الوطن

الدولة المالية تدفع ثمن إهمالها لمناطق الشمال

الخبير في شؤون منطقة الساحل وإفريقيا، الإعلامي المالي تياغوم بوبييه مايغا لـ "الرائد":

 

 

الحرب لن توحد مالي ولن تبسط الأمن والاستقرار في شمالها ولن تطرد الجماعات الإسلامية منها

 

يتهم مدير جريدة "الجمهورية الجديدة" المالية تياغوم بوبييه مايغا، وشقيق وزير الخارجية المالي الأسبق، سوميلو بوبييه مايغا، أطرافا رسمية في الحكومة المركزية بباماكو بالضلوع في صناعة الحرب في شمال البلاد، إلى جانب الحركات الاسلامية المتطرفة، واعتبر أن الدولة المالية تدفع ثمن إهمالها لمنطقة الشمال، واستبعد أن تحقق هذه الحرب التي بدأتها فرنسا هدفها في توحيد دولة مالي، وبسط الأمن والاستقرار في شمالها، وطرد الجماعات الإسلامية منها.

ويرى تياغوم بوبييه مايغا في تصريحات لـ "الرائد" وجود أسباب كثيرة تدفع الكثيرين في منطقة الساحل وخارجها إلى دق طبول الحرب في مالي والتحريض عليها، منها ما هو أمني حيث أصبح الشمال المالي ـ بحسبه ـ مركزا لتدريب الإرهابيين الذين يشكلون تهديدا حقيقيا لأوروبا، مشيرا الى تصريحات المسؤولين الفرنسيين مؤخرا بقولهم "لا نريد محمد مراح جديدا، في إشارة إلى الجزائري الذي قتل عدة جنود وأطفال بمدرسة يهودية في "تولوز"، فيما صنف المتحدث اسبابا أخرى للحرب في خانة الدفاع عن حقوق الإنسان، حيث أصبح شمال مالي يطبق قوانين تنتهك تلك الحقوق. وتابع اأن خطاب الغرب بخصوص الأزمة في مالي هو نفس الخطاب الذي يرفعه قادة بلدان غرب افريقيا الذين يتوجسون من سريان عدوى تفكك دولة "مالي" إلى دولهم الغارقة في بحر من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعرقية لا ساحل له.

ويعتبر بوبييه مايغا أنه مهما كانت حجج ومبررات الحرب لإعادة الوحدة إلى دولة مالي، أو الحيلولة دون انتشار وباء التفكك إلى الدول الافريقية المهددة به، أو إجهاض مشروع إمارة "أزوادستان" على الطريقة الطالبانية، أو محاصرتها ومنعها من التمدد، وهي كلها حجج معقولة ومشروعة بحسب أصحابها ـ يضيف المتحدث ـ فإن ثمة حقائق اجتماعية ووقائع تاريخية لا يمكن تجاهلها، وعدد في مقدمة هذه الحقائق أن دولة مالي منذ حصولها على الاستقلال من المستعمر الفرنسي سنة 1960 لم تستطع أن تبسط نفوذها على مناطقها الشمالية بصفة شاملة، وكلما حاولت ذلك اصطدمت بالمجتمع الأزوادي، فضلا عن تخليها عن مسؤوليتها التنموية في هذه المنطقة الشاسعة، وألقت عصابات التهريب والإجرام حريتها في هذه المنطقة، وتحولت إلى سوق حرة مفتوحة تتزاحم عليها "كارتيلات" التهريب من مختلف جهات العالم.

ويرى المتحدث ان هذه الوضعية ساهمت في بروز طبقات من الأثرياء الجدد الذين أصبحوا يزاحمون القيادات التقليدية على النفوذ والسيطرة، فضلا عن فرار بعض الجماعات الارهابية من الجزائر نتيجة للضربات الموجعة التي وجهها الجيش الجزائري، واستطاعت تلك الجماعة أن تتغلغل بسرعة في النسيج الأزوادي، وتتقرب من السكان المحليين عبر نسج شبكة واسعة من العلاقات الاقتصادية والاجتماعية، وتمكنت من تقديم بعض الخدمات البسيطة للسكان المحليين عجزت دولتهم عن تقديمها لهم، وأخذت تجند الشباب الذين لم يتلقوا حظا من التعليم في الكتائب العسكرية للجماعة، وفي نفس الوقت أشعلت في الشباب روح الحماسة والشعور بالأهمية والقدرة على "تغيير العالم"، موضحا أن هذه الجماعات استحدثت أمورا جديدة تدر عليهم ملايين الدولارات، من دون اللجوء الى تجارة تهريب السجائر، وفي نفس الوقت تحظى باهتمام الإعلام العالمي، وهي تجارة "اختطاف الرهائن" التي ازدهرت في العشرية الأخيرة من القرن الجديد، وتحولت إلى صناعة مربحة، ساهمت في التقليل من البطالة، خصوصا في المناطق الأكثر فقرا، حيث تمتد مناصب الشغل بحسبه من قادة الكتائب العسكرية، إلى الوسطاء الذين يروجون البضاعة، والمخبرين الذين يحددون الهدف في متاهات الصحراء، والمنفذين المباشرين والمسؤولين عن مكان الاحتجاز، والمؤمّنين له، زد على ذلك من يحددون قيمة الفدية، وحتى الذين يتولون عملية التفاوض، وشدد على أن الحل الوحيد للازمة المالية يكمن في التنمية الاقتصادية للمناطق الشمالية، وانتهاج سياسة تعالج كما قال المظالم التاريخية التي طالت السكان الأزواديين، وإشراكهم في الحكم، إضافة إلى جبهة ثقافية تدافع عن القيم المحلية وتحافظ عليها.

مصطفى ربيع

 

من نفس القسم الوطن