الوطن

الجزائر تعود كقوة محورية دولية عبر بوابة الجيش

بعد حراك دبلوماسي غير مسبوق منذ بداية أزمة مالي

 

 

عادت الجزائر من جديد لتحتل الريادة كقوة محورية تشهد لها العديد من دول العالم، خاصة بعد الحادثة الأمنية التي عرفتها مؤخرا بفعل الاعتداء الإرهابي على المركب الغازي بعين أميناس، وقبل أشهر قليلة من ذلك كانت الجزائر محط حراك دبلوماسي مكثف وغير مسبوق بدأ منذ الأزمة المالية والانقلاب العسكري بمالي، الذي حدث شهر مارس من السنة الماضية، ومنذ ذلك الحين عرفت الجزائر سلسلة زيارات لعديد من رؤساء الدول والحكومات وممثليهم وعديد التصريحات من مسؤولين أمنيّين رفيعي المستوى، تفيد بأن الجزائر تتجه نحو أخذ دور إقليمي هام لمواجهة الأخطار المحدقة بمنطقة الساحل.

وتعطي التصريحات الأخيرة لرئيس القيادة العسكرية الامريكية لأفريقيا "افريكوم" الجنرال دافيد رودريغيز أمام الكنغرس الامريكي الانطباع بوجود نوع من التحالف غير المعلن بين الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية، ينطلق من عمق حادثة تقنتورين والتي تدخّل من خلالها الجيش الوطني الشعبي بالسرعة والفعالية المطلوبتين، وأعطى صورة بأنه بإمكانه أن يصبح قوة أولى بالمنطقة، وهو ما دفع بالمسؤول الأمريكي الجنرال دافيد رودريغيز للتأكيد بأن الجزائر هي "الرائد الاقليمي" للأمن بالمنطقة، كونها تملك القدرات التي تسمح لها بتنسيق جهود بلدان الساحل لمواجهة الاخطار التي تهدد الامن في المنطقة، واعتبر الجنرال دافيد رودريغيز أن الجيش الجزائري أقوى جيش في بلدان شمال افريقيا، وأن دراية الجزائر بالوضع السائد في شمال مالي ذو قيمة كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة.

ومكن الجيش الجزائري من إعادة الجزائر إلى الواجهة إقليميا ودوليا، في وقت عجز فيه المشهد السياسي بالجزائر من تحقيق المطلوب بالنظر لعديد النقائص. وفي هذا الصدد صنفت منظمة فريدوم هاوس الجزائر من حيث الحرية السياسية في قائمة الدول الغير حرة التي تأتي في التصنيف الثالث والأخير، كما صنفت المنظمة غير الحكومية "شفافية دولية" مؤخرا الجزائر في المركز الـ105 في مؤشر الدول الأكثـر فسادا في العالم، والقضايا التي طفت إلى السطح مؤخرا توحي تواصل ظاهرة الرشوة والفساد بالبلاد، كما تراجعت الجزائر في تصنيفها حول حرية التعبير، حيث صنفتها منظمة مراسلون بلا حدود في المرتبة 125، وهو المشهد العام الذي صورته الجزائر بالرغم لتبنيها إصلاحات جديدة منذ بداية 2012.

وتسارع العديد من المسؤولين رفيعي المستوى لزيارة الجزائر بعد حادثة تقنتورين وعلى رأسهم رئيس الوزراء البريطاني دفيد كاميرون، الذي زار الجزائر مطالبا بتعزيز علاقات الأمن بين بريطانيا والجزائر، والذي تحدث على ضرورة خلق حوار أمني استراتيجي بين البلدين، وبذل جهد أكبر في ما يتعلق بالحوارات الاستراتيجية وأيضا التعاون الدفاعي والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، والتعاون في مجال الاستخبارات.

إشادة دولية بالدور المحوري للجزائر في الحفاظ على الأمن

منذ بدء الأزمة بمنطقة شمال مالي خلال شهر مارس من السنة الماضية، توالت زيارات لعديد من رؤساء الدول والحكومات، وعلى رأسها زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى الجزائر الذي قال حينها إن باريس والجزائر متفقتان على ضرورة مكافحة الإرهاب في شمال مالى، وبدورها ناقشت كاتبة الدولة الأمريكية أثناء زيارتها للجزائر مع المسؤولين الجزائريين تطورات الأوضاع في مالي، والتحديات الأمنية في المنطقة وعلى رأسها تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وثمّنت "كلينتون وجهة نظر الجزائر حول الوضع السائد في منطقة الساحل وفي مالي وكذا الحلول المقترحة للخروج من الأزمة، وقالت إن الجزائر تملك تجربة طويلة حول المنطقة لمواجهة الوضع المعقد للغاية، والإشكاليات الكثيرة التعقيد في شمال مالي وكذا لمواجهة مشاكل الإرهاب.

وبدورها جاءت زيارة رئيس الحكومة الاسبانية ماريانو راخوي إلى الجزائر في سياق إقليمي ودولي يتميز بتطورات هامة وبروز تحديات جديدة أساسها التهديد الارهابي في منطقة الساحل، حيث اتفقا البلدان على شراكة استراتيجية لتجسيد طموحات الدولتين والاستجابة بشكل تضامني لتطلعات الشعبين، وأكد رئيس الحكومة الاسبانية أن بوتفليقة شخص له خبرة كبيرة في المجال الدولي، متحدثا عن إرادة البلدين في العمل سويا من أجل تعزيز السلم والاستقرار في المنطقة.

 

حركية غير مسبوقة على المستوى الإقليمي

نفس الحراك عرفته الجزائر إقليميا ايضا حيث قام رئيس الوزراء التونسي حمادي الجبالي بزيارة على مدى يومين توجت بالتوقيع على عدة اتفاقات، حيث سلطت الزيارة الضوء على جهود مكافحة الإرهاب، وقررت الجزائر وتونس من خلال الاتفاقات المبرمة تشكيل لجان مشتركة تضم مسؤولين من وزارتي الدفاع والداخلية للبلدين تهتم بأمن الحدود والتنمية، كما أعلن وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي أن هذه اللجان ستجتمع قبل نهاية السنة الجارية، موضحا أن هذه الزيارات يُنتظر منها الخروج بميكانيزمات جديدة لجعل الحدود الجزائرية-التونسية حدودا آمنة ومناطق للنمو والازدهار وتقوية أواصر الأخوة بين سكان البلدين.

كما أجرى وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو زيارة إلى الجزائر تطرق من خلالها لمحادثات مع كبار المسؤولين وتناولت التطورات في سوريا وشمال مالي، وأبدى وزير الخارجية التركي أحمد داوود اوغلو استعداد بلده في تعزيز العلاقات الثنائية التركية -الجزائرية كما ونوعا، وتوسيعها لتشمل جميع مجالات التعاون لتتعدى المجال الاقتصادي إلى توسيع مجالات اخرى كمحاربة الارهاب، والتعاون في مجال الدفاع الوطني بما فيه الصناعة المتعلقة بهذا الميدان.

حراك دبلوماسي أساسه عدم تكرار الأخطاء

 

وفي خضم كل هذا التحرك الدبلوماسي، بدأ موقف الجزائر من الأزمة السورية يتغير تحت شعار "عدم تكرار الأخطاء"، حيث أصبحت الجزائر التي لطالما حرصت على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان في سياق ما يعرف بالثورات العربية، منخرطة في كل المساعي الداعمة لسوريا على غرار مجموعة أصدقاء سوريا والدول المانحة لسوريا.

نسيمة ورقلي

 

 

 

من نفس القسم الوطن