الوطن
حكومات ما بعد الثورة مسؤولة عن ضعف التعاطي مع الفساد
وزير الحكومة الرشيدة ومقاومة الفساد في تونس عبد الرحمان الأدغم في حوار مع "الرائد"
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 25 أفريل 2013
* نحن بصدد إعداد منظومة جديدة لتمويل الأحزاب والجمعيات
* مافيا الفساد التي ما تزال قوية وعدد الملفات بلغ 12 ألفا، 400 منها فقط وصلت إلى أيدي القضاء.
* عملية تهريب الاموال إلى الخارج تمت عبر شركات وهمية وأحيانا عبر البنك المركزي التونسي.
قال الدكتور عبد الرحمان الأدغم الذي نال ثقة رئيس الحكومة الجديدة علي لعريض للبقاء على رأس الحكومة الرشيدة ومقاومة الفساد الملحقة بالوزارة الاولى، إن هناك عدة ملفات فساد صعبة المعالجة ومنها ما يعتبر أمرا خطيرا يهدد الاستقرار والامن. وأوضح في حوار لـ"الرائد" أن التجاذبات السياسية الحاصلة بين مختلف الاطراف، وكذا القدرات التي أظهرتها بعض الجهات المتهمة بالفساد والمحسوبة على نظام بن علي، في الالتفاف على القضايا الحساسة وتعطيل أنشطة المحققين وعرقلة عمل القضاء، يزيد الامر تعقيدا ويجعل عمل الحكومة الرشيدة ومقاومة الفساد غير مجد ودون نتائج، محملا الحكومات المتعاقبة بعد الثورة مسؤولية بطء عملية المحاسبة.
الرائد: كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن استمرار الفساد، لدرجة انكم اتهمتم وفق ما جاء في وسائل الاعلام، بعض المسؤولين كزعيم نداء تونس الباجي السبسي، ورئيس النهضة راشد الغنوشي، بالتستر على ذلك، ما مدى صحة هذه الاتهامات؟
عبد الرحمان الأدغم: اولا اشكركم على اتاحة لي هذه الفرصة لأنفي بشكل قاطع ما تم إلصاقه بي، فأنا لم اتهم احدا سواء كأشخاص أو مؤسسسات، وانما صرحت بأن صعوبات تعترض عملية تنفيذ قانون المصادرة، وأن حكومة الباجي قائد السبسي، وجدت نفسها في وضع صعب تركته الحكومة التي سبقتها، والتي لم تتفاعل مع القضية خوفا من التجاذبات والاضطرابات السياسية التي كانت سائدة في البلاد، الامر الذي دفع إلى سن قانون خاص بالمصادرة يستثني الاموال المتأتية عن طريق الوراثة.
من جهة أخرى، هناك عراقيل في وجه كل محاولات مصادرة الاموال المنهوبة، خاصة فيما يتعلق بعمليات التهريب إلى الخارج، وهنا اود أن اشير إلى أن هناك أموالا تمت مصادرتها، وأخرى لم تصادر لأنها غير معروفة.
* كيف تم تهريب الأموال إلى خارج تونس؟
- عملية تهريب الاموال إلى الخارج تمت عبر شركات وهمية، وايضا بكل الوسائل المتاحة، وأحيانا كثيرة بطريقة عادية عبر البنك المركزي التونسي. لكن بعد التفطن إلى ذلك سارعنا إلى ايقاف العملية.
* ألا ترون أن موضوع المحاسبة، خصوصا تلك المتعلقة بالاستيلاء على المال العام وملفات الفساد المالي والاقتصادي ذات الصلة بالعهد السابق يسير ببطء، رغم ارتفاع الاصوات المطالبة بتسريع الوتيرة، لماذا حسبكم؟
- حسب رأيي حكومات ما بعد الثورة تتحمل مسؤولية ضعف التعاطي مع ملف الفساد وتباطؤ عملية المحاسبة، دون أن ننسى ما تتطلبه عملية سن التشريعات الخاصة به، من مشاورات وتجاذبات ووقت، وكذلك تراكم الملفات لدى لجنة مكافحة الفساد التي كان يترأسها الفقيد عبد الفتاح عمر، حيث وصل العدد إلى 12 ألفا، 400 منها فقط وصلت إلى أيدي القضاء.
* لكن الرأي العام التونسي يتساءل بشأن عمل هذه اللجنة، هل لكم أن توضحوا الأمر؟
- منذ نشأة اللجنة طبقا للمرسوم الصادر في 2011، والذي لم يفعل إلا سنة 2012، فإن عملها لم يتم يوما في ظروف ملائمة، ولا شك أن أهم الصعوبات التي تواجه عمل اللجنة يتمثل في عدم قبول عديد النزهاء بالانضمام والمشاركة، ربما خوفا من مافيا الفساد التي ما تزال قوية، وايضا تعرضها لمحاولات اختراق من قبل بعض الفاسدين، الامر الذي جعل عمل هذه الهيئة يقتصر في كثير من الاحيان على رئيسها أو نوابه.
* وما دور الهيئة المستحدثة مؤخرا، الخاصة بالجريمة المالية والاقتصادية؟
- إنه من الاهمية بمكان الاشارة إلى القرار الحكومي الذي استحدث قطبا قضائيا خاصا بالجريمة المالية والاقتصادية، لأن من عملها التخفيف من الضغط الذي تعانيه لجنة مكافحة الفساد من جهة، ومحاولة تسريع وتيرة دراسة الملفات، وهو ما حدث فعلا حيث درست هذه الهيئة إلى غاية الآن، أكثر من 900 ملف، غير أن العدد الكبير من الملفات سيظل دائما المشكل الرئيسي من حيث الوقت المطلوب للبحث والتقصي والمعالجة، وكذا الامكانيات الكبيرة التي يفترض على الدولة توفيرها، ونحن نراهن على قانون العدالة الانتقالية للمساهمة في تسريع عملية المحاسبة والمصالحة المطلوبة.
* ما رأيكم في المبادرة التي اطلقتها جهات تطالب من خلالها بمقايضة العفو عن رجال الاعمال المتورطين في الفساد، بتعهدهم بإنجاز مشاريع تنموية في المناطق الفقيرة؟
- أنا شخصيا تحدثت عن عرض مشابه داخل الحكومة منذ فيفري 2012، ودعوت إلى أن تقع محاسبة رجال الاعمال الذين ثبتت بشأنهم تجاوزات وعمليات فساد بعيدا عن العقوبات الجسدية والنفسية، وبإتاحة الفرصة أمامهم للاعتراف بجرائمهم ثم تسوية المستحقات المتخذة بذمتهم للخزينة العمومية، واخيرا بمصالحتهم من خلال السماح لهم بتنفيذ مشاريع تنموية في المناطق المحرومة، مع اشتراط أن تكون المحاسبة بحجم الجريمة، لأنه لا يمكن في كل الاحوال وضع الجميع في سلة واحدة، غير أن اقتراحي لم ينل حظه من الدراسة، ونتمنى أن تستجيب حكومة علي لعريض لفحوى المبادرة لطي الملف نهائيا.
* توجه بعض الاطراف السياسية اتهامات إلى رجال الاعمال المتورطين في قضايا الفساد، باللجوء إلى أساليب غير قانونية لتسوية وضعيتهم والتهرب من المحاسبة، من خلال العمل على استمالة بعض القيادات الحزبية النافذة، ما مدى صحة ذلك؟
- في الحقيقة سمعت بمثل هذه الامور دون أن تكون لدي ادلة او اثباتات بمقدوري الاعتماد عليها للتدخل ووقف مثل هذه الممارسات اللاأخلاقية، وما أتمناه أن لا تكون قد وقعت من هذه التصرفات، خصوصا أننا حاليا بصدد اعداد منظومة جديدة لتمويل الاحزاب والجمعيات، نستعين فيها باقتراحات المجتمع المدني وخبرات المنظمات الدولية.
* يقتضي عملكم في مكافحة الفساد تعاون عدد من الوزارات، هل يحصل ذلك؟
- قررت وزارة الحكومة الرشيدة ومقاومة الفساد منذ نشأتها بعث خلايا في كافة الوزارات والشركات العمومية، وكذلك القيام بما اسميناه بـ"مسح النزاهة" للوقوف على نقاط الضعف والقوة في مختلف مرافق الادارة التونسية، وقد جرى التفاعل مع هذه الخلايا التي وجدت صعوبات في مجمل عملها. لكن والحق يقال إن وزارات من قبيل المرأة والشباب والرياضة وتكنولوجيا الاتصال، قاموا باستشارتنا وأطلعونا على ملفات فساد جرى احالة مجملها على القضاء، وهنا أود أن اشير إلى انه وفي اطار ترقية عمل اللجنة تقدمنا بمبادرة تدعو إلى انشاء المجلس الاعلى لمكافحة الفساد، وهي الدعوة التي لاقت قبولا حيث سيتم الاعلان عنه قريبا، وسيعمل تحت إمرة رئيس الحكومة.
حاوره في تونس: أنس الصبري