الوطن

رياض أطفال موازية "تبزنس" بـ"البراءة"..!

تنشط تحت غطاء جمعيات محلية وثقافية

تحولت مئات الجمعيات ذات الطابع المحلي التي تعني بالطفولة على مدار السنوات الأخيرة لرياض أطفال ودور حضانة موازية تستقبل مئات الأطفال من كل الأعمار كل موسم بدوام كامل دون أن تخضع لأي رقابة من مديريات النشاط الاجتماعي التابعة لوزارة التضامن الوطني والأسرة بسبب غياب الإطار القانوني الذي يخول لهذه الأخيرة المتابعة والردع ، فيما تُمارس عبر رياض الأطفال الموازية هذه العديد من التجاوزات التي تهدد صحة وهوية الطفل وهو ما يستدعي تحركا من السلطات المعنية لوقف هذه الفوضى والممارسات غير الشرعية من طرف أصحاب جمعيات "يبزنسون" على حساب الطفولة. 

وخلال استطلاع أجريناه عبر عدد من بلديات ولاية الجزائر بداية من بلدية جسر قسنطينة، بئر خادم، القبة وصولا لبلديات غرب العاصمة على غرار سطاوالي أولاد فايت ومعالمة، وقفنا على انتشار غير مسبوق للجمعيات ذات الطابع المحلي والثقافي والتي حوّلت نشاطها لتصبح رياض أطفال ودور حضانة موازية تستقبل مئات الأطفال كل موسم وبداوم كامل ومن كل الأعمار دون أن تكون هذه الأخيرة مراقبة من طرف مديريات النشاط الاجتماعي التابعة لوزارة التضامن الوطني المكلفة بمراقبة سير عمل رياض الأطفال عبر الولايات، بالمقابل فان هذه الجمعيات لا تطبق أي دفتر شروط خاص برياض الأطفال ولا تخضع لأي من الشروط والمعايير ولا حتي البرامج والمناهج التي تطبقها نظيرتها من رياض الأطفال القانونية والمتعمدة، وتنشط رياض الأطفال الموازية والجمعيات هذه حسب ما اطلعنا عليه خلال زيارتنا لعدد منها عن طريق وصولات تسجيل من المصالح البلدية ضمن ملف جمعية بلدية أو محلية غير أن نشاطها لا يتماشى ونشاطات الجمعيات البلدية التي تعني بالطفولة والتي يكون نشاطها في الغالب عبارة عن تنظيم لتظاهرات ونشاطات لصالح الأطفال وليس استقبالهم في مقرات لأزيد من 8 ساعات في اليوم.

  برامج بيداغوجية على الورق فقط

جمعية الغيث، نادي الطفولة، نادي العباقرة، جمعية الطفل الصغير وإن اختلفت التسميات هي كلها عناوين لجمعيات تحولت دون أي سند قانوني لرياض أطفال، واتخذت من مواقع التواصل الاجتماعي سبيلا للترويج لأنشطتها وبرامجها واستقطاب الزبائن من أولياء الأمور، حيث تعرض هذه الجمعيات برامج بيداغوجية و تربوية مميزة و مغرية، تتضمن تعليم اللغات و الحساب الذهني و آليات تنمية قدرات الأطفال الفكرية و الذهنية ، غير أن الواقع هو العكس تماما فالبرامج التي تدرسها فعليا للأطفال هي برامج غير منهجية وغير متكيفة مع برامج وزارة التضامن الوطني والأسرة ولا برامج وزارة التربية الوطنية بالنسبة للأقسام التحضري التي خصصتها العديد من هذه الجمعيات للفئة أقل من 6 سنوات، كما أن بعض ما تتضمنه هذه البرامج هو تهديد حقيقي لهوية الأطفال حيث تتجاهل هذه الجمعيات تلقين الأطفال القيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية، والثوابت الوطنية.

اكتظاظ رهيب وشروط غير مناسبة لاستقبال الأطفال

وبالنسبة للجمعيات القانونية المعتمدة فان دفتر الشروط الذي وضعته وزارة التضامن الوطني والاسرة وقضايا المرأة ينص أنه يمنح لكل طفل مساحة 1.4 متر مربع،  بناء على المساحة الإجمالية للروضة، حيث  يتم احتساب العدد الإجمالي  للأطفال، بناء على ما تتيحه المساحة الإجمالية لمقر الروضة في حين تقوم مديريات النشاط الاجتماعي عبر الولايات بغلق أي روضة مخالفة لهذا البند، لكن بالنسبة للجمعيات التي تنشط كرياض أطفال موازية فأن المساحة لا تهم في تحديد عدد الأطفال الذين يتم استقبالهم، فخلال الجولة التي قادتنا لعدد من هذه الجمعيات بالعاصمة وقفنا على اكتظاظ رهيب وشروط غير مناسبة لاستقبال الأطفال في أغلب الجمعيات التي زرناها ببلدية جسر قسنطينة القبة وبئر خادم حيث هناك جمعيات تستقبل ازيد من 30 طفل في مساحة لا تتعدي الـ 12 متر مربع، بينما هناك مقرات جمعيات عبارة عن مستودعات وأخري عبارة عن شقق لا تتعدي الثلاثة غرف في عمارات ذات طوابق كما لا تحتوي مقرات هذه الجمعيات لمساحات اللعب وهو البند الإجباري الأخر بالنسبة لتلك القانونية ولا حتى لمخارج نجدة وهو ما يعتبر تهديد حقيقي لحياة الأطفال في حال وقوع أي حادث أو طارئ على غرار تسربات الغاز او الحرائق.

أسعار مرتفعة لتكاليف وهمية

وقد يظن البعض أن الجمعيات التي تنشط كرياض أطفال وبما أن نشاطها غير قانوني فأن أسعارها قد تكون منخفضة مقارنة برياض الأطفال القانونية والتي تطبق دفتر شروط صارم يلتهم ميزانية كبيرة غير أن الحقيقة هي العكس تماما حيث تصل أسعار هذه الجمعيات حدود المليون سنتيم وقد تزيد في بعض المناطق حسب المقر الذي تشغله هذه الجمعية كما تفرض هذه الجمعيات او رياض الأطفال الموازية أسعار تسجيل تصل لمبلغ التكاليف الشهرية من أجل تأمين الأطفال وهو ما يطرح العديد من علامات الاستفهام حول ماهية هذا التأمين، بينما ترتفع الأسعار كل سنة وتبرر هذه الجمعيات هذه الأسعار حسب ما رصدناه لدى عدد من أولياء الأطفال الذين التقت بهم "الرائد" على أبواب هذه الجمعيات بارتفاع التكاليف خاصة تكاليف الإطعام بينما يفرض على الاولياء قائمة أدوات لا تنتهي ومصاريف إضافية لاقتناء كل ما يحتاجه الطفل خلال سنة كاملة من منتجات النظافة الشخصية ومستلزمات أخرى.

   نقص النظافة .. نقطة سوداء

غياب أو نقص النظافة داخل محيط هذه الجمعيات يعتبر نقطة سوداء أخري في عمل هذه الأخيرة   وهو ما ينعكس سلبا على سلامة وصحة الأطفال، ويحتم دفتر الشروط المسير لرياض الأطفال في الجزائر على إدارة رياض الأطفال الاحتفاظ يوميا بعينات من الأكل المحضر للأطفال لمدة 72 ساعة داخل المبرد، لتحليله في حال وقوع تسممات غذائية للأطفال، أو في حال تقديم شكوى من قبل بعض الأولياء وهو إجراء إلزامي. وتركز لجان المراقبة التابعة لمديريات النشاط الاجتماعي على هذا الجانب ، كأهم عنصر قد يؤدي الإخلال به إلى الغلق المباشر، خاصة ما يتعلق بالمطبخ و الأواني  التي تشترط نوعية معينة من البلاستيك ، إضافة إلى شروط الحفظ والتخزين، وكذا نوعية  وحجم المراحيض والأفرشة، لتجنب انتشار الأمراض بين الأطفال، خاصة المعدية منها، غير أن رياض الأطفال الموازية تضرب هذه الشروط عرض الحائط ولا تلتزم بأي منها وهو ما وقفنا عليه خلال زيارتانا لعدد منها على أساس قيامنا بتسجيل طفل في إحدى هذه الجمعيات أين طلبنا من مسيري هذه الأخيرة اطلاعنا على ظروف الاطعام والتي أقل ما يقال عنها أنها كارثية حيث هناك جمعيات من تقوم بإطعام الأطفال في  أروقة الشقق وليس في صالات أو غرف مخصصة كما أن هناك جمعيات من تحضر وجبات الغداء في مطابخ غير مجهزة وليس بها أي شروط نظافة.

الألية القانونية للرقابة غائبة

ولدى اتصالنا بمدرية النشاط الاجتماعي بالعاصمة لمحاولة الاستفسار عن "محل" هذه الجمعيات أو رياض الأطفال الموازية من الإعراب أكد لنا مسؤولو المديرية أن مهمة الإدارة هو مراقبة الروضات المعتمدة ويكون الحصول على الاعتماد عبر التي تقديم ملفات إدارية والموافقة عليها من قبل المديرية بإجماع عديد الهيئات الأخرى ورغم اقراراهم بوجود روضات غير معتمدة تنشط في إطار جمعيات ثقافية أو خيرية وعموما هي غير قانونية، ولا يحترم أصحابها المعايير المعمول بها، فتبقى خارج مجال المراقبة من طرف المديرية، بسبب غياب الإطار القانوني الذي يخول لمديريات النشاط الاجتماعي المتابعة والردع في حق هذه الجمعيات. من جهتهم رفض مسؤولو بلدية جسر قسنطينة التعقيب على الموضوع معتبرين أن نشاط الجمعيات التي اعتمدها مصالح البلديات يبقي "مرن" وفق الأهداف التي تحددها كل جمعية.

من نفس القسم الوطن