يغري قارئ كتاب سلطة المقدس، تلك المنهجية التي اعتمدها المؤلف، في تفكيك وحفر مكامن الخطاب الديني، عندما فضل الانحياز إلى الآليات المنهجية، التي تتطلع إلى الرؤية للموضوع من الناحية الثقافية، فهو لم يناقش الخطاب الديني من جوانبه الشكلية، وتجلياته الميدانية وتمظهراته السلوكية فقط، بل راهن الانخراط في ثقافة الخطاب الديني، وقيم هذه الثقافة ومدلولاتها المعرفية والفكرية، والاعتماد على قاموسه اللغوي وفضاءاته الدلالية، التي انتجت في النهاية منظومات، زادتها السنوات تجذرا وعمقا، في نفسية الإنسان في العالم العربي والإسلامي، والتي تظهر بقسوة في كل المحطات القاسية، وبالذات تلك المحطات المؤلمة. لقد تتبع بغداد تاريخ الخطاب الديني، منذ عهد التأسيس وتوقف عند محطاته القلقة والمضطربة، من خلال التأمل في الاستجوابات، التي انتجها المثقف ، وسط التغيرات الاجتماعية والسياسية، معطيا الاهتمام الأكبر للعوامل الثقافية المؤثرة والمهيمنة، على تلك الاجواء المشحونة بالشحنات القوية من التفكير الموثق، الذي فتش عنه بغداد في مصادره الاساسية المؤسسة، وهي حالة يكاد الوضع الحالي يخلو منها في مشهدنا الفكري والبحثي، أين تختفي النفسية البحثية، التي تطاول المصادر القديمة، وتندس بين كنوزها العميقة. قدم بغداد تتبعا منهجيا للتاريخ الثقافي والاجتماعي، للمنظومة الفكرية الإسلامية، وبالذات في عصور التأسيس، عندما اختار التوقف عند المدارس الإسلامية الكبرى، المتكلمون والفقهاء واللغويون والاصوليون، من خلال إنتجاتهم الفكرية، ليضع يده على المنهجية العلمية لهذه المنظومة، من خلال أدبياتها ومواقفها التاريخية في مختلف الميادين، مركزا جهده على محور، مفهوم الإنسان ومكانة التاريخ في تفكير هذه المنظومة، وهو الجهد الذي يكون بغداد قد استفرغه، من أجل الوصول إلى فرز معالم الخريطة العامة لتاريخ التفكير، وقد ساعده على ذلك تمكنه الرصين في الدراسات الإسلامية. إن المهم في دراسة محمد بغداد، التي أتصور أنها غاية في الأهمية، والتي تأتي في منعرج مهم، تعرفه الساحة الوطنية في مختلف تجلياتها، السياسية والاجتماعية والثقافية، مع بروز ارتفاع سقف الصراعات بين مختلف الخطابات، والتي تشكل التيارات الإسلامية، رأس الحربة فيها، والتي تحولت إلى الهاجس المقلق للتيارات العلمانية الليبرالية واليسارية والحداثية، ليكون محمد بغداد بذلك، قد رفع مستوى الجدل حول القضايا الكبرى، التي تسهم في بلورة رؤية جديدة لمستقبل معظم الخطابات، إلا أن الكاتب يكون قد اختار استراتيجية ولوج هذا المسار الصعب، والمكلف عبر تدشين ثقافة التعاطي مع النصوص المؤسسة، للخطابات ومناوشة مدارسها وتفكيك خلفياتها.