الوطن

الفضائح والصراع على السلطة تعجّل باستقالة البابا

في الوقت الذي تشهد فيه الكنيسة الكاثوليكية أشدّ أزماتها

 

 

يبدو أن هذا العام هو عام التغييرات في أنظمة الحكم العربية والعالمية، فضلاً عن القيادات الكنسيّة، وبخاصة في الكنائس الشرقية، إلا أن الأمر قد سرى أيضاً على حاضرة الفاتيكان، وبالأخص على قداسة البابا الذي سيقوم بحدث تاريخي بطولي وهو تقديم استقالته من منصبه كحبر أعظم للكنيسة الكاثوليكية في العالم أجمع. وفي الوقت الذي أعلن البابا بنيديكت السادس عشر، بابا الفاتيكان، عن استقالته من منصبه على رأس الكنيسة الكاثوليكية، قال البابا البالغ من العمر 85 عاما، إنه سيترك الفاتيكان نهاية الشهر الجاري ولن يشارك في اختيار خلفه، إعلان مفاجئ جاء في وقت تواجه فيه الكنيسة الكاثوليكية أشد أزماتها المتمثلة في الفضائح المالية والتحرش الجنسي بالأطفال ومستقبل الوجود المسيحي في المشرق ودور المؤسسة الكنسيّة في ذلك. 

في انتظار الدخان الأبيض 

في الأول من شهر مارس المقبل، مسيحيّو المشرق يتطلعون إلى رؤية الدخان الأبيض، حيث تشير التوقعات إلى فوز الكاردينال النيجيري فرانسيس أرينزا أو الكردينال الغاني بيتر تريكسوت، ليكون في حال فوز أحدهما أول بابا للفاتيكان ذا بشرة سوداء، وربما حينها سيكون لرئيس الكنيسة الكاثوليكية موقفا مغايرا من المسيحيين في المشرق.

الحكم القانوني من استقالة البابا 

يتساءل الجميع عن الحكم القانوني لهذا القرار الجريء بالتنحي عن أحد أهم المناصب في العالم وعبر التاريخ المديد؟ فالحق القانوني، وهو الكتاب الجامع لقوانين الكنيسة، نصّ في القانون رقم 332 على أنه «يجوز للحبر الأعظم تقديم الاستقالة عن أداء مهامّه، شرط أن تكون بمحض إرادته، وأن تعلن بشكل ظاهر، وألا ينتظر موافقة أحد عليها»، فالأمر جائز إذاً لكنّه ليس بالأمر الهيّن، نظراً لخصوصية الهويّة التي يتمتع بها الحبر الأعظم: فهو رأس الكنيسة الكاثوليكية وخليفة القديس بطرس وأسقف روما وأساس الوحدة، التي تربط الأساقفة الذين بدون البابا لا سلطان لهم، وهو يملك السلطة الكاملة العليا والشاملة ويستطيع ممارستها بحرية في جميع الحالات. كما أنّه صاحب السلطات الثلاث في الفاتيكان: التشريعية والتنفيذية والقضائية. 

ما وراء استقالة البابا

ويرى مجموعة من الاساتذة والباحثين في التاريخ أن مشاكل كثيرة هي التي قد تكون تسببت باستقالة البابا. ويذكر منها فضائح الفساد والاعتداءات الجنسية والصراع على السلطة، وكل هذه المشاكل ألقت بثقلها على البابا، بحيث لم يعد قادراً على إدارة الحكم بنفس النهج السياسي الذي اتبعه حتى الآن. لكن المشكلة الحقيقية هي عدم مواكبة الكنيسة للعصر الحديث، فمنذ تسلم البابا منصبه عام 2005 أصبحت الكنيسة أكثر تزمتاً، وخاصة فيما يتعلق بفرضية الحقيقة الحصرية الصالحة لكل زمان ومكان كمعيار عالمي". ويضيف أن هذه الفرضية خلفت اعتراضات كثيرة في كنيسة روما لأنها تصر على أن المبادئ والقيم الكاثوليكية غير قابلة للنقاش، وتنطبق على كافة المجتمعات والسياسات بالتساوي، معتبرا أن هذا يدل على انغلاق الكنيسة اتجاه العالم الآخر والحوار مع الديانات الأخرى. وفي قراءة ثانية لاستقالة البابا، يرى البعض أن المشكلة الحقيقية هي الصراع من أجل الدين في عالم علماني سريع التغيرات، فالبابا ضحية مثله مثل باقي القيادات الدينية للتغيرات السريعة.

زعماء العالم أشادوا بالبابا وخطوته الشجاعة 

أشاد المسؤولون السياسيون في العالم بالبابا بنديكت السادس عشر، مؤكدين احيانًا أنهم فوجئوا، لكنهم عبروا خصوصًا عن "احترامهم" لقراره بالاستقالة بسبب تقدمه في العمر. وكانت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل من أوائل القادة الذين عبروا عن "احترامهم الكبير" للبابا الألماني الأصل. وأعلن البيت الابيض أن الرئيس الاميركي باراك اوباما اعرب عن "تقديره" للبابا بنديكتوس السادس عشر الذي اعلن استقالته. وقال اوباما في بيان أن "الكنيسة تؤدي دورًا مهمًا في الولايات المتحدة والعالم، ويتمنى كل الخير لمن سيجتمعون قريبًا لاختيار خلف لقداسة البابا بنديك السادس عشر". واعتبر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أن "ملايين البشر" سيفتقدون بنديكتوس السادس عشر "زعيمًا روحيًا"، وأعرب له عن "أفضل تمنياته". ووصف الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند قرار البابا بأنه "جدير بالاحترام الكبير". وأضاف أن "الجمهورية تحيي البابا الذي اتخذ هذا القرار، لكن لا شأن لها بالإدلاء بمزيد من التعليقات على ما يخص أولاً الكنيسة".

القسم الدولي


 

من نفس القسم الوطن