الوطن

أويحيى يرتب للعودة من باب المؤتمر الرابع للأرندي

بعد انسحاب تكتيكي أو انسحاب افتراضي

 

 

من الخطأ الجزم بأن الحياة السياسية لأحمد أويحيى قد توقفت عند استقالته من قيادة التجمع الوطني الديمقراطي الذي تربع على عرش أمانته العامة مدة 13 عاما بلا منافس أو منازع لغاية مطلع 2012 حين بدأت تظهر أولى بوادر الانشقاق الذي اتسعت دائرته ليتحول إلى معارضة شرسة تطالبه بالرحيل حتى تسد عليه طريق تحقيق طموح الترشح لرئاسيات 2014. 

ظاهريا أطاحت هذه المعارضة برأس أحمد أويحيى الذي رضخ للضغوط المتزايدة حوله وقدم استقالته من رئاسة الحزب. ولكن استقالة أويحيى لا تعدو أن تكون في الباطن سوى انسحاب تكتيكي نجح من خلاله تجنيب حزبه الانفجار أو تعميق جراحه بعد النجاحات التي حققها في عهده عبر العديد من المحطات آخرها استحقاقات 2012. فقد نجح في نزع فتيل الفتنة داخل الأرندي ووجه تسديد سهام المعارضة المتزايد حوله إلى أبعد حدود دائرة المعارضين والموالاة. 

وتمكن أويحيى بخطوته هذه من صنع الحدث وكسب تعاطف أكبر بين قواعد الحزب وكوادر الهرم التنظيمي للأرندي. كما أثار الأمين العام المستقيل استغراب ودهشة مناوئيه الذين لم يفهموا بعد الخطوة الاستباقية لأحمد أويحيى وعنصر المفاجأة التي أحاطته. ولمن يعرف الأخير فالرجل يعتبر نفسه دائما رجل دولة مما يفهم عليه أنه يأتمر بالأوامر ولا يؤمن بالسياسة ولا الحزب إذا ما تقاطعت مصلحة الأخير بمصلحة الدولة، بدليل أقيل من رئاسة الحكومة وعاد عدة مرات واضعا نفسه كوكيل معتمد في الخدمة بالوكالة لتنفيذ "مهمات قذرة". 

هي نفس المهمات التي حولت رجل الدولة لرجل سياسي متمرس وعلى دراية بمعادلات الربح والخسارة في اللعبة السياسية التي بدأت مع تقديم الاستقالة أياما قلائل فقط قبل دورة المجلس الوطني المرتقبة آخر الأسبوع. ولا يدري الفرقاء في التجمع الوطني أن من صنع مجد حزبهم وجعل له مكانة في مقدمة أحزاب الطبقة السياسية لا يمكنه أن يفرط فيه بأي حال من الأحوال ولن يقدمه لقمة سائغة لكل من لم يستسغ طريقة تسييره وقراراته ومواقفه المعلنة. 

فمن الخطأ الاعتقاد أن أويحيى ذهب دون رجعة وهو من يعرف طريق وتوقيت العودة ويمهر فن تلقي الضربات والانتقام على طبق بارد. انسحابه الظرفي والأحادي الجانب يعني أن الرجل يفقه جيدا ضرورات المرحلة. فالمرحلة تقتضي أن ينمحي حتى لا يعرض نفسه لنهاية تعيسة وهو في أوج بداياته السياسية بعد مهمات الدولة. ويرى أويحيى أنه بات لزاما عليه أن يحمي رأسه من أعداء له لا يراهم التقويميون على جبهات مختلفة. 

فأعداء أويحيى كثر ويرى الملاحظون أنهم يحاولون دفنه حيا وإنهاء حياته السياسية، موجودون على عدة جبهات ومنها الجبهة الاقتصادية وتتقاطع اعتباراتهم مع مجموعة أصحاب المصالح الذين فتحوا باب البزنسة على مصراعيه من خلال جلب الاستثمار المفلس من فرنسا، إيطاليا، اسبانيا، البرتغال وبريطانيا خارج إطار قاعدة 49/51. 

انسحب أويحيى حتى لا تمحيه طائرات فرنسا في الحرب على مالي وكي لا تعمق عزلته المؤامرات على سوريا. كما انسحب من الواجهة حتى لا تسحقه بورصات اللوبيات التي راهنت ولازالت تراهن على اقتسام ريوع احتياط الصرف المخزنة في البنوك الخارجية. ابتعد عن المشهد الرسمي والسياسي حتى لا تحرقه ألسنة تصريحاته النارية التي طالما رجعت وبالا عليه وعلى مساره عبر تجارب مرة. 

انسحب حتى يعود أقوى عبر بوابة المؤتمر الرابع الذي مازال يتحكم في خيوطه في غياب رجل إجماع وفي ظل الانشقاق القائم. انسحابه يعني توفيرا للجهد وربحا للوقت من أجل إحكام الترتيبات والتحضير للعودة بعيدا عن العيون والآذان والاحتقان. وكان لأويحيى أن صمد في زوبعة مماثلة سنة 2002 حين قام مناوئون له بمنعه من دخول مكتبه بمقر الحزب على وقع احتجاجات قدم خلالها استقالته قبل أن يرجع محمولا على الأكتاف أياما قليلة فقط من اعتكافه في بيته. 

ومن الموضوعية ونافلة القول أن أويحىي لن يتنازل عن مكانة صنعها للحزب ومن خلاله تبوأ مكانة الرجل الذي لا يحب الخسارة ويستسلم مجانا ويرحل قبل أن يضيف إلى بيان سيرته الذاتية عنوان "مرشح رئاسيات" ولم لا النجاح في خوض استحقاق 2014 الذي يعد منعرجا حاسما في مصير البلاد حيث لن يكون فيه مكان للأرانب. 

طارق مروان 

 

من نفس القسم الوطن