الوطن

الجزائر تعزز ترسانتها القانونية بنص يكرس قيم التسامح والوحدة

بعد دراسة الحكومة مشروع قانون خاص بلم الشمل

تؤكّد الجزائر في كل مرة حرصها على نشر قيم التسامح والتآخي بين أفراد الشعب، للحفاظ على وحدة الأمة وسد الطريق امام محاولات زرع الفتنة، ويتجلى ذلك من خلال المكانة الكبيرة التي توليها لمبادئ الاخوة والتسامح في تشريعاتها، ويأتي مشروع قانون لم الشمل الذي ناقشته الحكومة مؤخرا ليؤكد توجه الدولة الجزائرية وسعيها للتسلح بترسانة من القوانين التي من شانها تمتين الجبهة الداخلية وتوحيد صفوف الجزائريين ضد مؤامرات الخارج.

بمناقشتها لمشروع قانون لم الشمل على مستوى مجلس الحكومة، تكون الجزائر قد خطت خطوة جديدة في مجال زرع قيم التسامح والتآخي بين صفوف المواطنين، ليضاف النص التمهيدي الجديد المنتظر دراسته خلال اجتماع قادم لمجلس الوزراء، إلى قانوني المصالحة الوطنية والوئام الوطني، الذين تمكنت الجزائر بموجبهما من الخروج بسلامة من عشرية دموية، وتتجه بلادنا إلى أن تكون نموذجا في مجال نشر قيم التسامح وتقنينها، لتحصين جبهتها الداخلية ودحض مساعي زرع الفتنة ومحاولات زعزعة امنها الداخلي.

وكانت الحكومة قد ناقشت، الخميس المنقضي، مشروعا تمهيديا لقانون يتضمن تدابير خاصة للم الشمل من أجل تعزيز الوحدة الوطنية، أوضحت الوزارة الأولى أنه يأخذ بعين الاعتبار التجربة الوطنية خلال مختلف مراحل المصالحة الوطنية التي عرفتها بلادنا، انطلاقا من تدابير الرحمة والوئام المدني إلى غاية ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، كما يقترح مشروع هذا النص، تجديد قيم التسامح وتفضيل مقاربة الحوار الوطني بما يسمح بتجسيد المبادرة الرامية إلى فتح آفاق جديدة نحو المصالحة الوطنية.

وتعرف مبادرة "لم الشمل" التي أطلقها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، مطلع ماي المنقضي، تجاوبا كبيرا من طرف الطبقة السياسية والمجتمع المدني، بالنظر للأهداف النبيلة التي تتضمنها والتي تسعى بالدرجة الأولى على تكوين جبهة داخلية متينة قادرة على التصدي لمؤامرات الأعداء وسد الطريق امام الدسائس والمكائد لزرع الفتن وتشتيت المجتمع.

وكانت المشاورات السياسية التي ادارها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، قد أنهت حالة الترقب التي سادت المشهد السياسي عقب الإعلان عن إطلاق مبادرة "لم الشمل"، ووضعت حدا للتأويلات والقراءات المتعددة لفحوى المبادرة، بعد أن كشفت مخرجات اللقاءات التي شملت مختلف التيارات السياسية الناشطة بالوطن، عن الهدف الرئيس الذي يسطره الرئيس تبون والغاية التي اطلق من اجلها مبادرته الجامعة، فاتفق "ضيوف الرئيس" على ضرورة توحيد وتمتين الجبهة الداخلية وإعادة اللحمة لهذا المجتمع الذي تكالبت عليه عديد الأطراف، ولا يزال أعداؤه يحيكون له المكائد ويحاولون عبثا زعزعة وحدته واستقراره.

وأكد رئيس الجمهورية أنه وأيّا ما كانت هوية المقصودين بهذه المبادرة، فإن الغاية الأولى والأساسية التي يصبو إلى بلوغها تبقى تكوين جبهة داخلية متماسكة ومتينة، قادرة على التصدي لأي محاولة بائسة لزعزعة الوحدة الوطنية والعبث بمستقبل هذا الوطن الآمن، فالتوافق والإجماع على مد يد الصلح والعفو والتآزر بين أبناء الوطن الواحد يبقى الشعار الرئيسي للمبادرة ونقطة الانطلاقة التي سنصل من خلالها إلى بناء مجتمع متماسك ومتحد ضد الأعداء.

وعلى الرغم من اختلاف أطياف التشكيلات السياسية التي التقاها رئيس الجمهورية وتعدد توجهاتهم وقناعاتهم، غير أن وحدة الوطن ظلت مبدءا اشترك فيه الجميع ولم يختلف بشأنه إثنان، وهذا ما يرجح نجاح مبادرة "لم الشمل"، التي عبّد لها رئيس الجمهورية طريقا سوية باشرها بفتح الحوار والتشاور مع الشركاء السياسيين والاستماع إلى مختلف الآراء والمقترحات، فاتسع "قصر المرادية" لمختلف التشكيلات السياسية الموالية منها وحتى تلك المحسوبة على التيار المعارض، ليؤكد الرئيس تبون مجددا أن الجزائر تسع الجميع وأن مستقبل هذا الوطن يصنعه أبناؤه باختلاف قناعاتهم وتوجهاتهم، كما لم يسبق لأحد من رؤساء الأحزاب السياسية أو الشخصيات العمومية التي التقت برئيس الجمهورية أن عبرت عن معارضتها لمسعى المبادرة، فالجميع متفق على ضرورة تمتين الجبهة الداخلية.

ولطلما قدمت الجزائر مثالا مشرفا في نشر قيم التسامح، التي اعتبرتها في مرحلة من المراحل أقوى وسيلة للدفاع عن وحدتها ومواجهة الإرهاب الأعمى الذي ولولا تشبث الجزائريين بمبادئ المصالحة والتسامح لما تمكنت بلادنا من الخروج من العشرية السوداء ولاستمر سيناريو الدم الذي كاد أن يتحول إلى حرب أهلية، كما أن احتكامها إلى سياسة المصالحة الوطنية مكنها من الحفاظ على وحدة الأمة والتغلب على أبواق الفتنة ومساعي زرع الكراهية والبغيضة بين أبناء هذا الوطن.

ولم يقتصر الدعم والسند الذي لاقته مبادرة لم الشمل على الأحزاب السياسية فحسب، بل سارعت مؤسسة الجيش الوطني الشعبي إلى إعلان دعمها للمبادرة، في إطار مهامها ومسؤولياتها للدفاع عن الوحدة الوطنية وصون البلاد من أي خطر خارجي كان أو داخلي من شأنه تهديد اللحمة الوطنية، فجاءت دعوتها جميع المواطنين والأحزاب والشخصيات للالتفاف حول مبادرة الرئيس وقبول يده الممدودة للجميع، لتقدم دعما جديدا لمسعى خلق جبهة داخلية قوية قادرة على وقف زحف أي تهديد أجنبي.

ويجمع مختصون ومتابعون للشأن الداخلي، على نجاح مبادرة الرئيس وقدرته على إقناع الجميع بضرورة التوحد ولم الشمل، وذلك بالنظر إلى تركيبة المجتمع الجزائري وطبيعة افراده القائمة على مبادئ التضامن والتكافل وتقبل أي دعوة للتصالح والتسامح، فسمات التآخي والرحمة تميز الشعب الجزائري عن غيره من الشعوب، وهو ما تؤكده مختلف المواقف والأزمات التي مرت بها بلادنا على مر السنوات والعقود، ليس هذا فحسب، بل أن ميزة الاتحاد والتآخي تشتد صلابة مع اشتداد الازمات وتكالب المتآمرين، وما الاحداث المأساوية التي عاشتها بلادنا قبل سنة بمنطقة القبائل ومؤامرة التفرقة التي احاكها نظام المخزن بإيعاز من اطراف معادية للجزائر، من خلال افتعال الحرائق بغابات بجاية وتيزي وزو، والمسبوقة باستفزاز صريح ترجمه طلب ممثل المغرب في الأمم المتحدة بـ"استقلال منطقة القبائل"،  إلا دليل واضح ورسالة مباشرة لهؤلاء البائسين مفادها أن وحدة الوطن مبدأ توارثته أجيالنا من مجاهدينا وشهدائنا الذين قدموا أنفسهم ثمنا لاسترجاع هذا الوطن كاملا غير منقوص من أي شبر من أرضه الطيبة،  كما أن وقوف أفراد الجيش الوطني الشعبي إلى جانب أبناء الشعب في تلك المحنة، أكدت وتؤكد أن دعوة رئيس أركان الجيش الفريق شنقريحة الجميع للالتفاف حول مبادرة رئيس الجمهورية، لم تأت عبثا بل أنها تصب في مسعى الدفاع عن الوحدة الوطنية والتصدي للحملات المغرضة الرامية إلى زعزعة أمنها، ومن احسن منهم إدراكا بحجم التهديد الذي يتربص بوحدتنا وخبث المؤامرات التي تحاك ضدنا وتكالب خطاب الكراهية وبث السموم في عقول الشباب؟

من نفس القسم الوطن