الوطن
حمى الأسعار تستنزف جيوب المواطنين
روبورتاج: أميرة سنوسي/ دلال بوفنيزة
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 13 مارس 2023
تشهد أسعار الخضر والفواكه ارتفاعا محسوسا، أياما قليلة قبل حلول شهر رمضان الفضيل، خاصة بالنسبة للمنتجات التي يكثر عليها الطلب مثل البصل والبطاطا والطماطم واللحوم بأنواعها، ما يرجّح أن يكون الأسبوع الأول من رمضان "ملتهبا" كالعادة، وفي هذا الصدد ارتأت "الرائد" اجراء هذا الاستطلاع للاطلاع على الأسعار وجس نبض الشارع تحسبا للشهر الفضيل.
تعرف الأسواق الشعبية موجة غلاء حادة في أسعار الخضر والفواكه، إذ بلغت هذه الاخيرة ارقاما قياسية جعلت المستهلك يمتنع عن شرائها، دون الحديث عن أسعار اللحوم البيضاء والحمراء التي أصبحت الآن تعد لمواطن الدخل المتوسط -ناهيك عن أصحاب الدخل الضعيف- "حلما صعب المنال"، الأمر الذي يدعو للحيرة، خاصة وأن الارتفاع الجنوني في الأسعار لم يعد مقتصرا فقط على شهر رمضان، مثلما عهدناه في السنوات الماضية، بل تحول إلى "قدر" مفروض على المستهلك طيلة أيام السنة، ما جعل المواطن المغلوب على أمره يتخوف من تكرار سيناريو الغلاء الذي لطالما تعوّد عليه مع حلول شهر الصيام.
وسعيا منها لنقل الواقع وجس نبض الشارع الجزائري أياما قبيل حلول الشهر الفضيل، قامت "الرائد" بجولة استطلاعية لعدد من الأسواق الشعبية بالعاصمة، حاولت من خلالها التقرب من تجار الخضر والفواكه ونقل انطباعات المواطنين، فاستوقفنا ارتفاع جنوني في أسعار الخضر والفواكه واللّحوم البيضاء والحمراء وحتى البيض، الذي بلغ بدوره مستويات قياسية لم تعد في متناول العائلات ذات الدخل المتوسط في ظل انهيار القدرة الشرائية.
الخضر والفواكه "تنهب" جيوب " المواطن
أول ما لفت انتباهنا ونحن نتجول بسوق "الحمادية" بأعالي بوزريعة، الأسعار الملتهبة التي يقترحها التجار، فثمن الخضر والفواكه تضاعف مقارنة بالأسابيع الماضية وسط استياء وتذمر المواطنين الذين وجدناهم بعين المكان، يقتنون الخضر بأقل كمية عن السابق، فقد اكدت لنا السيدة خديجة أنها تشعر بمجرد دخولها السوق، وكأن لصا "نهب" أموالها، في إشارة إلى الارتفاع غير المبرر للأسعار عشية رمضان، واتهمت في هذا السياق التجار والمسؤولين بالتسبب في هذا الغليان في الأسعار حين قالت "إن غياب الرقابة من الأسباب الأولية لارتفاع الأسعار الشيء الذي يسمح للتجار بالتلاعب بالأسعار" .
واصلنا جولتنا بسوق بوزريعة، أين وقفنا على تذمر وسخط المستهلكين، الذين لم يهضموا غلاء أسعار الخضر، فلم تشفع وفرتها بشتى الأنواع في السوق في تراجع أسعارها بل راحت ترتفع لتبلغ مستويات غير مقبولة، وما زاد الامر سوءا تضارب الأسعار واختلافها من طاولة لأخرى، إذ يعمد الكثير من التجار إلى رفع الاسعار بشكل عشوائي، ولقد قفز سعر الطماطم الى مايقارب 170 دج، أما البصل الذي اعتاد المواطن على انخفاض سعره، فقد عرف ارتفاعا لم يعهده من قبل فهو يتراوح بين 110 و120دج، بينما وصل سعر "سيدة المائدة" البطاطا التي يقبل جميع المواطنين الجزائريين على اقتنائها إلى ما يقارب 70 دج، ليتراوح سعر الجزر ما بين 60 و70 دج، فيما التهبت أسعار الفواكه واسعة الاستهلاك وسط المتسوقين بشكل جنوني، حيث يتراوح سعر البرتقال بين 200 و230 دج، يقابله سعر الموز والتفاح الذي تعدى عتبة الـ 500 دج.
وجهتنا الثانية، كانت "سوق الساعات الثلاث" بباب الوادي، الذي يعتبر قبلة للمواطن البسيط بالنظر لطبيعة الأسعار المنخفضة فيه بالمقارنة مع غيره، غير أنه وبمجرد أن وطئت أقدامنا هذه السوق، استوقفنا المنظر هناك بين لهيب الأسعار وملامح المتسوقين التي إن كانت تدل على شيء فهي تدل على استيائهم الشديد من الأسعار المبالغ فيها، خصوصا الخضر الضرورية التي لا يمكن الاستغناء عنها فسعر الطماطم لا يقل عن 150 دينار، بينما البطاطا التي تعتبر منفذ ذوي الدخل المحدود فقد وصل سعرها لما يقارب 70 دينارا أما البصل فيتراوح سعره بين 120 و130 دينار، وبالنسبة للفواكه فقد تخطى سعر التفاح عتبة 500 دينار، أما اللحوم الحمراء فلمن استطاع إليها سبيلا، خاصة وأن سعر الكيلوغرام الواحد منها لا يقل عن 1600 دينار، في حين أن سعر اللحوم البيضاء يصل إلى 450 دينار/ كيلوغرام.
بين لهيب الأسعار وتبريرات التجار...المواطن تائه
حاولنا التقرب من بعض التجار، لإيجاد تفسير لهذا الارتفاع الملفت في الأسعار أياما قبل حلول شهر الصيام، فالتقينا عمي محمد أحد بائعي الخضر بـسوق باب الوادي، الذي قال إن "الغلاء الذي يشهده السوق راجع للفلاح فالصعوبات التي يواجهها من نقص في المواد يلزمه باللجوء إلي الزيادة في الأسعار والمستهلك يدفع الثمن نأمل أن تكون هناك إجراءات تساهم في الحد من الغلاء في الأيام القادمة مع حلول شهر رمضان" وخلال نقاشنا تدخلت الام "ح.ب" عند سماعها محور حديثنا معبرة عن استيائها قائلة: "القدرة الشرائية منخفضة والأسعار ملتهبة، تعبنا!! كل شيء أصبح أغلى ثمنا هذا ما أصبح يؤثر علينا وحتى على أبنائنا، ومع اقتراب شهر رمضان تلك الطامة الكبرى كل سنة نأمل أن تكون الأسعار فيه طبيعية لكن كل مرة تصدمنا، أتمنى أن يخف هذا الغلاء بالأخص المواد الضرورية من خضر وفواكه ولحوم بيضاء لأن اللحوم الحمراء وباقي الكماليات ميزانيتي لا تسمح باقتنائها".
اللحوم..."لمن استطاع إليها سبيلا"
الانطباع الأول الذي خطر ببالنا ونحن نمر بجانب القصابات، أن موائد الجزائريين ستفتقر خلال شهر رمضان المعظم إلى اللحوم بشتى أنواعها، وذلك بسبب الأسعار الخيالية التي بلغتها، فقد اصبحت بالنسبة لأصحاب الدخل المتوسط والجيد من الكماليات التي لا يستطيع توفيرها دوما، رغم أن بلادنا تزخر بالخيرات والثروة الحيوانية، وخلال جولتنا لاحظنا أن سعر الكيلوغرام الواحد من اللحوم الحمراء قد فاق 1600 دج، فيما وصل سعر اللحوم البيضاء الى 450 دينار، بينما يتمسك بعض الباعة بإطلاق التبريرات غير المنطقية وتوجيه أصابع الاتهام للمستهلك المغلوب على أمره، والذي يجد نفسه بين مطرقة ارتفاع الأسعار وسندان متطلباته اليومية، ففي تصريح لـ"الرائد"، أرجع عمي مولود وهو جزار بسوق بوزريعة، السبب في ارتفاع أسعار اللحوم عشية حلول شهر رمضان إلى ما أسماه " كثرة الطلب" قائلا :" إن كثرة الطلب في شهر رمضان هو السبب في ارتفاع الأسعار بالأخص إن كان هناك شح في المواد " .
سوق بومعطي.. ملاذ "الزوالي"
يبدو أن "سوق بومعطي" الذي كان وجهتنا الأخيرة، قد صنع الاستثناء بسبب أسعاره، والتي تعتبر منخفضة مقارنة بسابقيه، ما يعكس حالة الفوضى التي تشهدها الاسواق في تحديد الأسعار، حيث تعرف هذه السوق إقبالا كبيرا للمواطنين من مختلف البلديات المجاورة مثلما لاحظنا من خلال جولتنا فيه، حيث أكد لنا "ك.ف" زبون تقربنا منه هناك، وهو من قاطني حي "سوريكال" بباب الزوار أنه اختار سوق بومعطي كونه وجد فيه أسعارا معقولة مقارنة بنظيرتها في الأسواق الأخرى قائلا :"التاجر يفرض أسعاره حسب أهوائه..، من المؤكد أنني سأختار السوق الذي يلائم قدرتي الشرائية"، وبجولة خفيفة تأكد لدينا هذا الطرح فسعر البصل بسوق بومعطي تراوح بين 80 إلى 100 د.ج، أما الطماطم فسعرها بين 120 و150 دج حسب الجودة، وبالنسبة للفواكه فقد سجل سعر البرتقال 150 دج والليمون 370 دج.
اتحاد التجار يبرّر و"حماية المستهلك" تعلّق
بتقربنا من ممثلي التجار والمستهلكين، لمسنا تبادلا للتهم بين الطرفين ففي الوقت الذي يحمّل فيه رئيس جمعية حماية المستهلك بعض الأطراف مسؤولية ندرة بعض المواد، راح رئيس جمعية التجار والحرفيين يبرئ التجار وينسب سبب الارتفاع الكبير في الأسعار لزيادة الطلب وتهافت المواطنين على اقتناء السلع بكميات كبيرة عشية حلول رمضان، وفي اتصال بـ"الرائد"، قال رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين الحاج الطاهر بولنوار، إن هذا الارتفاع في الأسعار راجع لعدة عوامل أولها الوفرة، التي ربطها بالعادات الاستهلاكية للمواطن الجزائر خلال شهر رمضان، موضحا "نحن نرى أن الطلب يزيد على العرض"، فيما حصر العامل الثاني في نقص في عدد الأسواق الجوارية، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل، وكذا الاضطرابات الجوية التي قال إنها تعطل مهمة المزارعين في جني محاصيلهم مما يؤدي لاضطراب في التوزيع، ليطمئن في سياق آخر المواطنين بعدم تسجيل ندرة خلال شهر رمضان حين قال "هذه السنة لن تكون هنالك نذرة جميع المنتجين حضروا أنفسهم، المخزون المتوفر يكفي شهر رمضان" .
بدوره، دافع رئيس جمعية حماية المستهلك مصطفى زبدي، عن المستهلك، لافتا في اتصال بـ"الرائد" إلى أن "الاسعار شهدت ارتفاعا كبيرا مقارنة برمضان السابق"، وهو ما أرجعه إلى عدة عوامل من بينها سلوكيات المتدخلين في سلسة الانتاج، وكذا سلوكيات بعض المستهلكين وعدم ضبط الاسواق بما فيه الكفاية، مؤكدا رفضه للطرح الذي يحمّل المستهلك مسؤولية ارتفاع الأسعار بسبب زيادة الطلب في شهر رمضان، حين قال إن ذلك "راجع الى عدم وفرة المنتوج فبالتالي يسارع المواطن الى اقتناء السائد والتكديس"
طوابير لاتنتهي..
وما زاد سخط الجزائريين المكوية جيوبهم بغلاء المعيشة ساعات الانتظار الطويلة أمام المحلات التجارية لاقتناء مواد أساسية في مقدمتها السلع المدعومة من الحليب وزيت الطعام والسميد (الطحين).
قالندرة الحادة في الحليب المجفف أدت إلى اصطفاف جموع المواطنين أمام محال بيع المواد الغذائية يومياً في انتظار وصول شاحنة الحليب المدعّم، لعل الفرد يظفر بكيسين أو أكثر، نفس الشيء مع زيوت الطعام والطحين. وجاءت هذه الندرة لتعصف برفوف المساحات التجارية الكبرى والبقالات في الأحياء، ما أربك كثيرا الجزائريين الذين باتوا يترقبون ايام التوزيع للظفر بقارورة زيت سعة لترين أو 5 لترات، بأسعار مرتفعة رغم تقنينها بقرارٍ حكومي كونها من المواد المدعمة.