الوطن

مرضى.. على وشك الموت.. لا طبيب ولا ممرض

"الرائد" تقف على معاناة الجزائريين بعد إضراب عمال قطاع الصحة

 

 

تتواصل القبضة الحديدية بين نقابات قطاع الصحة والوزارة الوصية، حيث لا تزال معاناة المرضى في المستشفيات تصنع الحدث خاصة وأن الإضراب دخل أسبوعه الخامس ونتج عن ذلك تأجيل العديد من العمليات الجراحية، فضلا عن الكشوفات والفحوصات الدورية التي تخص أصحاب الأمراض المزمنة والأمراض المستعصية، وكذا مرضى السرطان والفشل الكلوي.

 

وكانت الساعة تشير إلى السادسة والنصف مساء عندما قصدنا مستشفى مصطفى باشا الجامعي لرصد حالة هذه المؤسسة الاستشفائية بعد خمسة أسابيع كاملة من إضراب عقّد من وضعية المرضى، فبمجرد دخولنا، ذهلنا للعدد الكبير من المرضى الذين وقفوا في أروقة مختلف المصالح يبحثون عمن يتكفل بهم، فيما سجل غياب تام للأطباء ورؤساء المصالح ما عدا بعض الشبه الطبيين الذين لم يجدوا من حل لتجنب الرد على بعض المرضى الذين تعالت أصواتهم طلبا لمن يتكفل بهم، سوى "حفظ الميم" كما يقال في المثل الشعبي، فكانت الإجابة "لا ندري" ليس اختصاصنا" "لا نستطيع فعل شيء". وأمام إلحاح بعض المواطنين بالنظر إلى أن بعض الحالات تكون مستعجلة، يتحول الاستفسار إلى صدامات وتبادل للاتهامات وحتى الشتائم. 

مرضى يعانون وأطباء متمسكون بإضرابهم

وفي هذا الصدد أكد المواطن (ك. ح) أنه ينتظر منذ ساعات لإجراء كشف طبي لاحتمال أن يده اليمنى مكسورة وبحاجة إلى تجبيس، مضيفا أن الممرضين طلبوا منه الانتظار كون حالته لا تعتبر طارئة بما فيها الكفاية، في حين أكد انه يعاني من ألم وانتفاخ في يده منذ البارحة ولا يستطيع احتمال الألم أكثر. وقال (ص. ط) الذي كان يحمل ابنه ويعاني من حرارة مرتفعة أنه "بالرغم من توفير ما يسمى بالحد الأدنى من الخدمات، إلا أن هذه الأخيرة تبقى غير كافية بالنظر إلى عدد المرضى الذي يزداد كل ساعة بسبب عدم إيجادهم من يتكفل بهم"، مضيفا "أن هذا الصراع بين الموظفين ووصايتهم يدفع ثمنه المواطن البسيط وفي أغلى ما يملكه الصحة". (ف. ع) الذي كان يبدو متوترا لدرجة أنه لم يترك لنا الفرصة حتى للاستفسار عن علته قال بصريح العبارة "مرضونا"، مضيفا "لم نعد ندري من معه الحق الطبيب الذي لم يدخل معاناة المواطن في حساباته عندما قرر الدخول في إضراب لخمسة أسابيع، أم وزارة الصحة التي لم تكلف نفسها عناء التحاور مع عمال قطاعها إن لم يكن من أجلهم، فمن أجل المواطن الذي يعاني كل يوم اثنين وثلاثاء وأربعاء في مستشفيات أغلقت أبوابها في وجهه وتحولت إلى حلبة للصراع من أجل تصفية حسابات". وعبر (م. ج) عن امتعاضه من الوضعية التي وصل إليها المريض الجزائري جراء هذا الإضراب العام بقوله "نحن كمواطنين لا تهمنا مطالب عمال الصحة وإذا كان حق الإضراب قد كفله الدستور لهم فهذا الأخير قد كفل أيضا للمواطن حق العلاج المجاني"، مضيفا أنه "كان الأحرى أن يبقى المواطن بعيدا عن هذه الصراعات"، ليضيف "أي حكومة هذه التي تترك مواطنيها يموتون في المستشفيات دون التحرك لفعل شيء". هذا وأكد عامل للأمن والوقاية بذات المؤسسة الاستشفائية والذي كان يبدو متأهبا لأي طارئ، أنه ومنذ بداية الإضراب تشهد مختلف المصالح الإستشفائية صدامات بين المرضى وذويهم والأطباء، والتي تتطلب في كثير من الأحيان تدخل أعوان الأمن لفك الاشتباك الذي كثيرا ما يتحول من لفظي إلى جسدي، حيث قال إنه تم تسجيل منذ خمسة أسابيع اعتداءات عديدة على أطباء رفضوا التكفل ببعض الحالات، بحجة وجودهم في إضراب عن العمل الأمر الذي اعتبره المواطنون تنصلا من المسؤولية الإنسانية. 

إضرابنا حق دستوري دفعنا إليه زياري!

وأجمع عدد من العمال والأطباء العامون الذين التقت بهم "الرائد" في جولتها بمستشفى مصطفى باشا أن الإضراب هو حقهم القانوني وأن تعنت الوزارة الوصية من جهة، وصمت الحكومة عن هذه الوضعية من جهة أخرى هو من أجبر عمال القطاع على تبني هكذا خيار، معترفين أنه "قاسٍ" نوع الشيء على المواطن، بالنظر إلى أن العديد من العمليات الجراحية والكشوفات الدورية لأصحاب الأمراض المزمنة والمستعصية تم تأجيلها، مضيفين أنهم لن يتراجعوا عن إضرابهم إلى غاية فتح الوصاية لباب الحوار والتزامها بالتكفل بمطالبهم التي رفعت منذ سنوات، مضيفين أن خرجات زياري التي يؤكد خلالها التزامه بالحوار الجاد لا تعدو مجرد تلاعب من أجل تأليب الرأي العام ضد عمال قطاع الصحة، الأمر الذي يلمسونه كل يوم إضراب من خلال الانتقادات التي يوجهها المرضى لهم، مضيفين أن إنسانيتهم لا يمكن لأحد التكلم عليها كونهم ملتزمين بتوفير الحد الأدنى من الخدمات. كما أكدوا في السياق ذاته، أنهم لبوا نداء نقابتهم من أجل العمل على حل ملف عالق منذ سنوات، وأوضح الناطق باسم تنسيقية مهنيي الصحة ورئيس نقابة ممارسي الصحة العمومية إلياس مرابط في اتصال هاتفي مع "الرائد"، أن وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات هي من تتحمل مسؤولية معاناة المرضى، مضيفا أن الأطباء وكل العمال المضربين يعملون كل ما بوسعهم كي لا يؤثر هذا الإضراب على صحة المواطن، من خلال توفير الحد الأدنى من الخدمات وحتى التدخل في حالة الطوارئ، داعيا الوزارة الوصية للصلح من أجل وضع حد لمعاناتهم المهنية ومعاناة المواطن في نفس الوقت.

أحزاب سياسية تتحرك لإنصاف المريض

هذا وتحركت بعض الوجوه السياسية والأحزاب من أجل التنديد بالحالة التي وصل إليها المرضى في المستشفيات التي تعفنت فيها الأوضاع بسبب إضراب مفتوح دام خمسة أسابيع، على غرار حزب الجيل الجديد الذي دعا في بيان له تحصلت "الرائد" على نسخة منه، إلى مسيرة سلمية يوم السبت القادم 8 جوان من أجل إيصال صوت المرضى بالسرطان على وجه الخصوص والذين يعانون بسبب الإضراب زيادة على معاناتهم كون الكثير منهم يضطر إلى الانتظار مدة تصل السنتين لبدء العلاج الإشعاعي، موجهة الدعوة لجميع منظمات حقوق الإنسان والنقابات والجمعيات والأحزاب السياسية للانضمام لهذه المسيرة من أجل المطالبة ببناء مؤسسات استشفائية خاصة بمرضى السرطان، لتحسين التكفل بهم.

قسنطيني: إضراب عمال الصحة شرعي لكن عليهم توفير الحد الأدنى من الخدمات

من جهته قال رئيس اللجنة الاستشارية لحماية وترقية حقوق الإنسان فاروق قسنطيني في تصريح لـ"الرائد" إن إضراب عمال قطاع الصحة في حد ذاته دستوري وهو حق من حقوق العمال لكن الإشكالية تكمن في توفير الحد الأدنى من الخدمات، فعلى العمال المضربين الالتزام بهذه الأخيرة، مضيفا أن "إضراب العمال شرعي ومنعهم من حقهم هو ما يعتبر تعقيدا لوضعية حقوق الإنسان في الجزائر"، لكن بالمقابل على المضربين الالتزام بواجباتهم وعدم إهمال المواطن وتركه يعاني. 

سارة زموش

من نفس القسم الوطن