الثقافي

"في غياب استراتيجية ثقافية وصلنا إلى مرحلة شعارها الترفيه"

الكاتب والإعلامي محمد بغداد لـ"الرائد":

 

كشف الكاتب والإعلامي محمد بغداد في هذا الحوار مع جريدة "الرائد" أن الخطاب الديني في الجزائر يشهد أزمة حقيقية، كونه يفقد المرجعية المناسبة كما أنه يصطدم مع الواقع القائم، زيادة على حرمانه من النخب القادرة على تمثيله والمؤسسات القادرة على تجسيده. وأكد في سياق آخر أن الاحزاب الجزائرية لا علاقة لها برسم السياسة العامة للبلاد، فهي مجرد دكاكين لمجموعات اجتماعية وفئوية، للحصول على المغانم وتغيير الوضع الاجتماعي، وتحسين المستوى الاقتصادي.

 

* لديك كتابان تعالج فيهما الخطاب الديني فمع شهر رمضان كيف ترى الخطاب الديني في الجزائر؟

- الخطاب الديني في الجزائر، يعيش مرحلة أزمة حقيقية، كونه يفقد المرجعية المناسبة، التي يقف عليها، كما أنه يتصادم مع الواقع القائم، وهو محروم من الرؤية للمستقبل، زيادة على حرمانه من النخب القادرة على تمثيله، والمؤسسات القادرة على تجسيده، ولهذا تجده يتخبط في ابسط الاشكاليات، فهو غارق في المصطلحات والقضايا، ولهذا نجده مهزوما في مواجهة الواقع القائم، وهو اليوم غارق في مشاكل الوهابية، وفاشلة في التعبير عن المرجعية الفقهية، وأزمة المساجد وانقلابات الائمة وتمردهم، وقد تحول إلى مجرد خطاب فاقد الثقة في نفسه، والاخرون يسخرون منه، ومن رسائله، وأقول بصراحة اليوم نواجه خطرا كبيرا، يتمثل في ارتفاع مؤشرات انهيار المؤسسة الدينية عندنا، وبالذات المؤسسة الفقهية، وهو الخطر الذي سندفع ثمنه باهظا، كمجتمع وليس كأفراد، وأتمنى أن يقف الشرفاء، ممن بقي في هذا الوطن، بإعادة الاعتبار للدور الريادي لهذه المؤسسة، خاصة بعد أن فقد دعم ومساندة المؤسسات الاقتصادية، والمؤسسة المعرفية والمؤسسة الاجتماعية.

 

* تغلب على كتابات محمد بغداد الجانب التنظيري الاكاديمي ألا تفكر ولوج كتابة الرواية أو نوع أدبي آخر؟

 

- احترم كثيرا قلمي، إلى درجة التقديس، مما يجعلني لا أخوض إلا فيما احسن إنجازه ولهذا لا أريد أن أخوض في مجال الكتابة الأدبية، فأنا أحسن تذوق الابداع الأدبي شعرا أو رواية، وأكثر قراءتها، ولكني أود أن أبقى في مجال تخصصي، من خلال الدراسات السياسية والفكرية المتخصصة، بحكم تكويني الاكاديمي وأسلوبي المعرفي، ومن هنا أود أن تكون هذه التقاليد، أسسا محددة للمشهد الثقافي الوطني، الذي يبقى بحاجة ماسة إلى الانتقال إلى المستوى، الذي يكون فيه التخصص والإبداع الجمالي، وفق القيم الإنسانية هو الغالب على هذا المشهد. 

* في ظل الحراك الذي تشهده مصر ودول ما يطلق عليها الربيع العربي كيف ترى حقيقة الوضع؟

- أعتقد أن المشهد، ما يزال غامضا لحد الآن، ولا أتوقع أن تنكشف خيوطه النهائية، وأطرافه الفاعلة، إلا بعد مدة ليست باليسيرة، ولكن المهم في الموضوع، أن المنطقة العربية، تعيش مرحلة التحول التاريخي العميق، الذي سيكون له ما بعده من التغيرات، ليست تلك التي تشمل الجوانب السياسية والشكلية والتنظيمية، بل ستصل إلى المستويات الفكرية والايديولوجية، مما يجعلنا أمام مشهد مغاير تماما، لما هو عليه اليوم وأظن أنه من المفيد الاسراع في امتلاك الادوات المنهجية والمعرفية لنخبنا، من أجل فهم ما يدور الآن، والاستعداد للوضع القادم، حتى نتمكن من العيش في تلك الظروف، ونحن على دراية كاملة به، ولكن الحقيقة الماثلة اليوم، هي أن الديمقراطية بالصيغة الغربية، لا يمكن تطبيقها في المنطقة العربية، وأن فئات اجتماعية واسعة، لم يعد بإمكانها أن تؤمن بالديمقراطية الغربية، وأن هذه الفئات لم تعد تؤمن بالمستقبل، وهي اليوم خائفة على نفسها وتفقدها الأيام إيمانها بانتمائها الوطني، وهي تواجه بنفسها مخاطر المستقبل.

* لديك كتاب النزعة الانقلابية في الاحزاب الجزائرية تتحدث فيه عن الحراك الحزبي والتصحيحيات، فكيف تقيّم دور الاحزاب الجزائرية في رسم السياسة العامة للبلاد؟

 

- لا علاقة للأحزاب الجزائرية، بالسياسة العامة للبلاد، فهي مجرد دكاكين لمجموعات اجتماعية وفئوية، للحصول على المغانم وتغيير الوضع الاجتماعي، وتحسين المستوى الاقتصادي، والكل يشاهد أن البرلمان يشتم يوميا، بعبارات خطيرة ومسيئة جدا، ولا نجد منهم احد، يرد الشتيمة والإساءة عن نفسه، والأمر نفسه ينطبق على تلك الحروب، التي تدار داخل هذه الاحزاب، من أجل المناصب والمغانم، وحتى قاموسنا السياسي، أصبح مزدحما بالكثير من العبارات الخطيرة مثل (الشكارة) التي تجعل من الأحزاب السياسية، مجرد خطر على الوعي الاجتماعي، وأحد أهم العراقيل، التي تمنع تطور المجتمع، وتكريس الديمقراطية، ولهذا لم يشارك أحد من هذه الأحزاب في الندوات التي نظمت لمناقشة كتاب النزعة الانقلابية، ولم يشارك أحد من هؤلاء في الفضاءات والدعوات التي أرسلتها للجميع، وقد فهمت انا الرسالة من هؤلاء. 

* كيف ترى المشهد الأدبي في الجزائر؟

- المتابع للمشهد الثقافي عموما، والادبي منه على وجه الخصوص، يصل إلى حقيقة ماثلة للعيان، وهي الفوضى العارمة في النشاط والتخبط العميق في الرؤية، فنحن نملك الكثير من الاسماء والقوى الابداعية، لكنها تبقى قوى هامشية، وفي خانة الاقصاء من طرف استمرار هيمنة النخب المغشوشة، التي لا تريد أن ترفع يدها عليه، وهي تصر أن تلحق أكبر قدر من الضرر بالثقافة الوطنية، والحصول على أكبر قدر من مصالحها الفئوية الضيقة، فمن الغريب اليوم لا نملك شاعرا مسقاعا، ولا اديبا مشهورا، ولا سينمائيا لامعا، -وحتى أننا لا نملك راقصة محترفة-، وهذه النخب المغشوشة، تستغل غياب الاستراتيجية الثقافية الوطنية، وانعدام الرؤية والارادة، التي تسعى إلى تحقيق أهداف وطنية كبرى. 

* بصفتك كإعلامي كيف يؤثر الاعلام في مسار الكاتب؟

- تعلمت من رائد الصحافة الجزائرية، المرحوم عمر بن قدور، والأجيال التي سارت على منهجه، أن المشروع الإعلامي ينجح إذا توفرت مجموعة من المعطيات، من أهمها أن يكون الصحفي مثقفا، وليس موظفا، زيادة على المناخ الثقافي والابداعي والاقتصادي والاجتماعي، ومن هنا اعتبر أن التجربة الإعلامية الجزائرية، مجبرة على مرحلة المراجعة، وإعادة النظر في الكثير من المراحل والسلوكات، والاعتراف بالأخطاء والقبول بالرأي الآخر، والتوجه جميعا نحو المستقبل انطلاقا، من اشتراطات الواقع الحالي، ومتطلبات المستقبل، ومن هنا فإن الإعلام بإمكانه أن يقدم الكثير من الخدمات الجليلة والتاريخية للمجتمع، وسيكون الرهان الأكبر في المستقبل. 

 

* ونحن في شهر رمضان لماذا تغيب الأمسيات الادبية في الوقت الذي نشهد العديد من السهرات الفنية؟

- أتصور أنه ونظرا لغياب استراتيجية ثقافية واضحة وناضجة، والشلل الذي تعانيه المؤسسات الثقافية، وصلنا إلى مرحلة شعارها ‘الترفيه‘، من هنا فإن الترفيه، يكون أولوية للشعوب الناجحة والناضجة، أما ونحن من المتخلفين اقتصاديا وسلوكيا، نقول للناس عليكم بالترفيه، وحتى هذا المستوى يعاني من الانحطاط الذوقي الرهيب، فلا نملك أغنية محترمة، ولا قطعة موسيقية جميلة، وأصبحنا عاجزين عن إقامة حفلة فنية جميلة، يمكن أن تساهم في سمونا الاخلاقي والسلوكي، بل تزيد من إحباطنا النفسي والاجتماعي، فهل يوجد شخص يحترم نفسه، ويقدر عائلته، يحضر حفلة من الحفلات، التي تقام اليوم، حتى من يسمون فنانين اليوم، أحسنهم لا يستطيع تركيب جملة مفيدة، وفضائحهم أكبر منهم، وطبعا هذا من انجازات النخب المغشوشة، التي لن تتوقف حتى تدمر ما بقي من الذوق الاجتماعي للمجتمع. 

 

* كيف تمضي شهر رمضان؟

- أحاول أن استغل هذه المنحة الالهية، من أجل التخفف أكبر قدر من المعاصي والذنوب والاخطاء، التي ارتكبها طوال السنة، وهذه المناسبة تفيدني جدا في تذكيري بنهايتي، واجتهد في التقرب إلى الله تعالى، قدر المستطاع زيادة على الجوانب الشخصية والاجتماعية والنفسية، التي تدفع إلى المراجعة والارتقاء والسمو بالذات الانسانية. 

* هل انت من الذين يتنرفزون في هذا الشهر؟

 

- الحمد لله، لقد وقاني الله من تلك السلوكات المستنكرة والمستهجنة.

* ما هي الأكلات المفضلة عندك؟

- في الحقيقة، لا يستهويني الأكل كثيرا في رمضان، وأكتفي بالقليل منه والافضل منه، ما تنجزه أمي بارك الله فيها. 

حاوره فيصل شيباني 

من نفس القسم الثقافي