الثقافي

"السينما في الجزائر وسيلة ترويجية للفكر الإيديولوجي"

الكاتب والسيناريست عيسى شريط:

 

قال الكاتب والسيناريست عيسى شريط أن الجميع في الوطن العربي من سياسيين ورجال دين يدركون جيدا خطورة ونجاعة السينما بالنسبة لتوعية وتنوير المجتمعات، لكنهم لا يحركون ساكنا للنهوض بها واستثمارها وتوظيفها لحماية المد الثقافي والحضاري والوجودي أيضا.

 

 وأضاف الكاتب الروائي والسينمائي عيسى شريط في حوار مع موقع الجلفة أنفو، أن الجزائر كانت حاضرة وحاولت تمرير رسالتها من خلال أعمالها السينمائية التي لا يمكن إنكارها ، على الرغم من التقرب والمعالجة السطحية لموضوع الثورة الجزائرية، وعلى الحضور القامع للرقابة. واستطرد الكاتب قائلا " لا يمكننا الجحود بأن السينما الجزائرية قدمت أعمالا جميلة خاصة في الجانب التقني صورة وإخراجا، جعلت منها آنذاك سينما رائدة في العالم العربي وعلقت عليها آمال تطور السينما العربية..مثل هذه الأعمال كثيرة جدا". وفي سؤال حول فترة الحرب التي لم يتم تناولها سينمائيا من الجهتين الصراع الجزائري الفرنسي بشكل مباشر، كشف عيسى شريط أن عدم تناول الأعمال السينمائية من الجهتين الصراع الجزائري الفرنسي بشكل مباشر سببه "الظاهرة الترويجية" المؤسسة على قناعة كل طرف بقضيته، فالجزائري يرى في ثورته قضية عادلة تسعى خلف تحرير الإنسان الجزائري من مأساة الاستعمار، في حين يرى الفرنسي أن الثقافة الكولونيالية سياسة جاءت لتحضر وترقى بالإنسان الجزائري والإفريقي عموما الغارق في بدائية مفرطة ومتوحشة وما ينتج عن ذلك من تخلف وجهل، فللثقافة الكولونيالية فضائل أكيدة هذا اعتقادهم. وأرجع الكاتب السبب الى تمسك كل طرف بقضيته انطلاقا من قناعة راسخة، واليقين أن هذه المواقف مازالت راسخة إلى يومنا هذا باستثناء بعض القناعات التي برزت وتتبناها أجيال من الطرفين لم تعش ذلك الماضي، وبعد هذه المدة الطويلة من الاستقلال، جاءت هذه القناعات التي تعمل على جعل هذا الماضي المشترك عاملا جامعا وليس مشتتا ولكنها تجد مقاومة شرسة من الأجيال التي عاشت تلك المرحلة المأساوية وهذه الرؤية – يضيف - يتبناها على الخصوص، أبناء المهاجرين الجزائريين من الجيل الثاني والثالث الموسومة بأجيال "البور Les beurs"، منهم المخرج "رشيد بوشارب" في فيلمه الأخير "أنديجان Indigenes" الذي يتهم فرنسا باللامبالاة واللاعتراف من خلال معالجته لموضوع تجنيد الجزائريين في الحرب العالمية الثانية، ويشكل بامتياز الماضي المشترك. 

 وتحدث السيناريست عيسى شريط عن السينما الجزائرية في مرحلة الاستقلال والتي وصفها بالوسيلة الترويجية لنظام الحكم وإيديولوجيته آنذاك، واستغلت مادة حرب التحرير لتكريس هذه الإيديولوجية. وقال شريط إن بعض النقاد من يعتقد أنها لم تعالج بشكل موضوعي ظاهرة الحرب بقدر ما تناولتها بشكل سطحي عمل على تشويهها في بعض المواقف..هذا الاستغلال الترويجي للسينما جعلها هشة غير مؤسسة باعتبارها صناعة صغيرة، ذلك ما يفسر سقوط وانحطاط السينما الجزائرية التي كانت تبدو أنها متطورة. وقسم المتحدث الرقابة في السينما الجزائرية الى نوعين من الرقابة، رقابة مباشرة وأخرى غير مباشرة، فالرقابة المباشرة – حسب شريط - هي سياسية بامتياز تمارسها السلطة باعتبارها الممول الأساسي للعملية الإنتاجية وهي بذلك تلزم السينمائي على مسايرة مدها الإيديولوجي دون انحراف يذكر، أما الرقابة المباشرة فهي لاصقة بعاملي الدين والعادات، هذا النوع من الرقابة أشد فتكا ، بالعملية الإبداعية عبر تقييد حرية السينمائي في اعتماد معالجات سينمائية أكثر جرأة نقدية اجتماعية وسياسية، وتتجلى هذه الرقابة عبر التدخل المباشر، أو عبر تدخل غير مباشر ينحصر في فعل الرقابة الذاتية. وأضاف عيسى شريط 

أنه على الرغم من التقرب والمعالجة السطحية لموضوع الثورة الجزائرية، وعلى الحضور القامع للرقابة، لا يمكن الجحود بأن السينما الجزائرية قدمت أعمالا جميلة خاصة في الجانب التقني صورة وإخراجا، جعلت منها آنذاك سينما رائدة في العالم العربي وعلقت عليها آمال تطور السينما العربية، ومثل هذه الأعمال كثيرة جدا، وأكثرها جرأة هو فيلم "معركة الجزائر" الذي أخرجه الإيطالي "جيلو بنتي كروفو" الذي نال جائزة أوسكار، واعتمد كوثيقة تاريخية ضمن الأرشيف الإنساني وهذا النجاح هو نتيجة لتحرر المخرج الإيطالي من كل رقابة خصوصا الذاتية منها وهو العامل الذي وفر له إمكانية النقد السياسي والاجتماعي الجريء، واعتمد الفيلم على اللمسة الحداثية لدرجة أنه صنف كعمل تجاري. 

وعن سبب تراجع السينما الجزائرية أوضح عيسى شريط أن السبب يعود يقينا إلى عدم اعتماد سياسة مؤسسة لهذا المجال الفني منذ الاستقلال، بمعنى أن السلطة لم تؤسس لصناعة سينمائية حقيقية كما هي الحال للشقيقة مصر، والهند مثلا هنالك السينما صناعة صغيرة قائمة بذاتها بكل ما تحويه كلمة صناعة من معان، بدلا من ذلك اعتمدت السينما في الجزائر كوسيلة ترويجية للفكر الإيديولوجي الاشتراكي، فضلا عن الولاء الأعمى لسياسة الحزب الواحد آنذاك، والضامن لهذا الولاء هي وسيلة التمويل الوحيدة المتمثلة في الأرصدة المالية التي تمنحها الدولة، والدليل على ذلك انهيار السينما تماما بانهيار الحزب والإيديولوجية، وأضاف المتحدث أنه لو كانت السينما صناعة قائمة بذاتها تعتمد على نفسها تمويلا وإنتاجا لما انهارت بهذا الشكل الرهيب..وها نحن في زمن الانفتاح الاقتصادي والسوق الحرة، نعتمد نفس الأسلوب بالنسبة للصناعة السينماتوغرافية إذ مازال التمويل يتم بواسطة الإعانات المالية التي تمنحها وزارة الثقافة ووزارات أخرى، وآخر فيلم أنتج حول الثورة اعتمد موضوع شخصية بن بولعيد كلف أموالا طائلة منحتها وزارة المجاهدين، واليقين أن طريقة الإنتاج هذه "ترويجية" لا أقل ولا أكثر.

فيصل .ش

من نفس القسم الثقافي