الوطن
60 سنة من الاستقلال..آن الأوان
- بقلم عزيز طواهر
- نشر في 10 أكتوبر 2022
واجهت الجزائر الفتية غداة الإعلان عن استقلالها من استعمار دمر كل رموز الحياة طيلة قرن وإثنان وثلاثون سنة، صعابا جمة ووضع قادة الوطن الذين كانوا بالأمس القريب يحملون السلاح في الجبال والخنادق، نصب عينهم رهان بناء الدولة، ذلك التحدي الذي طنت فرنسا عند مغادرتها للارض الزكية، منبت المليون ونصف المليون شهيد، أنها ستترك شعبا قاصرا غير قادر على التحكم في زمام الأمور وإطلاق قطار البناء والتشييد.
ولكن هيهات هيهات..رفع أبناء الجزائر كل التحديات وواجهوا كل الصعاب لإعادة بناء الدولة بكل أركانها ومؤسساتها، استطاعت في فترة وجيزة أن تتحول الدبلوماسية الجزائرية إلى حديث العام والخاص وذاع صيتها في فترة السبعينات وها هي اليوم تتعافى بفضل عزم الرجال، بدورها المؤسسة العسكرية بقيت تلعب دور الحامي للدستور والبلاد أرضا وشعبا، مدرسة للرجال استطاعت أن تحتل المراتب الأولى في ترتيب الجيوش عبر العالم، ليبقى الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني من أقوى الجيوش في الوطن العربي.
المنتظم السياسي الجزائري وفي إطار فلسفة اشتراكية تشاركية ونضالية قائمة على التواصل والتعايش، كان سباقا لنظام سياسي رأى النور غداة الاستقلال عبر عدة مواثيق ودساتير تعاقبت على مختلف فترات الحكم في الجزائر، والنتيجة أن هذه الوثيقة المصونة ما فتئت تتطور في بعدها السياسي والقانوني الذي راعى هوية الجزائري القائمة على ثلاثة أسس متينة وهي الإسلام، العروبة والأمازيغية، تكريسا لتوازنات نسبية في محاولة للوصول إلى الوضع السياسي الأكثر تناسبا وتوازنا..العملية متواصلة ومسار بناء هذا الصرح الديمقراطي لا يزال مستمرا، في ظل وجود إرادة سياسية من قبل السلطات العليا في البلاد وترسانة قانونية قوية هي بحاجة إلى أن تكون أقوى من خلال التطبيق الميداني وتفعيل مختلف آليات الرقابة الذاتية.
إنجازات أخرى ارتبطت بمحاولات تحقيق الإقلاع الاقتصادي تحققت نسبيا ولكن العراقيل كانت موجودة، موازاة مع مساعي حثيثة لأبناء الجزائر المخلصين من أجل التحرر من كل أنواع التبعية التي حاولت فرنسا وأتباعها فرضها في محاولة منها لمواصلة سلسلة الاستغلال لثروات الجزائر وإحكام سيطرتها عليها من بعيد، الفكر الاستعماري بدوره بقي مسيطرا إلى أمد قريب وكان يستمد قوته من تلك النخب المزيفة التي سعت في كل مرة وحين إلى ضرب مصداقية الدولة وتزييف هوية الجزائريين.
أعداء الجزائر بمختلف جحورهم والحسابات التي يشتغلون من أجلها ولصالحها، سعوا في كل مرة وحين لإبطال مشاريع التقدم ودحض كل محاولة أمل. الجزائر بقيت قائمة في محاربة الإرهاب خلال سنوات الجمر، ظلت وفية لكل مبادئ نوفمبر وعهود الشهداء وها هي اليوم تخوض معركة الرقي والتطور وقد آن الأوان لتضرب سلطة الوطن كل الكلاب المسعورة التي تسعى لزعزعة استقرار البلاد.
رهان اليوم وغدا هو إسعاد الجزائريين وهذا لا يكون إلا بزرع الأمل وكذا محاربة كل أشكال سوء تسيير شؤون الدولة، هذه الدولة التي نجح صناع القرار فيها في إرساء نظام سياسي ومؤسسة عسكرية ودبلوماسية ناجحة. الأجدر بالجميع اليوم هو محاربة البيروقراطية بمختلف أنواعها ومستويات تواجدها وكذا التصدي لكل أشكال الفساد التي تنخر جسد هذا الوطن الشريف، مساعي تدرج في إطار حوكمة لتسيير شؤون البلاد بما يسمح بوضعها في مصاف الأمم الأكثر تقدما في العالم، حينها ستكون مواكبة الجزائر للركب الحضاري، بكل أبعاده.