الوطن

ماذا بعد ورقلة..؟

المسيرة فنّدت أكاذيب الأجندات الأجنبية والسلطة مطالبة بتحقيق وعودها

 

 

 

يبدو أن خطاب السلطة حول أزمة شباب الجنوب المرتكز على "الشرذمة" وتطبيق الأجندات الأجنبية، ومشروع تقسيم الجزائر القادم من وراء الحدود، فشل بكل المقاييس عندما أعطى الآلاف من بطّالي ولاية ورقلة والولايات المجاورة درسا لكل السياسيين في الوطنية وحب الجزائر، أين طالبوا بالكرامة قبل كل شيء، ليؤكدوا كما وعدوا أنهم جزائريون ومتمسكون بالوحدة الوطنية على قدر تمسكهم بمطالبهم.

الشباب البطّال الذي خرج أول أمس في مسيرة سلمية للمطالبة بأبسط الحقوق في الشغل والتنمية والعيش الكريم، وضع الحكومة الجزائرية في مأزق حقيقي خاصة بعدما أثبت أنه أكثر نضجا ووعيا مما روج له في الأيام التي سبقت المليونية، الأمر الذي أجبر المسؤولين الجزائريين لاستعمال منطق أكثر تواضعا في التعامل مع مطالب شباب الجنوب الذين وضعوا الكرامة قبل كل مطلب، بدليل أن المسيرة نظمت كما كان مبرمجا لها رغم كل الضمانات التي قدمتها حكومة سلال  للتكفل ببطالي الجنوب وإعطائهم الأولوية في التشغيل على مستوى الشركات البترولية التي تنشط في المنطقة. هذه الضمانات التي اعتبرها الآلاف من شباب ورقلة والولايات الجنوبية الأخرى مجرد "حقنة مهدئة" لغضب مواطنين يتزايد منذ سنوات، معتبرين أن المسألة تجاوزت الشغل لتتحول إلى قضية كرامة و"نيف"، ما دفعهم لرفع مطلب آخر ولعله المطلب السياسي الوحيد، وهو رحيل صاحب الحقيبة الوزارية الأولى عبد المالك سلال من على رأس الحكومة، التي قالوا إنها فشلت في التغيير منذ سنوات واكتفت "بغض النظر" على من يسرق خيرات الجنوب من البترول ويترك سكانه يعيشون التخلف والفقر. التضامن الذي انتشر في الولايات الجنوبية المجاورة من خلال تنظيم وقفات احتجاجية موازية لمسيرة ورقلة في كل من تمنراست، إيليزي، تيميمون، الأغواط، المنيعة، غرداية، سيزيد من الضغط على الحكومة التي تسارع لاحتواء الأزمة خوفا من انتشار العدوى في كل الجزائر بالنظر إلى المشاكل الاجتماعية التي يتخبط فيها الشباب عبر كل التراب الوطني، حيث لم تفلح خدعة "الأونساج" وعقود ما قبل التشغيل التي كان الأحرى تسميتها عقود ما قبل البطالة، في إسكات الشاب الجزائري الذي أكد هذه المرة من الجنوب أنه يعي كل ما يدور من حوله، وأن صمته لا يعني الرضى عن الأوضاع التي تتجه نحو الأسوء، بل فقط تحقيقا للوحدة الوطنية وعدم جر الجزائر لدوامة أخرى من الصراع والتوتر.

 مسيرة شباب ورقلة نجحت بنظر الكثيرين، فبالرغم من قلة خبرة الشباب في التعامل مع حراك من هذا الحجم والحملة الاعلامية التي شنت ضدهم، ناهيك عن الضغوط التي مورست عليهم في السر من أجل التراجع عن تنظيم هذا الاحتجاج، إلا أن شباب الجنوب قدموا رسالة واضحة للسلطة الجزائرية تبرهن قدرتهم بالرغم من بساطتهم على تأطير حراك سلمي هادف بهذا الحجم، حيث يعتبر عدد المواطنين الذي شاركوا في المسيرة السلمية أول أمس عددا هاما وقياسيا بالنظر إلى رقعة المدينة وعدد سكانها المحدود. من جهة أخرى ستسمح هذه المسيرة بإعطاء المزيد من الخبرة النوعية لدى الشباب أنفسهم في كيفية التنظيم والتأطير، وكذا التعامل مع ردود فعل السلطة لتكون المسيرات القادمة والتي تلوح في الأفق أكثر تأثيرا وتهديدا لحكومة، خاصة وأن التدابير التي اتخذت لإسكات شباب الجنوب ليست بالحجم الكافي، الأمر الذي دفع بالوزير الأول عبد المالك سلال إلى وضع برنامج مستعجل سيتفقد خلاله العديد من ولايات الجنوب، أين بدأ اليوم من بشار كمحطة أولى في هذه الزيارات، حيث سيعطي إشارة الانطلاق لتشغيل عدة مشاريع، كما سيقف على رأس وفد وزاري هام على واقع تنفيذ برنامج التنمية في الولاية، في انتظار تفقد ولايات جنوبية أخرى لمحاولة إخماد "نار الجنوب" خوفا من أن تحرق الجزائر بأكملها.

سارة زموش 

 

من نفس القسم الوطن