الثقافي

المخرج أحمد بن عيسى يعيد تجسيد رائعة "نجمة" ركحيا

عرضت في إطار المهرجان الوطني للمسرح المحترف

 

عرضت سهرة أول أمس بقاعة مصطفى كاتب بالمسرح الوطني محي الدين بشطارزي، رائعة الراحل كاتب ياسين "نجمة"، في إطار مهرجان المسرح المحترف، وتحت ظلال خمسينية الاستقلال، وهو العمل الذي مزج فيه الكاتب الراحل بين الحب والحرب أو الحب والثورة، "نجمة" هي اختصار للأم والحبيبة وللجزائر التي يصوّر الكاتب العالمية في تفتحها وعدلها وحبها للآخر وفي حلتها وأخلاقها وسلوكياتها وتضامنها مع المظلومين والمضطهدين في مختلف بقاع المعمورة، لتتحوّل هذه الرائعة إلى سؤال لدى الحضور عن هويتها، فيما إذا كانت حقاً المرأة التي استُعصي القبض عليها والتي وقع الجميع في حبها دون أن ينالها أحد، أم أنها الجزائر كما ذهب البعض إلى ذلك، قبل أن يعتبرها آخرون اللحظة التي يتحلّل فيها العالم المزور ويصير حالة شعرية منفتحة على أكثر من أفق، لم تكن فيه الجزائر موجودة كأمة، ولكن كلحظات صراع، كواقع كولونيالي بائس، كثورة تنتظر قيامتها، كتاريخ بعيد وأسطوري.

"نجمة" رائعة كاتب ياسين التي طالما تغنى بها وارتبطت باسمه، يروي من خلالها قصة الجزائر بعد أن يضم بلاده بين جناحي المرأة التي أحب والتي يجعلها رمزا لوطن في ذلك السعي الرومانسي اللين والصلب لاستنهاض ماضيها والتعرف إليه ومسح غبار النسيان عنه في حرارة كتابية ولغة تختزن لهيب الثورات وجنون الحب من جهة، وتكتب الواقع والقمع والتمرد والثورة وتلك الآلام النبيلة، والجراحات التي تنزف من جسد الجزائر من جهة ثانية، لتصل إلى كتابة المستقبل في هويته المشرقة والحرة.

وتدور أحداث المسرحية حول "نجمة" المرأة التي عشقها الكل ولم ينلها أحد، والمرأة التي تملك ظل الكاهنة، ويسري في عروقها دم بني هلال، كان رمزها العزّة والأرض الغاضبة التي يموت منها ولها شباب الجزائر، هي كل ذلك وأكثر، قصة الدم وقد ثار أريق وعفن وتألق نجما، يهيم وراء ظلها، عبثا، غمر من العاشقين برز منهم أربعة جمع بينهم النسب والوله، مراد، الأخضر، رشيد، ومصطفى، يبحثون عنها وكأنهم يبحثون عن الذات وقد استعصت واحتجبت وراء شبح كبلوت، الجدّ الفاتح، وحال دون الوصول إليها كابوس المستعمر."

"نجمة".. الحب المحرّم، الحبيبة والأخت

أخذت المسرحية بخيال الحضور في رحلة البحث عن شجرة نسب في قبيلة كبيرة اسمها "كبلوت"، من خلال أبناء عمومة يلتقون في ليلة غامضة في مغارة مهجورة ويغتصبون امرأة فرنسية يهودية التي تنجب بعدها "نجمة"، ويتم قتل أحدهم ليلتها من دون أن يُعرف من قتله ويتحمل ابنه "تركة" البحث عن القاتل ولن يعرف من هو أبو "نجمة"، ويرث الأبناء تلك العقدة أو تلك العلاقة الغريبة، ولن يعرف أحد من شخصيات هذه الرواية من يكون أخ نجمة الحقيقي وكلهم يعشقونها حتى الهذيان ولكن من دون أن يستطيع نيلها أحد، يختطفها أحد حراس القبيلة وهو زنجي أسود البشرة ويدخلها في نساء "كبلوت" التي يحرم على الغرباء عن القبيلة المساس بها.

تسير المسرحية في مقتطفات وكأنها مجموعة من الأصدقاء هم أبناء عمومة، لكل قصته مع الحياة وبحثه عن طريقة للعيش على الهامش بلا أمل حقيقي في العثور على حرية ممكنة في ظل وضع كولونيالي يحرمهم من العيش بكرامة. حياتهم حياة السكر وتعاطي الحشيش وعدم الاستقرار وهم يقضون جل وقتهم في الفنادق الرخيصة، ومع ذلك تجمعهم تلك العلاقة القوية التي تربط بين كل من نظر إلى تلك المرأة الخطرة، الحب المحرم، الأخت والحبيبة.

سينوغرافيا بسيطة والرمزية المهيمن الوحيد على المسرحية

وبالنسبة للسينوغرافيا الموظفة في المسرحية فقد كانت بسيطة تتغيّر بتغير الظروف والأماكن، استعمل فيها المخرج الرمزية أكثر للدلالة، حيث اشتغل على تقنية الرمز كونها تجسّد شكلاً ومضموناً كافة مراحل التطور، ومختلف أشكال التناقضات واتجاهات الصراع ونتائجه، التي انتهت إليها الرحلة الدامية، وحقّقت درجة عالية من الوحدة الدينامية في العمل الفني، حتى أصبح من الصعب تصنيفها إلى شكل ومضمون، كما أنها حقّقت درجة عالية من روح الخلق حتى أصبح من العسير تصنيفها إلى خيال وواقع.

كما تم توظيف اللغة العامية في المسرحية يصل إلى كل الفئات خاصة البسيطة والمهمشة، كما هو الحال لكل إبداعات كاتب ياسين، والتي تغيّرت من رواية وشعر باللغة الفرنسية وهي لغة المستعمر التي استعملها لمواجهته بصفتها غنيمة حرب. وقال المسرحي نادر القنة عن المسرحية انها محاولة للاقتراب من لغة الكاتب، والهدف من تحويل رواية نجمة إلى مسرحية هو هدف بيداغوجي بالدرجة الأولى ويتمثل أساسا في تبسيط العمل وتقديمه إلى الجمهور، الذي يتوق إلى مثل هذه الأعمال التي لاقت صدى خارج الجزائر أكثر مما عليه بالداخل، هذا إلى جانب التقرب من لغة كاتب ياسين الشعبية والشاعرية والتي كثيرا ما توصف بالصعبة وغير مفهومة الملامح، بالإضافة يقول المتحدث إلى تقديم قراءة مسرحية لهذه الرواية الشهيرة، وتكريما لهذا الكاتب الذي خلد اسمه بحروف من ذهب في سجل المسرح الوطني وحتى المسرح العالمي، باعتبار رواية "نجمة" كانت ومازالت محطة أنظار العديد من المسرحيين العالميين، بالإضافة إلى أنها كانت محل دراسة في الكثير من الملتقيات الوطنية والدولية. اما مخرج المسرحية فاعتبر مسرحية "نجمة" تحديا قائلا "لم تكن عملية تحويل "نجمة" كاتب ياسين بالمهمة السهلة، كما هو الحال عند إعادة اقتباسها، صحيح أنها أرّقتني طويلا قبل أن تصبح أثرا جاهزا، كنت أمام اختيار صعب، كيف أضع الجزائر ورائعة من روائع الراحل في مسرحية، الجزائر القوية والحية، الثورة الحالمة، الجزائر التي كان الآخرون لا يعرفون عنها شيئا سوى الاستقلال وسفك دماء شبابها، كان علي أن أقنع الحضور والأجيال الصاعدة كما فعل كاتبها مع الفرنسيين بأن بلادنا الأم هي جزائر نجمة". أما الممثلة القديرة نادية طالبي فوصفت المسرحية بأنها نوع أدبي متفرد مضيفة أن رواية "نجمة" شكّلت خرقا للمعيار السردي المتواتر في الخمسينيات، بالنظر إلى ما ميّزها من تعديلات جذرية، ما جعلها تلفت انتباه القارئ الذي رأى أنها مفارقة للأجهزة النقدية، وللذائقة المنوالية التي أسّست على تقاليد أخرى تم توارثها، ولعل الموقف النقدي الفرنسي يلخص ذلك في هذا الرأي "إنها نوع أدبي متفرد، وضع النمط الروائي الأوربي في حرج. كما أنها استلهمت من بطولات السلف المجسّدة في مدن سرتا وعنابة وقرطاج وسير يوغرطة والأمير عبد القادر في تصوير مشاهد روايته المندّدة باستعباد الشعب الجزائري واستعمار الأرض المغاربية ككل. 

فيصل. ش

من نفس القسم الثقافي