الوطن

الصحة في الجزائر "ناقوس الخطر يدق"

إهمال وغياب الرقابة ووزراء مشغولون بمصالحهم الخاصة

 

 

 

الحديث عن الصحة في الجزائر هو بالضرورة حديث عن القطاع الأكثر حساسية في البلاد، لأن غالبية الشعب الجزائري يعاني من هذا الجانب وسطـ سوء التسيير وعلى وقع توالي الإضرابات، حيث لا تمر اي فترة زمنية قصيرة الا وتتجدد موجة الاحتجاجات والاضرابات في هذا القطاع. وفي اليوم العالمي للصحة رغم استمرار أكبر مكسب المتمثل في مجانية الصحة التي يكفلها الدستور، الا اننا نلاحظ تدني الخدمات الصحية فعادة ما اصبحت الجزائر تتذيل قوائم المنظمات العالمية بما فيها الصحة رغم كل الامكانيات والموارد البشرية المتاحة.

 

من يوم لآخر نرى أرقاما مخيفة عن واقع الصحة في الجزائر والتي تسير إلى الأسوأ، ويدفع المواطن ثمن تدني الخدمات وحقه في العلاج، وكشفت آخر الاحصائيات عن تذيل النظام الصحي المعتمد في الجزائر، رغم الميزانيات الضخمة المرصودة لتحسين ظروف الرعاية الصحية للمواطن الجزائري، حيث تنفق الجزائر ضعف ما تنفقه المغرب على قطاع الصحة مقابل رعاية صحية جيدة. ونفس الامر ينطبق على الجارة الأخرى تونس التي جاءت الاولى في تقديم رعاية صحية جيدة لأبنائها، مقارنة بميزانيتها مع الجزائر. ومن خلال الاطلاع على الارقام التي تعدها مراكز الدراسات والإحصاء نطالع أرقاما مخيفة عن واقع الصحة في الجزائر، وهي أرقام مرعبة، على الرغم من كونها بعيدة عن الواقع، أي أن الواقع أمرّ، فكل الامراض في تزايد مستمر ومن سنة لأخرى اصبح المواطن الجزائري يعيش حالة من التوجس من المرض لا لسبب إلا لعدم ثقته في المؤسسة الصحية ككل سواء كانت عمومية أو خاصة، هذه الأخيرة التي يرى فيها المواطن الجزائري البديل من أجل ضمان خدمة صحية متميزة، ولكن يصطدم بواقع مرير والعكس ما هو موجود في بلادنا حيث أصبحت المؤسسات الصحية الخاصة كابوسا آخرا. 

ليبدأ معها المواطن فصلا آخر من متاعبه، ويؤكد عدد من الشكاوى المقدمة ضد عدد من العيادات والمراكز الطبية الخاصة أنها "تستغل حاجة المرضى الماسة لخدماتها"، في ظل غياب أطر قانونية لحماية المرضى. كما تم تسجيل تجاوزات في بعض العيادات الخاصة، مثل عدم توفرها على الحدّ الأدنى من شروط النظافة والتعقيم أو تعرض المرضى فيها لمعاملة غير لائقة، وهو ما جعل السلطات تقرر في الفترة الأخيرة غلق عدد منها. وأصبح جليا أن قطاع الصحة تتحكم فيه لوبيات تضغط على مسؤولي المؤسسات الاستشفائية لغض البصر عن كثير من ممارسات تحويل المرضى من المستشفيات إلى العيادات الخاصة. بالإضافة إلى وجود الكثير من الموارد البشرية في القطاع العام يعملون أيضا في القطاع الخاص، وهو ما يساهم في تدهور التكفل بالمرضى في المستشفيات، ويفتح المجال لكل الممارسات اللاأخلاقية تحت تأثير الإغراءات المالية. إن تعاقب ثلاث وزراء للصحة في ظرف سنتين ندرك من خلاله سوء التسيير في المؤسسة الاستشفائية وحجم التدهور الذي بلغته وعجز ثلاثة وزراء عن إيجاد الحلول. فمن السعيد بركات إلى جمال ولد عباس وحاليا عبد العزيز زياري ومازال القطاع الصحي يشهد نزيفا كبيرا وتدهورا كبيرا يوما بعد يوما، وعلى وقع اضرابات واحتجاجات عمال القطاع يدفع المواطن الجزائري الفاتورة غاليا رغم تأكيدات الوزارة في التصريحات الإعلامية بـ"الالتزام السياسي الكبير للحكومة"، بتلبية كل الاحتياجات الجديدة المسجلة في قطاع الصحة، وأن كل الإجراءات تتخذ في حينها لمعالجة أي نقص في أي مجال. بيد أن المعاينة اليومية للمستشفيات والشكاوى، التي يطلقها الناس في الجزائر عبر الصحف والمحطات الإذاعية، لا تعبر عن وجود هذا الالتزام. كما أن حجم الميزانية المعلن عنها والمرصودة لقطاع الصحة والتي قيل إنها 5 ملايير دولار سنويا، لا يتناسب وحجم المعاناة اليومية للمرضى في مختلف المستشفيات، الذين تجبرهم آلام المرض على اللجوء إلى المصحات والعيادات الخاصة المنتشرة في مناطق عديدة من الجزائر. ورغم هذا المبلغ الرهيب الذي من شأنه أن يكون كفيلا بوقف معاناة المواطن الجزائري ويضمن له علاجا جيدا، غير أن العكس هو الحاصل في هذا البلد. فالمؤسسة الاستشفائية تبقى متأخرة في الكثير من الاشياء، فبالإضافة إلى غياب الرعاية الصحية والبيروقراطية الموجودة في أغلب المستشفيات خاصة في أقسام الأمراض النادرة، هناك نقص فادح في المعدات الطبية ما يزيد من معاناة المريض وحتى إن وجدت هذه المعدات فليست متوفرة، على حد قول الاطباء إلا لأصحاب النفود وأهمها أجهزة السكانير التي تملكها بعض المستشفيات ولكن لا تستعمل. وفي الفترة الاخيرة تم تداول خبر مفاده أن مستشفى تيزي وزو يحوز على جهاز سكانير منذ سنوات لكنه لم يستعمل. وفي الاخير كسرت القاعدة من طرف أحد أرباب المال في المنطقة. فإلى متى يبقى التسيير البيروقراطي حتى في الصحة؟؟، وهل نلعب بضمائر الناس أمام الله عز وجل. يمكن القول إن المنظومة الجزائرية بصفة عامة تنعكس لا محالة على واقع الصحة في بلادنا . وإن الأرقام الخاصة ببعض الأمراض مخيفة وكافية لدقّ ناقوس الخطر حول معاناة جزء لا بأس به من سكان الجزائر. وكلما تأخرنا في إيجاد الحلول كلما ساء الوضع أكثر، فهل من مجيب؟!!

فيصل شيباني 

 

 

من نفس القسم الوطن