الوطن

الجزائر وفرنسا.. عهد جديد من العلاقات

ندية في التعامل وفرض احترام السيادة الوطنية

تحيي الجزائر هذا السبت، عيد النصر المصادف لـ19 مارس، في جو يميزه تجاذب في العلاقات السياسية والاقتصادية بين الجزائر وباريس، ففي كل محطة تاريخية يستوقفنا الحديث عن واقع هذه العلاقات التي تأخذ طابعا خاصا، يميزه ملف الذاكرة الذي لا يزال يراوح مكانه رغم المساعي الجزائرية وتمسكها بحقوقها التاريخية، غير أن تعنت الجانب الفرنسي وإصراره على تخطي هذا الملف وطي صفحة الماضي دون تقديم اعتذار واعتراف رسميين، أطال أمد الخلافات وعكّر الأجواء بين العاصمتين من جديد.

 لا تخل العلاقات الجزائرية- الفرنسية، من التشنجات والتجاذبات على أكثر من صعيد، بسبب تمسك الجزائر بحقها في الحصول على اعتراف رسمي فرنسي عن الجرائم التي ارتكبها جيشها الاستعماري إبان الثورة التحريرية، من جهة، ومراوغة الجانب الفرنسي من جهة أخرى، فخطابات ماكرون المتوددة تنفيها في المقابل ممارساته، فنجده مثلا، يعترف تارة بالظلم والعدوان الذي مارسه جيش بلاده ضد صديق الثورة الجزائرية موريس أودان، ويتغنى طورا بحقوق الحركى، في تناقض مفضوح يؤكد للجميع أن أكثر ما يهم باريس هو حماية مصالحها الاقتصادية في الجزائر لا أكثر ولا أقل.

 الجزائر تفرض سياسة المعاملة بالمثل

 ويتزامن الاحتفال بعيد النصر هذه السنة، مع مستجدات متسارعة تعيشها العلاقات الجزائرية- الفرنسية، خلال الفترة الراهنة، فالجزائر وفي ظل حكم الرئيس عبد المجيد تبون، تبنت مبدأ الندية في تعاملاتها مع باريس، وهو ما عكسته ردود الفعل الجزائرية إزاء الاستفزازات الفرنسية الأخيرة، خاصة بعد وقوع الرئيس الفرنسي في المحظور بإطلاقه تصريحات أنكر من خلالها وجود أمة جزائرية قبل 1830، ما دفع بالجزائر إلى اتخاذ قرارات صارمة، أجبرت باريس على مباشرة سياسة الترقيع وتبني سلسلة من المبادرات من أجل  امتصاص غضب الجزائر وإنقاذ مصالحها الاقتصادية .

 باريس تتودد..

 ويبقى ملف الذاكرة ورقة عالقة في العلاقات بين البلدين، يسعى الطرفان إلى إماطة اللثام عنه بشروط تخدم البلدين، فمنذ أشهر أعلنت الحكومة الفرنسية على لسان وزيرة ثقافتها روزلين باشلو، عن قرار رفع السرية عن الأرشيف الخاص بحرب التحرير الوطنية قبل 15 عاما من المهلة القانونية، في خطوة اعتبرها مختصون آنذاك، بداية لسلسة من التنازلات لصالح الجزائر، وأن فرنسا تسعى إلى تدارك أخطائها وإعادة بعث علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع الجزائر خاصة بعد رد الفعل القوي الذي لمسته لدى الجانب الجزائري والقرارات الصارمة التي اتخذها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، سيما ما تعلق بحظر الجزائر على الطائرات الحربية الفرنسية التحليق في أجوائها.

 تعاون اقتصادي واحتقان سياسي

 تمثل الجزائر سوقا كبرى بالنسبة لمعظم دول الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها فرنسا، التي تسعى بكل الطرق إلى حماية مصالحها الاقتصادية في الجزائر خاصة ما تعلق منها بالاستثمارات، التي تراجعت في الفترة الأخيرة لصالح كل من الصين وروسيا، ويرى مختصون أن التجاذبات الاقتصادية بين الجزائر وفرنسا تعتبر امتدادا للاحتقان السياسي والتاريخي الذي يميز العلاقات بين البلدين، فرغم تعاقب الرؤساء على قصر الإليزيه وتوالي الحكومات الفرنسية، لم تنجح باريس يوما، في إطفاء حرقة الجزائريين على ضحايا الجيش الفرنسي خلال الحقبة الاستعمارية، والتي تغذيها في كل مرة، استفزازات الجانب الفرنسي، وإصراره الدائم على تخطي هذه الحقبة، وهو ما لا يمكن للجزائر أن تقبله، وهي التي تعتبر احترام سيداتها الوطنية "خطا أحمرا"، مستمدة قوتها وصلابة مواقفها من تاريخها المشرف، وإمكاناتها الاقتصادية التي أصبحت تسيل لعاب الكثير من الدول.

من نفس القسم الوطن