الثقافي

النوبة "أصل" ومرافعة من أجل العودة

المخرج وائل جزولي بين التصوير والإخراج

 

النوبة هي من أقدم الحضارات في القارة الافريقية والعالم وتعد من أهم المناطق اهتماما ودراسة من قبل الحكام المصريين القدماء فأصبحت داخل الادارة المصرية وكانت من اكثر المناطق الافريقية دراسة حيث عرف عنها المصريون القدماء وذلك لأهميتها الاقتصادية وتأمين حدودها الجنوبية وذلك منذ العصور ما قبل التاريخ مرورا بالعصور التاريخية اليونانية والرومانية وصولا الى عصر الفتوحات الاسلامية في مصر.

 

 وانقسمت النوبة الى قسمين القسم الاول النوبة السفلى والتي تقع من الجندل الاول شملا الى الجندل الثاني عند وادي حيفا وتحديدا عن بلدة بطن الحجر أما الجزء الثاني فيطلق عليه النوبة العليا والتي تقع من الجندل الثاني والتي امتدت لتشمل منطقة النيل الازرق والأبيض شمال خط عرض 12 درجة شمالا. اشتهر الرجل النوبي بزيه التقليدي وهو الجلباب الأبيض والعمامة يرتديها الشاب البالغ ويقال ان لفة العمامة وشكلها يدل على مكانة وسن مرتديها . تحوي منطقة أبو سنبل في النوبة على معبدين من عهد رمسيس الثاني وقد تم نحتهما في الجبل وقد كان المعبد مهددا بالغرق في بحيرة ناصر بسبب بناء السد العالي طلبت الحكومة المصرية دعم اليونيسكو وأطلقت نداء في جميع انحاء العالم لعملية إنقاذ معابد وآثار النوبة وتم تفكيك المعبدين ونقلهما لارتفاع أكثر من 60 مترا لأعلى و200 مترا بعدا عن حافة الجبل وتم التغطية بالقبة الصناعية للحفاظ على الشكل الأساسي للمعبد. 

 

ظواهر طبيعية تشهدها النوبة 

يحدث تعامد الشمس على تمثال رمسيس كان يحدث يومي 21 أكتوبر و21 فبراير قبل 1964 لأنه بعد نقل معبد أبو سنبل لإنقاذه من الغرق تحت مياه بحيرة السد العالي مع بداية الستينيات . أصبحت هذه الظاهرة تتكرر يومي 22 أكتوبر و22 فبراير وذلك لتغير خطوط الطول والعرض بسبب نقل المعبد 120 مترا غربا وبارتفاع 60 مترا حيث تدخل الشمس من واجهة المعبد لتقطع مسافة 200 متر لتصل الى قدس الاقداس لتضيء 3 تماثيل من الاربعة الموجودة في داخله . 

 

خصائص نوبية 

الطبق النوبي مصنوع من سعف النخيل وبألوان متعددة يستخدم في تغطية الطعام والتخزين وهناك ما يصنع من خيوط ملونة ويستعمل في تزيين الجدران في البيت ولها أسماء متعددة "كرج" "الشوير " ، " كوبوشي " وغيرها . البيوت في النوبة أسقفها مسطحة بالجريد وذلك يناسب المساحات المفتوحة حول مجرة النيل واشتهر البيت النوبي من الداخل بالرسومات العديدة والتي كانت تقوم بها المرأة النوبية وأشهرها الزخارف والمثلثات وكان التخطيط الأساسي للبيوت، السماوي وحجرة التخزين وعادة يتم تربية الدواجن فيها ، " غرفة الديوان " وهو جناح العروسين يتكون من غرفة نوم ودورة المياه ، ومكان لاستقبال الضيوف 

 

النوبيون والحنين إلى أرضهم القديمة

استحضر المصور والمخرج المصري وائل جزولي صرخة النوبيين بحثا عن "اركي"(الأرض القديمة باللغة النوبية) في معرض للصور الفوتوغرافية افتتح يوم الأربعاء برواق عائشة حداد بالجزائر العاصمة . سافرت كاميرا الفنان عبر الأزمنة لتحط الرحال في تلك المنطقة البعيدة والممتدة من غرب أسيوط إلى السودان جنوبا على مسافة 300 كلم متر لتنقل عبر 35 صورة تعرض لأول مرة تاريخ وحضارة المنطقة التي تعود إلى أكثر من 7 آلاف سنة وأيضا هموم ومطالب أبناء النوبة . وأوضح الفنان وائل جزولي الذي شارك بفيلم وثائقي بنفس العنوان في الطبعة السابعة من مهرجان وهران للفيلم العربي أن هذه الصور أنجزها على هامش تصوير فيلمه الذي حمل معاناة وأنين النوبيين والتي تعود كما قال إلى تاريخ بناء السد العالي في أوائل الستينيات من القرن الماضي  . وأضاف الفنان "لقد تسبب المشروع في غرق 48 قرية وتهجير سكانها إلى منطقة غرب أسوان بعيدا عن ضفاف النيل التي شهدت ميلاد وازدهار الحضارة النوبية قبل 7 آلاف سنة . وقد اثر هذا التهجير كما قال على السكان الذين تربطهم علاقة مادية ووجدانية مع النيل على مدى العصور فكل أنشطتهم قائمة على مياه هذا النهر "المقدس" لديهم  . وقال من جهة أخرى "إن المعرض وأيضا الفيلم يحملان مطالب وطموحات الجيل الثالث من النوبيين الذين يعتزون بكونهم مصريين لكنهم في نفس الوقت يتمسكون بثقافتهم ولغتهم التي تشكل اسهاما إضافيا للبلد". ونبه إلى أن الصور المعروضة لم تدخل في انجاز الفيلم الذي قدمه دون استخدام الأرشيف لأنه يتحدث عن موضوع آنٍ. وحملت الصور المعروضة جانبا من حياة النوبيين من خلال طرق المعيشة واللباس حيث قدم المصور عددا من البورتريهات للمرأة النوبية بالزى التقليدي وحليها المميزة . وعاد وائل جزولي بالصور إلى تاريخ بناء السد العالي وتهجير السكان من حوله وكذا غرق عدد من القرى كما سلط الضوء على معالم تاريخية مثل "معبد أبو سنبل" الذي أنقذ بمساعدة اليونسكو حيث تم رفعه 60 مترا عن سطح المياه إلى جانب صور أخرى عن مكان تواجد النوبيين قبل بناء السد وصور لحياة هؤلاء بعد تهجيرهم . ويتجلى من خلال طريقة اخذ الصور وأيضا عرضها حسب تسلسل تاريخي وموضوعي الحس الفني لصاحبها وهو مصور صحفي من مواليد القاهرة في 1990 وحاصل على ليسانس في التجارة وأخرى في الإعلام الآلي. يتواصل المعرض الفوتوغرافي إلى غاية 12 أكتوبر الجاري.

 

"إركي" حلم العودة ... إعادة بناء الإنسان

"تعال زر... تعال شوف ... تعال وخلاص" جملة قالها شادي فكري الكاشف وهو الشخصية الرئيسية في الفيلم الوثائقي المصري "إركي" للمخرج الشاب وائل جزولي الذي عرض أمس بقاعة السينماتيك ضمن منافسة الأفلام الوثائقية في الطبعة السابعة لمهرجان وهران للفيلم العربي.

عادت قضية النوبيين المصريين إلى الواجهة هذه الأقلية التي كانت تعيش في جنوب مصر قبل أن تشتتها إثر قرار الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بناء قناة السويس أين أغرقت الحضارة النوبية تحت المياه. محاولات التعتيم المتواصلة سواء إعلاميا أو عدم السماح بتناولها إعلاميا لم تثن المخرج الشاب وائل جزولي في الدفاع عن قضية هوية ومبدأ وانتماء . "إركي" التي حاك تفاصيلها الصحفي محمود أبو بكر يتطرق إلى معاناة النوبيين بعد تهجيرهم ، هو فيلم وثائقي ملتزم بقضية مأساة الجيل الثالث من النوبيين الذين ولدوا وعاشوا في القاهرة بسبب التغريب الذي فرض عليهم بعد تهجيرهم إلى مناطق مختلفة أو اضطرارهم لفعل هذا جراء انعدام كل الظروف المعيشية التي تسمح بمواصلة الحياة أين لا وجود لا لكهرباء ولا غاز ولا حتى قنوات الصرف الصحي . يتناول المخرج وائل جزولي إشكالية كيف وجد النوبيون أنفسهم مهجرين في الصحراء أو في مدن الشمال دون أن يتمكنوا من العودة مجددا لضفاف النيل كما وعدتهم السلطات المحلية وها هي تمر 51 سنة على إغراق الحضارة النوبية وتهجير كل أهل المنطقة دون تجسيد أي وعود. يعالج الفيلم الأزمة السياسية والثقافية والديمغرافية لسكان الجنوب المصري من النوبيين، الذين تم تهجيرهم من مناطقهم لبناء السد العالي في عام 1963، ويسعى الفيلم من خلال تقديم نموذج رئيسي لأحد ضحايا التهجير ( من الجيل الثالث للمأساة) إمكانية التغلب على الصعوبات القائمة من أجل إعادة بناء الثقافة النوبية وعودة أهالي النوبة إلى مناطقهم . بالإضافة إلى الأبعاد الإنسانية والثقافية والسياسية لتداعيات التهجير الذي شمل مناطق واسعة من أراضي النوبة(عشرات القرى) التي غرقت تحت مياه النيل. الفيلم يحتوي على شهادات لمن عاشوا التهجير وآراء مختصين في الشأن المطروح، ويروي الشخصية الرئيسية شادي فكري الكاشف 

تاريخ حضارة يحلم سكانها بالعودة وهي دعوة صريحة من اجل العودة مثلما قال آخر " نقطة العودة ... إعادة بناء الإنسان " تنتقل الكاميرا لعين المكان في رحلة من القاهرة إلى النوبة القديمة( 800 كيلومتر). يعود المخرج بأبعاد إنسانية تاركا بصمة ذاتية في الفيلم تحت غطاء الانتماء إلى الهوية والحضارة النوبية مستمدا من معاناة أبناء جلدته روحا إبداعية لخصها في هذا الفيلم الوثائقي الذي يرحل بنا في عوالم حضارة . " إركي " أمل ودعوة في العودة إلى الحياة من جديد فالحضارة هي الإنسان . 

فيصل شيباني 

من نفس القسم الثقافي