الوطن

مؤتمر حمس بين استمرار التنازع أو الخيارات التوافقية

بعد التراجع الشعبي والاستنزاف في حجم الإطارات والمناضلين

 

 

تحضر حركة مجتمع السلم مؤتمرها الرابع في ظروف غير عادية على جميع المستويات التنظيمية والسياسية الداخلية والخارجية مما يزيد في حدة الضغوطات على مناضليها وإطاراتها للتقليل من حجم الخسائر المتتالية التي مني بها الحزب في عهدة أبوجرة الثانية.

 

لقد كان لخروج إطارات حمس وبعض مناضليها على دفعتين في بداية 2009 وفي 2012 أثر بالغ على ثقل الحزب السياسي والشعبي، وإذا كان الخروج الأول مبررا بالانحراف عن المنهج الذي تركه مؤسس الحزب الشيخ محفوظ نحناح على مستوى السلوك والممارسة السياسية والعلاقة بالسلطة، إضافة الى طبيعة الحزب وعلاقته الداخلية والخارجية، إضافة الى بروز منحى تكتلات تتنافى مع إيديولوجية الحزب المبنية على فكر "الأخوان المسلمون" التي تعتمد على بناء صف منسجم فكري وتسوده قيم الأخوة والثقة والانضباط، كل هذه المعاني ذهبت وحل مكانها التنازع والتشكيك بل حتى التراشق على صفحات الجرائد، مما دفع الى خروج المجموعة الأولى التي أسست فيما بعد حركة التغيير، وبعد الانتخابات التشريعية في العاشر من ماي الأخير والنتائج السلبية المسجلة والتراجع الشعبي الكبير رغم وجود مبرر التزوير، إلا أن جناحا داخل حركة حمس طالما رافع من أجل فك الارتباط بين الحركة والسلطة عبر الخروج من التحالف الرئاسي وخاصة في موضوع الحكومة. ويعتبر هذا الجناح الذي يقوده د. عبد الرزاق مقري أن كل مآسي الحركة كانت بسبب الاحتكاك المبالغ فيه من السلطة وأن النفور الشعبي سببه الرئيسي هو الصورة السلبية في تعامل الحركة مع السلطة، في حين رأى جناح آخر أن هذه المقاربة مخافة للحقيقة وقدموا نموذج عمار غول الذي استطاع أن يحصد النتيجة الأكبر وفي العاصمة التي تعتبر مقياس الوعي السياسي.

لم يدم النقاش طويلا بين هذين الجناحين وفي ظل حجم المتضررين من الانتخابات ووجود أكثر من ثلاثين ولاية لم تستطع أن تحصل على مقعد واحد في الانتخابات رجحت كفة المطالبين للخروج من الحكومة، مما دفع بالجناح الثاني للخروج وتأسيس حزب تاج والرهان على مؤسسه وما يتمتع به من "قبول شعبي" عكسته الانتخابات الأخيرة.

وفي هذه الأجواء يتم التحضير للمؤتمر الخامس والرهان الأكبر يتمثل في قدرة أبناء حمس على عدم الاستمرار في مسار التنازع والتفتت، والمؤشرات الأولية تفيد أن التنافس سيكون على أشده بين الرئيس الحالي أبوجرة سلطاني الذي ورغم تعهداته بعدم الترشح لعهدة ثالثة لحلفائه داخل الحركة، إلا أن ممارساته وتصريحاته الأخيرة تشير الى تراجعه عن هذه القناعة، وتفيد مصادر من الحزب أن أبوجرة يريد استكمال مساره السياسي بالترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، وهو يدرك أكثر من غيره أنه بدون وجوده على رأس الحركة لن يستطيع أن يحقق هذه الأمنية ويتناسى بالمقابل ما حدث للشيخ محفوظ نحناح رحمه الله والذي منع من الترشح وبقرار سلطوي تعسفي مع كل الفوارق الموجودة بين الرجلين.

أبوجرة يصيغ في هذه المرحلة تحالفات مع بعض الولايات المؤثرة في الحزب كولاية الوادي وولايات أخرى لم تحدد بعد موقفها من المرشح الذي ستدعمه في رئاسة الحركة مستقبلا.

في حين يوجد عبد الرزاق مقري في رواق مريح وخاصة أنه استثمر في الماضي القريب في إنشاء كيان سمي "جيل الترجيح" والذي بدأ معظم أفراده يستلمون المسؤوليات داخل هياكل الحزب، ويحظى مقري بدعم عناصر مؤثرة في صناعة القرار داخل الحزب رغم تحفظات بعض العقلاء عن إمكانية أن يتوجه بالحزب الى متاهات غير متحكم فيها، ويعمل هؤلاء على إيجاد خيار ثالث بديل توافقي يجنب الحزب مغامرة جديدة إن حصلت فستنسف ما تبقى من إرث هيكلي لحركة حماس سابقا.

ويعمل هؤلاء على بلورة خيار يمكنه أن يعيد الحركة الى مسار تصالحي داخلي وخارجي عبر إعادة بعث الحوار مع رفقاء الأمس وفي نفس الوقت لملمة الصف الداخلي وإبراز قيادة جديدة معتدلة سياسيا وفكريا. ورغم أن الأسماء المتوفرة قليلة جدا إضافة الى أنها لا تحسن الكولسة المتغلبة في تنظيم حمس لاختيار القيادة.

ويبقى عامل السلطة الذي هو محوري داخل الحزب، فكل المؤشرات الأولية لا توضح على من تراهن السلطة مستقبلا بعدما كان رهانها الى أمد قريب على رئيس مجلس الشورى عبد الرحمان السعيدي الذي عمل على إحداث توازن في المرحلة الماضية، خاصة في القضايا ذات الصلة بتوجهات الدولة الكبرى مثل ما هو الحال في موضوع الصحراء الغربية والعلاقة بالمغرب وملف شمال مالي، وكانت رسائله دائما تعطي الانطباع على أنه يريد ان يكون بديلا موثوقا فيه لأبوجرة سلطاني ولكن خروج مجموعة عمار غول قلل كثيرا من حظوظه إذ أغلب الداعمين له انتقلوا الى حزب "تاج".

سيرين. ع


 

من نفس القسم الوطن