الوطن

الذكرى الـ 60 لعيد النصر.. عندما تنتصر إرادة شعب

المؤرخ زغيدي يؤكد أن السنتين الأخيرتين عرفتا مسارا جديدا في ملف الذاكرة

يحيي الجزائريون ذكرى عيد النصر في الـ 19 مارس من كل عام، والذي أعلن خلاله وقف إطلاق النار ومهد لوضع حد لاستعمار دام 132 سنة، وفي هذا الصدد حاولت "الرائد" أن تستذكر هذا اليوم التاريخي الذي عيدا لانتصار الشعب الجزائري الذي يتزامن وشهر الشهداء الذين ضحوا بالنفس والنفيس من أجل استقلال الجزائر.

نحتفل هذا العام بالذكرى الـ 60 لعيد النصر، وفي المقابل لا تزال فرنسا الاستعمارية تتجاهل جرائمها وترفض الإعتراف بها وتكابر وتستفز الجزائريين بتمجيدها لأعمالها، التي يندى لها الجبين، ما يستدعي وقفة لإجبارها على العودة لرشدها والإعتراف بجرائمها وتصحيح ما يمكن.

 الجرح لن يندمل..

 وقال أمس أستاذ التاريخ والمؤرخ محمد لحسن زغيدي في اتصال لجريدة الرائد، بأن الاستعمار في حد ذاته جريمة وتعدى بالسلاح واحتل الأرض وأسر شعبها وسلب هويته جعل الدخيل يحل محل الأصيل وتهميش الأصيل عن طريق الطرد والتهجير، بل والأكثر من ذلك بالتصفية والإبادة الجماعية.

وأضاف زغيدي، بأنه لم يسجل يوم واحد طيلة الإستعمار، أن تحقق فيه السلم ولم يحدث فيه أي شكل من أشكال الإعتداء، وطوال فترة 132 سنة عانى الشعب الجزائري وقاسى كل أنواع التعذيب والأعمال الإجرامية، التي قام بها المحتل الفرنسي على أرض بلادنا، لذا لا يمكن السكوت على هذه الجرائم التي ارتكبت، خاصة وأنه احتل الجزائر ووجد فيها حوالي 10 ملايين ساكن وخرج منها بعد أكثر من 132 سنة وخلف ورائه حوالي 10 ملايين، ما يبرز هول ما تعرض له الشعب الجزائري طيلة فترة الإحتلال.

وأشار محدثنا، إلى أن المستعمر الفرنسي على عكس باقي المستعمرين بعدما خرجوا حاولوا أن يعتذروا عما فعلوه وسعوا لفتح صفحة جديدة، أما الفرنسيين فهم من نوع أخر والدليل أنهم مازالوا يمجدون الإستعمار والحنين يراودهم بخصوص الإمبراطورية الإجرامية، التي بنيت على الجماجم والجثث ودماء الشعوب ومازالوا  إلى اليوم يتغنون بأمجاد السفاحين، وأقاموا لهم نصبوا وسموا العديد من الشوارع بأسماء من أزهقوا الدماء وارتكبوا الجرائم بحق الشعو ب التي تم استعمارها، على غرار بيجو، دومونتونياك وروبير وبيجار، لذلك ملف الاستعمار لن يطوى.

 الذاكرة للوصول للرئاسة الفرنسية

 أوضح المؤرخ والأستاذ محمد لحسن زغيدي، بأن المترشحين للإنتخابات الرئاسية الفرنسية يستعملون ملف الذاكرة ويسعون لجعلها مطية وحصان طروادة ليقودهم لتحقيق النصر والظفر بكرسي الرئاسة، والدليل أنهم يقحمونها في خطاباتهم.

وأشار إلى أن الرئيس الفرنسي الحالي يلعب على نفس الوتر، على الرغم من أنه لم يقدم أي جديد بخصوص اعتراف فرنسا بجرائمها، بل سار مع الركب الذي يقوده اليمين المتطرف فيما يتعلق بالذاكرة، فهو يعترف بقطرة من جرائمه ويترك سيل المحيط.

وأضاف بأن المتتبع لخطابات المترشحين للإنتخابات الرئاسية الفرنسية قد يعتقدون لوهلة من الزمن، بأن موضوعها الجزائر، فاليمين المتطرف يمقت كل ما هو جزائري ولكنه في كل مرة يقحم الجزائر والجزائريين في خطاباته، ومازالو يجترون بقايا ما تغذوا به من جرم وظلم على جثث الشعوب وخاصة الشعب الجزائري.

 البرلمان مطالب بالتحرك..

 يبقى ملف تجريم الاستعمار يراوح مكانه، وفي المقابل وقبل ساعات قليلة من إحياء الجزائريين لذكرى عيد النصر الموافق لـ 19مارس، بثت القناة الفرنسية الثانية فيلما بعنوان "معركة الجزائر"، والذي سعى من خلاله لتمجيد الإستعمار، وتنصيع صورته غافلا عن كل السواد الذي خلفه، يقول محمد لحسن زغيدي.

وأشار إلى أن الفيلم تجنب الحديث عن الجرائم ولم نسجل أي ذكر للجرائم والإعتداءات الهمجية وكذا الإبادة والنفي والتهجير، التفقير والتجهيل، التي كان الشعب الجزائري عرضة لها طيلة 132 سنة من الإستعمار، بل بالعكس عمل على إبراز بعض النقاط لتلميع الصورة وإظهار المستعمر في ثوب أخر وإخفاء حقيقته الهمجية.

وشدد على أن الفرنسيون أرادوا من خلال الفيلم تثبيت ثقافتهم  وتمرير رسائل مفادها، أن فرنسا احتلت الشعوب لتساعدها في التحضر والتطور وأنها سعت لتأخذ بأيدي الشعوب لذلك الطريق، ولكن الحقيقة أنها احتلت الشعوب لتبيدها وتنهب ثرواتهم وتقهرها وتستعبدها، ومن خلال الفيلم الذي قسم إلى جزئين لم نر ولم نسمع ذكرا لمجازر 8 ماي 1945 ومروا مروراللئام عن مجازر 20 أوت 1955، والتي راح ضحيتها أكثر 60 ألف مواطن أعزل في المجزرتين، بل والأكثر حاولوا تشويه صورة المجاهدين من خلال عرض صور لبعض العمليات ونسوا في المقابل ما فعلوه بقبائل أولاد رياح والعوفية والأغواط وضربهم للشعب الأعزل بالفسفور والتفجيرات النووية وما فعلوه بساحة الشهداء بقتلهم لأكثر من 4 آلاف أمام مسجد كتشاوة. 

ويقول محدثنا، بأن فرنسا وفي خضم احتفال الجزائريين للذكرى ال 60 لإستعادة السيادة الوطنية تشاركنا بهذا الفيلم فهي تريد أن تقول بأن روح الإستعمار مازالت موجودة وتسعى لزرع روح الإجرام وتذكيتها للأجيال وأن المصالحة وبناء مستقبل واعد بين الأجيال القادمة مازال مستبعدا جدا، وأن فرنسا إلى اليوم لا تريد أن تعترف بأن الأفارقة بصفة عامة والجزائريين بصفة خاصة ساهموا  في تطور فرنسا كل المجالات العلمية وحتى الرياضية، والمساهمة كانت بأيدي ودمائهم.

وأضاف، بأن الجزائريين حرروا فرنسا في الحرب العالمية، فقد دفعوا حياتهم ثمنا لتحرير باريس وتجاوز عدد الذين قتلوا لأجل ذلك أزيد من  80 ألفا، فالعاصمة الفرنسية التي دخلها الألمان في جوان 1940 لم تجد من يقف في وجههم سوى الجزائريين والأفارقة، في الوقت الذي فر الجنود الفرنسيين، ليكافأ الجزائريون في المقابل في أرضهم بالتقتيل والإبادة، وهذه هي حقيقة فرنسا قبل الأمس وفرنسا الأمس وفرنسا اليوم وفرنسا الغد، مشيرا إلى أن فرنسا التي تتغني بمبادئ ثورة ولكنها تضعها تحت الأقدام وترفض أن تعترف بجرائم ارتكبت في الماضي القريب ومازلت ترتكبها ثقافيا وفكريا.

يؤكد المؤرخ محمد لحسن زغيدي أن الذاكرة لا تحتاج إلى قرار سياسي، بل تحتاج إلى مؤرخ يدون للأجيال القادمة وناشط سياسي وجمعوي ومجتمع مدني يجتمعون على المطالبة بتجريم المستعمر وجعله فرضا، ما سيخلق مجتمعا ككل يطالب ويفرض على البرلمان أن يقوم بتجريم المستعمر، مضيفا بأن البرلمان مطالب بالرد على مصادقة البرلمان الفرنسي على تمجيد الإستعمار سنة 2005  وشدد زغيدي،على أن البرلمان مطالب بأن يستمع لنداء الوطنيين ونداء الشهداء من قبورهم، الذين ضحوا في سبيل الوطن ويصادق على تجريم الإستعمار. 

 الرئيس تبون يعطي أهمية قصوى لملف الذاكرة

وثمن المؤرخ والأستاذ السياسة التي انتهجتها السلطات العليا للبلاد وعلى رأسها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بفرض مبدأ الوقوف الند للند وإجبار الأخرين على احترام تاريخ الجزائر وذاكرتها وقيمتها وسعيها لاسترجاع هيبتها.ويرى محدثنا، بأن الجزائر سجلت قفزة في مجال الذاكرة، من خلال الجهود الكبيرة، التي قامت السلطات العليا للبلاد والأهمية البالغة، التي توليها الملف.

وأضاف، بأن السنتين الأخيرتين عرفتا منحى جديدا في ملف الذاكرة، إذا أن الرئيس أعطى له أهمية من خلال خلق ثلاث أركان ترتكز عليه ملف الذاكرة، عبر استحداث منصب مستشار للذاكرة لدى رئيس الجمهورية، إقرار يوم وطني للذاكرة، بالإضافة إلى إنشاء قناة خاصة نهتم بالذاكرة، مشيرا إلى أن الإنجازات الثلاث إجرائية وعملية  وتدل على نية السلطات خوض معركة الذاكرة ومنحها المكانة اللازمة وفرض الذات وتفعيل دبلوماسيتها، خاصة في العلاقات المباشرة مع فرنسا. 

من نفس القسم الوطن