الثقافي

الثقافة الجزائرية خلال عام 2022.. إنجازات هامة رغم قلة الدعم

في انتظار الإقلاع الحقيقي لهذا القطاع الهام

لم يختلف المشهد الثقافي في سنة 2022 التي تشارف على الانقضاء كثيرا عن سابقتها، فيما يخص المشهد الثقافي والفني عموما، فرغم شحّ الدعم العمومي الذي كان ولا يزال المحرك الرئيسي للفاعلين في القطاع، إلا أن هناك بوادر ملموسة تنذر برفع المزيد من التحديات في المستقبل إذا ما استمرت نفس الأساليب والأدوات التي أطلقتها الوزارة الوصية للمؤسسات الواقعة تحت وصاية الثقافة والفنون الحكومية أو تلك التي تنشط في المجال ويؤطرها الخواص، ولا يمكن التغاضي ونحن نسلط الضوء على المشهد الثقافي في الجزائر خلال عام 2022 دون المرور على النجاعة التي أحدثتها الوزيرة صورية مولوجي في محاولة منها للقضاء على سوء التسيير الذي ميزّ القطاع في السنوات الأخيرة.

  • مبدأ الشفافية

هذه السنة ظلت أيضا أزمة كورونا الصحية المشجب الذي يعلق عليه الفاعلين في القطاع الثقافي ممن اعتادوا على الدعم العمومي دون رقيب أو حسيب في عهد الوزراء السابقين فشلهم في القيام بالإقلاع الاقتصادي المنوط بالقطاع الثقافي في الجزائر بعد سنوات من سياسة الريع التي كانت توجه إليهم، حيث رغم رفع الإجراءات الصحية عن الأنشطة الثقافية والفنية في الأشهر الأولى من السنة إلا أن ذلك لم يحمس الفاعلين على روح المبادرة أو أخذ زمام الأمور والعمل دون البحث عن الدعم سواء لتأطير ندوات أو ملتقيات أو تظاهرات ثقافية وفنية، بل وجه هؤلاء الفاعلين في القطاع الثقافي والفني على مدار السنة طلبات البحث عن الدعم المادي قبل المعنوي للوزارة الوصية للقيام بأي نشاط يمكنه أن يحرك المشهد الثقافي والفني، لبت الوزارة الوصية بعضه وامتنعت عن البعض الآخر (تأجل الفصل فيها لوقت لاحق يرجح أن يكون مطلع السنة القادمة)، لكن اللافت في الأمر أن الوزارة الوصية أقرت مبدأ الشفافية في توجيه الدعم المقدم للفاعلين في القطاع الثقافي، سواء من خلال الكشف عن دفتر الشروط الخاص بتوجيه الدعم أو الكشف عن المؤسسات والهيئات التي استفادت من الريع وهي خطوة لطالما كانت تحظى بسرية تامة.

  • الرقابة على أموال التظاهرات الثقافية

هذه السنة تميزت بإفراج وزارة الثقافة والفنون عن دفتر شروط تنظيم وتأطير التظاهرات الثقافية والفنية في الجزائر ورغم أن العمل به لن يكون إلا مع بداية العام الجديد الذي تفصلنا عنه حوالي 48 ساعة حيث سيصبح ساري التنفيذ في 2023، إلا أن التوجه نحو إقرار دفتر شروط موحد لكل المهرجانات التي ستصبح جميعها خاضعة لنفس المعايير والأحكام المعلن عنها خطوة لطالما كانت مطلب عدّة مهنيين، وبالعودة لهذا الدفتر نجد أن استحداثه جاء لضمان تنظيم محكم للمهرجانات الثقافية كما قالت وزارة الثقافة والفنون وأضافت أن دفتر الشروط الذي أشرفت على إعداده اللجنة التقنية المكلفة بمتابعة وتقييم المهرجانات الثقافية وتنظيمها وتشكيلتها كيفية تنظيم المهرجانات الثقافية الدولية، الوطنية والمحلية، يُحدد من خلاله التدابير والالتزامات الواجب التقيد بها في تنظيم المهرجانات وتسييرها، ويتكون الدفتر من 28 مادة تضبط سير وكيفية تنظيم المهرجانات والأحكام المتعلقة بالتسيير المالي وكذا شروط تعين وإنهاء مهام المحافظين.

وبحسب المصدر ذاته يضم ستة فصول يحدد الفضل الأول الأحكام العامة ويبرز أهمية تنظيم المهرجانات وأهدافها، فيما يحدد الفضل الثاني شروط وكيفية تنظيم المهرجانات، بحيث يقترح المحافظ على الوزارة قائمة مشروع برنامج الطبعة في ظرف لا يقل عن ثلاثة أشهر، بحيث يضم الملف كافة التفاصيل بما في ذلك الملف الإشهاري وقائمة الممولين، وتحدد أحكام هذا الفصل التدابير اللازمة لتنظيم المهرجانات في المواقع الأثرية، بينما يحدد الفصل الثالث شروط تعين محافظي المهرجانات بحيث يشترط أن يكون من بين الشخصيات الثقافية البارزة في الميدان مع اشتراط الخبرة في موضوع المهرجان إضافة إلى الإلمام بشروط التسيير الإداري والمالي، كما تحدد أحكام الفضل ذاته مهام المحافظ وسير عمله.

واشترط الفصل الرابع المرتبط بالأحكام المالية أن يتقيد المحافظ بالميزانية المخصصة للمهرجان ويفرض أيضا التقيد بقانون الصفقات العمومية في مختلف العمليات التي يباشرها في إطار تنظيم المهرجان وتشترط أيضا مواد هذا الفضل على محافظ المهرجان إبرام اتفاقيات مع جل المشاركين بما في ذلك المستخدمين الظرفين وتخضع أيضا كافة التجهيزات التي يتم كرائها والاستعانة بها خلال الفعاليات إلى عقود خاصة تتضمن المدة والقيمة المالية كما يحدد دفتر الشروط طريقة التعامل مع الفنانين والمدعون الأجانب بحيث تخضع القوائم لموافقة الوزير المكلف بالثقافة بعد استشارة وزارة الشؤون الخارجية وتحدد أيضا أحكام المادة 23 طريقة التعامل مع الفنانين والمدعوين الأجانب بحيث يتعين عليهم دفع تكاليف التنقل الدولي كما تفرض أحكام المادة 17 على محافظ المهرجان إخضاع استعمال المساهمات المالية للمهرجانات الثقافية المؤسسة، رقابة قبلية وبعدية.

وأثنى فاعلون في المشهد الثقافي من خلال تعليقات كانوا يغدرون بها على كل منشور تنشره الوزارة الوصية على صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي على هذا الإجراء خاصة وأن هذه النقطة تثار حولها التكهنات في كل مرة.

  • التأطير.. العنوان العريض لسياسة الوزارة

اللافت هذه السنة في المشهد الثقافي أن الوزارة الوصية أخذت على عاتقها مسألة التكوين والتأطير كمحور كبير لمجمل الأنشطة التي تقوم بها بين الحين والآخر، حيث أطلقت في السياق على مدار أشهر السنة التي ستنقضي عدّة مبادرات في المجال بشعار ترقية الآداء وإبراز المساهمة في الميدان الثقافي على أرض الواقع، ولأجل ذلك أطلقت وزارة الثقافة والفنون لجنة مشتركة بينها وبين المرصد الوطني للمجتمع المدني في شهر أفريل الماضي تم خلالها التأكيد على القيمة التشاركية الحقيقية بين المجتمع المدني والهيئات العمومية لخدمة المواطن مبدية استعداد قطاعها للتعاون الإيجابي مع القطاع الثالث، وكان اللقاء فرصة أيضا لتعزيز التعاون بين الوزارة والمرصد خدمة للمجتمع المدني الناشط في المجال الثقافي، وإرساء أسس للتشاور الفعال في سبيل ترقية النشاط الجمعوي الثقافي.

وتم في السياق الكشف عن إحصاء ما يزيد عن أربعة آلاف جمعية ثقافية ناشطة تحظى بدعم مادي ومعنوي من الوزارة غير أن هذه الجمعيات هي بعيدة عن الميدان وأرض الواقع ما جعل الوزارة الوصية لتكثيف مثل هذه اللقاءات التي تسمح لهذه الهيئات بالإعداد لمشروع ثقافي حقيقي يكون ذو قيمة مضافة في المشهد الجزائري ولما لا الدولي، ينتظر أن يتم الاهتمام به أكثر في قادم الأشهر من السنة الجديدة بعد أن تم إرساءه في هذه السنة ما يمكن اعتباره مكسب كبير للقطاع الثقافي.

  • قطاع النشر يتنفس

ورغم الوضع الصعب الذي عانى منه قطاع النشر والكتاب بسبب غياب البرامج في السنوات الأخيرة إلا أن ستينية الثورة حفزت البعض على العمل والنشاط من جديد فبمجرد أن أعلنت الوزارة الوصية عن البرنامج الخاص بهذه التظاهرة على قلته إلا أنه كان للبعض فرصة للعودة إلى النشاط بعد ركود دام سنوات، بل إن بعض المصادر أشارت ساعات بعد إطلاق هذا البرنامج عن دفع دور النشر لآلاف العناوين طمعا في أن تجد ضالتها عند لجنة التحكيم التي كلفت بدراسة هذه المشاريع، ولكن في العموم ورغم أن المشروع ارتبط فقط بطبع 100 عنوان إلا أن ذلك لو وزع بعدل بين الناشرين يمكن اعتباره المتنفس الذي طال انتظاره لولا سنة 2022.

ولم تكتف الوزارة الوصية بهذا فقط بل أطلقت ورشات لمناقشة مشاكل قطاع النشر وصناعة الكتاب رغم أن هذه الورشات جاءت متأخرة مع انقضاء السنة إلا أن مجرد التفكير في جمع الفاعلين في مجال الكتاب وقطاع النشر من مؤلفين، ناشرين، مطبعيين، مستوردين، مصدرين، موزعين ومكتبات بيع الكتب، على طاولة التشاور والنقاش والحوار خطوة لطالما كانت مغيبة في سياسات الوزراء السابقين الذين تداولوا على قطاع الثقافة.

  • انتصار على المخزن ثقافيا

على صعيد آخر، تلقى قطاع التراث في الجزائر دفعة قوية هذه السنة بعد أن وجه ضربة موجعة قبل نهاية 2022 للمغرب التي حاولت السطو على تراث جزائري يتمثل في الطابع الغنائي الراي مستغلة موجة تجنّس بعض فناني "راي" جزائريين بالجنسية المغربية في السنوات الأخيرة ومحاولة المخزن لتجنيد مشاهير الفن الجزائري بقصد تصنيفه لدى اليونسكو كلون تراثي مغربي إلا أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل بعد أن استطاعت الجزائر أن تثبت أن طابع الراي هو لون غنائي جزائري خالص، وأن الراي تراثا إنسانيا لا ماديا جزائريا، حيث تم في ديسمبر الجاري إدراج منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة يونسكو، الراي "غناء شعبي جزائري"، في قائمة التراث العالمي غير المادي للإنسانية وذلك على هامش الاجتماع الـ17 للجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي لليونسكو الذي عقد في المغرب.

وبهذا الإنجاز أصبحت الجزائر تحصي اليوم، 9 عناصر مدرجة في قائمة اليونسكو للتراث العالمي وهي أهليل قورارة، ولباس العرس التلمساني (الشدة)، والاحتفال بالمولد النبوي (أسبوع) في تيميمون، وركب اولاد سيدي الشيخ، واحتفال السبيبة، بالإضافة إلى ثلاثة عناصر بالاشتراك مع دول مجاورة وهي "الإمزاد" و"الكسكس" و"الخط العربي".

وطابع الراي الغنائي ظهر في الأوساط البدوية الريفية في الغرب الجزائري خاصة في مدن سيدي بلعباس وغليزان وتيارت ومعسكر ومستغانم، لينتقل بعدها إلى المدن الأخرى بعد الاستقلال وخصوصا وهران أين برز كفن عالمي على يد العديد من المغنيين، وتميز هذا الطابع بطريقته في الغناء والألحان والكلمات المستقاة غالبا من الشعر الملحون، حيث برزت آنذاك الكثير من الأصوات التي تعتبر اليوم من أعمدة هذا الفن على غرار الشيخة الريمتي، والتي صدحت بصوتها في سماء أغنية الراي منذ 1952 لتكون بذلك سفيرة بارزة لهذا الطابع، وعرف الراي عصرنة بعد الاستقلال بفضل الأخوين رشيد وفتحي بابا أحمد وكذا مسعود بلمو، حيث أدخلت العديد من التأثيرات الموسيقية الغربية كما صارت موضوعاته تتمحور أساسا حول المسائل العاطفية، لينتشر بعدها على أوسع نطاق مع ظهور المهرجان الذي خصص له انطلاقا من عام 1985.

وواصل الراي انتشاره الكبير حيث انتشر في مختلف مناطق الجزائر بفضل تطور دعائم التسجيل والنشر واكتسح أيضا الساحة الموسيقية العالمية من خلال أعمال العديد من الفنانين الجزائريين ومشاركة أسماء موسيقية عالمية في مشاريع فنية مشتركة.

وتضم الجزائر العديد من الباحثين في هذا النوع الموسيقي على غرار عبد القادر بن دعماش وعبد الحميد بورايو والراحل الحاج ملياني، أضافة للعديد من الباحثين في علم الانسان والذين خصصوا أبحاثا وإصدارات كثيرة للتأريخ لهذا الفن والتعريف به بهدف حفظ ذاكرته كتراث جزائري.

من نفس القسم الثقافي