دولي

"يوم الأم من أصعب المحطات التي تحول حياة كل أسيرة لوجع ودموع"

أسيرة فلسطينية محررة تروي معاناة الأسيرات في سجون الاحتلال

تتفاقم معاناة الأسيرات في سجون الاحتلال، خاصة في المناسبات العامة والخاصة، مثل يوم الأم الذي تصفه الأسيرة المحررة الطالبة الجامعية ربى فهمي محمد دار عاصي بأنه من أصعب اللحظات والمحطات التي تحول حياة كل أسيرة لوجع ودموع لشوقها للأحبة وفقدانها لحنانهم وألمها لغيابهم.

 مع حلول تاريخ الحادي والعشرين من مارس، المخصص للأمهات، تستعيد ربى التي غيبها الاحتلال عن والدتها وأسرتها 21 شهرًا، شريط وصور الذكريات من حياة رفيقاتها وأخواتها في الأسر، وتقول: “صبيحة هذا اليوم، تتزين الغرف بصور أبناء الأسيرات الأمهات، وتفيض مشاعر الوجع والحزن بسبب الحرمان من الأبناء أو الأمهات، وقد عشت الكثير ورأيت ألم ودموع الأسيرات اللواتي يتوجعن على أولادهن وبناتهن اللاتي تركنهم خلفهم بسبب الاعتقال من قبل الاحتلال الصهيوني”.

وتضيف: “لا توجد كلمات تعبر وتصف مدى حزني وألمي في كافة المناسبات لافتقادي لوالدتي التي اعتبرها عمري وحياتي وكل شيء جميل، فأصعب مافي حياتنا فراق الأم والبعد لسنوات ونحن نكون على أمل أن نتحرر ونحتضن أمهاتنا”. ربى التي تحررت بعد قضاء محكوميتها، وبينما تستعد لمعايدة والدتها، تقول: “لا أستطيع نسيان ألم السجون وصورة أمي التي لم تختفي عن ذاكرتي نهائيًا، فكانت دائمًا في بالي وعقلي وتفكيري، أشعر بألمها وحزنها ووجعها لأجلي وسهرها وقلقها على وضعي في سجون الاحتلال .. لا يمكن نسيان كل الأوجاع التي سببها المحتل لهذه الأم المناضلة المكافحة التي كانت تنتظر وتعيش على أعصابها، من أجل أن تزورني وتراني وتطمئن على وضعي، تتخطى كل الحواجز ومشاق الطريق وإذلال الاحتلال لأهالي الأسرى من أجل رؤيتي .. هذه الأمهات، لهن التقدير والإجلال والإكبار، فأمهاتنا لا يقدرن بثمن، وسعادتي لا توصف بعودتي لأحضانها، لكن حزينة بسبب وجع باقي الأسيرات”. تقول المحررة ربى العاصي عن تلك اللحظات داخل السجون: “كنا نتقوى ونتوحد رغم منغصات الاحتلال، لنفرح الأسيرات الأمهات، نعايدهن بحب واحترام، ونقول لهن: أنتن أمهاتنا الصابرات والماجدات، لرسم البسمة في قلوبهن ومحياهن، فالأسيرة إنسانة ولديها مشاعر حساسة، وتحتاج لكل الحب والاهتمام، فمن حقنا الفرح والعيش بكرامة حتى داخل السجون”.

 الاعتقال والتحقيق

 تحتفظ المحررة ربى، بتفاصيل لحظة اعتقالها من منزل عائلتها في بلدة بيتونيا، حوالي الساعة الثانية من فجر تاريخ 9-7-2020، وتقول: “اقتحم الجنود منزلنا بطريقة وحشية، احتجزوا أسرتي وتعاملوا معها بأساليب غير إنسانية، وبعدما أبلغوا والدي بقرار اعتقالي، عزلوني وفتشوني وقيدوني بالكلبشات وعصبوا عيني ومنعوني من وداع أسرتي، ومن ثم نقلوني لمعسكر سحن عوفر، واحتجزت هناك ففي زنزانة صغيرة، تفتقر لكافة مقومات الحياة والتهوية، جدرانها خشنة والسرير من طوب، ثم أخضعوني للتحقيق والعزل والحرمان من كافة حقوقي، ومنعوا المحامي من زيارتي، ووجهوا لي تهمة المسؤولية في إطار القطب الطلابي الديمقراطي التقدمي في جامعة بيرزيت، ومشاركتي في مسيرات وحملات مجتمعية وضرب الحجارة، وتعرضت للتهديد من قبل ضابط المخابرات، بالاعتقال والبقاء في السجن حتى العام 2025”.

لم تنته معاناة ربى بعد انتهاء التحقيق معها، حيث تم نقلها عن طريق البوسطة إلى سجن "هشارون"، وهناك احتجزوها وسط ظروف صعبة جدًا، نتيجة لسوء الطعام والتأخر في الاستجابة لطلباتها الأساسية بإحضار الماء والطعام وغيرها، وتقول: “خلال اعتقالي، خضعت لفحص كورونا ثلاثة مرات، لكن لم يزودوني بنتائج الفحص رغم نقلي من سجن إلى آخر، وبعد محاكمتي، استقريت في سجن الدامون، وحظيت برعاية الأسيرات ودعمهن حتى حريتي”.

 من حياتها ..

 تحررت ربى في نفس الشهر الذي يصادف تاريخ عيد ميلادها في 1-3-2000، نشأت وعاشت وتعلم في مدارس بلدتها بيتونيا، وبعد النجاح في الثانوية العامة، انتسبت لجامعة بيرزيت تخصص علم اجتماع، وعندما اعتقلت كانت في بداية العام الدراسي الرابع، وتتذكر دومًا اعتقال والدها المناضل فهمي العاصي خلال طفولتها، وتقول: “عرفت الطريق للسجون لزيارة والدي الذي اعتقله الاحتلال مرات عديدة، وشاهدت معاناة أسرتي خلال تنقله بين سجون الاحتلال ومعاناة الاعتقال الإداري المريرة وعذابات التحقيق والمحققين .. كبرت ووالدي بعيدًا عني، حتى اعتقلني الاحتلال وحرمني من حقي الأساسي في إكمال مشواري الدراسي وأجل فرحتي بالتخرج لعامين إضافيين قضيتها في سجن الدامون”.

 واقع الأسيرات ..

 تفيد المحررة ربى، أن عدد الأسيرات حاليًا 31 أسيرة في سجن الدمون، منهن الأمهات المسنات والقاصرات الذين كبروا خلف القضبان، ومنهن الأسيرة نفوذ حماد البالغة من العمر 14 عامًا، وتصف الأوضاع في داخله بأنها “صعبة في ظل سياسات وممارسات إدارة السجن التعسفية، خاصة بالنسبة لملف المريضات اللواتي يتعرض للإهمال وانتهاك خطير لحقوقهن، كالأسيرة إسراء جعابيص، التي يرفضون علاجها، وتحتاج إلى عملية تعتبرها إدارة السجون ثانوية وليست أساسية ويعتبرونها تجميلية”. وتضيف: “العيادة المتوفرة فيها طبيب عام، وهي سيئة جدًا، وهناك إهمال في قضية الطبيب النسائي، والعلاج الوحيد لكافة الحالات المرضية المسكنات، كما تماطل الإدارة في نقل المريضات لمشفى الرملة مما يؤثر على أوضاعهن الصحية بشكل خطير”.

وذكرت المحررة ربى، أن إدارة السجن لا تراعي احتياجات وخصوصيات الأسيرات، ومن أهم مطالبهن إلغاء معيار الشارون الرذي تحتجز فيه الأسيرة لمدة 14 يومًا بحجة الكورونا، أو عدم انتهاء التحقيق، بحيث تمضي الأسيرة 21 يومًا معزولة بشكل متعمد للعقاب والانتقام. وأشارت إلى سوء وجبات الطعام، حيث يتم تزويد الأسيرات بكمية محدودة من الخضار يوميًا مما يضطرهن لشراء باقي الاحتياجات من البهارات والأرز ومستلزمات الطبخ على حسابهن، مشيرةً إلى أن ما تقدمه الإدارة قليل جدًا، و90% من الاحتياجات يتم شرائها من المصروف الشخصي للأسيرات. ولفتت إلى أن هناك معركة مستمرة مع إدارة السجن حول كاميرات المراقبة التي ترفض إغلاقها حتى لساعة واحدة يوميًا، مما يقيد حركتهن وحياتهن ويحرمهن من أبسط حقوقهن.

 فرحة منقوصة ..

 رغم حريتها، ما زالت ربى، تتذكر لحظات وداع الأسيرات لها، وتقول: “فرحتي لن تكتمل وستبقى منقوصة ما دام هناك أسرى وسجون، ما زلت حزينة وأبكي كلما تذكرت لحظة خروجي من السجن ووداع زميلاتي بحزن لعجزي عن فعل أي شيء لهن، ودعتهن بالدموع ولم أعرف معنى الفرح. رغم المنظر المؤلم، شعرت بانبهار ومزيج من المشاهر مثل خيط أمل وشمس حرية، عندما حملتني الأسيرة شروق دويات رسالة لوالدتها لإرسالها لها في يوم الأم في 21/3/20200، وهذه الرسالة هي رائحة شروق وعطرها وروحها المرحة التي ستصل والدتها وكأنها محررة”.

 رسالة الأسيرات..

 في ختام حديثها، قالت المحررة ربى “رسالة الأسيرات للجميع، الحرية حتى تتحقق أحلامهن، وحتى تكتمل حريتهن يجب أن يكون هناك حرية واستقلال لشعبهن، ولحين موعد الحرية يطالبن الأسيرات الالتفاف الأكبر حول قضيتهن وقضية الأسرى المرضى وكافة الأسرى”. وتضيف “رسالة الأسيرات، تحدي وصمود ومعنويات عالية استطعن من خلالها أن يصنعن من السجون الأكاديميات التعليمية، وأصبح لهن قدرًا وقيمة في المجتمع والحياة والنضال “.

من نفس القسم دولي