الوطن
بناء المستقبل يبدأ الآن..
- بقلم عزيز طواهر
- نشر في 08 سبتمبر 2022
استجابت السلطات العليا في البلاد إلى الأصوات التي تعالت منذ عقود مضت وهي تطالب باستبدال اللغة الفرنسية بالإنجليزية على مستوى الابتدائي بما يسمح للأطفال بصقل مواهبهم اللغوية وتطوير لغة شكسبير التي بات العالم كله يتواصل من خلالها، وبعد جهد جهيد قررت الدولة الجزائرية إدراج الإنجليزية في الطور الابتدائي بداية من السنة الثالثة، لكن الإشكال الذي حصل هو أنها لم تأت لتحل محل لغة فولتير وإنما أضيفت إلى باقي المواد.
إلى هنا القرار السياسي كان صائبا ولكن الإطار البيداغوجي الذي احتضن الفكرة كان بعيدا كل البعد عن واقع المجتمع الجزائري، حيث تم إدراج لغتين أجنبيتين إلى جنب اللغة الأم في الصف الابتدائي لأطفال سنهم لا يتجاوز الثامنة يجدون أنفسهم أمام واقع يفرض عليهم تعلم ثلاث لغات، قرار يأتي في وقت كان الجميع ينتظر فيه أن يتم عكس المعادلة بين الفرنسية والإنجليزية لتحل الثانية محل الأولى ومن ثم التوجه نحو اللغة الأكثر عالمية بصفة تدريجية.
من الناحية البيداغوجية سيكون من الصعب على الطفل استعاب ثلاث لغات في هذا السن، ناهيك عن الشبه الموجود بين الفرنسية والإنجليزية، إن تجارب كثيرة أثبتت ضرورة تشبع الطفل بلغته الأم قبل التوجه نحو اللغة الأجنبية الأولى أو الثانية، ضف إلى ذلك فإن كل المقاربات والنظريات في علوم التربية والتدريس تؤكد أن تطور الشعوب لا يكون إلا عن طريق التحكم في اللغة الأم..إن الخيارات البيداغوجية التي تصدر في حق الأجيال المتعاقبة، يفترض أن تكون مدروسة بإحكام لأن هامش الخطأ غير مسموح في حق جيل اليوم الذي سيصبح خلال بضع سنوات جيل المستقبل وتسند إليه عملية تسيير شؤون البلاد على عدة مستويات..
لماذا لا نستلهم تجاربنا من تجارب الدول الأكثر تطورا في العالم؟ في الولايات المتحدة للطالب الحق في اختيار لغة ثانية يدرسها إلى جانب اللغة الرسمية وله الحق أن يرفض دراسة أي لغة ثانية يعني أنها غير إجبارية..في بريطانيا الإنجليزية هي اللغة الرسمية وللطالب الحق في اختيار اللغة الثانية مثل أمريكا فهناك مدارس تختار الهندية وهناك الفرنسية وحتى العربية وفي 2010 صدر قرار يمنع تدريس أي لغة أجنبية في المرحلة الابتدائية. وفي فرنسا تدرس الإنجليزية كلغة ثانية بدءا من السنة الرابعة إعدادي بمعدل ساعة في الأسبوع ويتوسع ليصل ساعتين في المتوسط وفي الثانوي تضاف لغة اختيارية أخرى.
المستقبل يبدأ الآن.. فليكن ذلك ولكن على أسس وخيارات بيداغوجية وتربوية سليمة بعيدا عن أي مزايدات أو توظيف سياسي، المهم أن تكون قرارات الهدف منها خدمة المصلحة العليا للبلاد، إن الاهتمام بتنشئة سليمة لجيل اليوم هو ضمان لمستقبل الوطن وحفاظ على ماضيه وصون لذاكرته، ذاكرة المليون ونصف المليون شهيد، الجزائر تستعد في هذه الفترة لتحقيق إقلاع اقتصادي والإنجليزية كما هو معمول به في كل دول العالم مفتاح من مفاتيح النجاح والتواصل مع الغير..إدراج الإنجليزية يبقى قرار صائب من دون شك ولكنه بحاجة إلى مزيد من المراجعة والدعم لإنجاح المشروع.