الوطن

"الحرقة" .. الإبحار نحو المجهول

قصص مؤلمة على متن "قوارب الموت"

عادت ظاهرة "الحرقة" لتعرف وتيرة متصاعدة منذ منتصف العام الماضي وبداية العام الجديد، بعد انخفاض محسوس في ظاهرة ، جراء القيود المشددة التي فرضها فيروس كورونا بداية من الثلاثي الأول من سنة 2020، حيث شهدت العديد من الولايات الساحلية، احباط العديد من محاولات الهجرة غير الشرعية

 أرقام مخيفة..

 تكشف الأرقام التي تفصح عنها سنويا المنظمات والهيئات غير الحكومية الأوروبية، تزايد حدة الهجرة غير الشرعية في السنوات الأخيرة ولجوء العديد من الشباب لركوب قوارب الموت للوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي المطلة على البحر الأبيض المتوسط.

 أشار المركز الدولي لتحديد هوية المهاجرين المفقودين بأن سنة 2021 شهدت اختفاء ما لا يقل عن 413 مهاحرا غير شرعي جزائري في عرض البحر الأبيض المتوسط أثناء محاولتهم الوصول إلى السواحل الإسبانية.

وأضاف ذات المركز في تقرير، بأنه أحصى غرق حوالي 51 قاربا، كان تحمل على متنها أزيد من 487 شخصا من مختلف الفئات العمرية، أغلبهم لم يتم العثور عليهم لحد الساعة.

وفي سياق متصل، تكشف التغطيات المستمرة للعضو بالمركز الدولي لتحديد هوية المهاجرين فرانشيسكو خوسي كليمانتي مارتين عبر صفحاته الرسمية على مواقع التواصل الإجتماعي، بأن شهر فيفري المنقضي من السنة الجارية، شهد وصول أزيد من 550 مهاجر غير شرعي جزائري، منهم شباب ونسوة وحتى قصر ورضع للأراضي الاسبانية، عبر المنافذ البحرية.

كما سجل خلال 72 ساعة فقط بين أيام الـ 11 و14 فيفري الماضي، توافد أزيد من 450 شخصا، على متن 35 قاربا على سواحل مقاطعات موتريل، ألميريا مورسيا وجزر البليار، مضيفا بأن 70 بالمئة منهم جزائريون.

وتبرز الأرقام المسجلة بين منتصف عام 2021 وبداية 2022 تصاعد أعداد المهاجرين غير الشرعيين، وكانت الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل "فرونتكس" قد أكدت في تقرير لها سنة 2021، إلى أن الحراقة الجزائريين شكلوا ثلثي الواصلين إلى سواحل إسبانيا، خلال الأشهر الثمانية الأولى من سنة 2021.

 نهايات مآساوية..

 لا تنتهي كل رحلات الإبحار غير الشرعية بالوصول لبر الأمان، إذ أن العديد من القوارب انقلبت في عرض البحر والأخرى تاهت وبقي المهاجرون في انتظار وصول خفر السواحل أو أي باخرة قد تصادفهم والبعض منهم استسلم لقدره المحتوم.

لفظت الشواطئ بمختلف ولايات الوطن العديد من الجثث، التي تم التعرف على البعض منها، والتي ترجع لشباب غامروا بحياتهم وسعوا لدخول الأراضي الأوروبية، عبر ركوب القوارب، غير آبهين بالمخاطر الكبيرة، التي قد تعترضهم وتحول دون وصولهم للضفة الأخرى.

وقد شهدت سنة 2021 العديد من حوادث انقلاب قوارب الهجرة غير الشرعية، وسمح تدخل فرق خفر السواحل في انقاذ البعض منهم، فيما أن البعض منهم استسلموا لقدرهم المحتوم ورحلوا تاركين عائلات تبكيهم، دون أن يستعدوا جثثهم حتى، إذ أن العديد من العائلات لم تسلتم جثث أبنائها ولم تلفظها أمواج البحر، ولازالو ينتظرون الحصول عليها لدفنها، بعدما فقدوا الآمل في بقائهم أحياء.

وفي المقابل، فإن البعض من الجثث التي لفظتها أمواج البحر ببعض الشواطئ تم التعرف عليها وسلمت لآهاليهم ليتم دفنها، ومنها جثث لشباب في مقتبل العمر، وأخرى لنسوة وحتى رضع، راحوا ضحية المخاطرة. وأشار فرانشيسكو خوسي كبيمانتي مارتين، بأن جزر البليار لوحدها تحصي أكثر من 30 جثة مجهولة الهوية تم انتشالها أو لفظتها أمواج البحر، خلال العام الماضي.

ومن جانبها ماري كولسا هيريرا رئيسة المركز الدولي لتحديد هوية المهاجرين، فقد كشفت بأن الجزائريين يمثلون أكثر من 90 بالمئة من الأشخاص المفقودين المسجلين في إسبانيا، وبخصوص التعرف على الجثث ، أشارت إلى أن الجهود مستمرة بالتوازي مع عملية حصر عدد الضحايا.

 عائلات تنتظر اتصالات..

 

 تبقى العديد من العائلات تتشبث ببصيص من الأمل بتلقي اتصالات من أبنائها أو من مختلف الهيئات، تفيد بوجودهم على قيد الحياة، بالموازاة مع المساعي الحثيثة لهم للوصول إلى اي خيط يمكنهم من معرفة ما جرى لهم، وسط تضارب للأخبار، التي يتم تداولها بين الفينة و الأخرى.

انقطعت أخبار العديد من قرروا ركوب قوارب الموت وقطع البحر الأبيض المتوسط للوصول للضفة الأخرى منه، ما جعل عائلات تعيش حالة من الترقب، وهو الوضع الذي تعرفه عائلات الحراقة الذين لازالوا في عداد المفقودين والذين ينحدرون من مدينة الميلية بولاية جيجل، بعدما لفظت أمواج البحر جثة شاب آخر  كان رفقة أبنائهم بداية السنة الجارية.

وتعيش عائلات 13 مهاجرا غير شرعي مفقود منذ شهر أكتوبر من سنة 2021 والقاطنين ببلدية بني دوالة في ولاية تيزي وزو، على أمل ظهور تطورات جديدة بخصوصهم، بعدما انقطعت أخبارهم منذ خروجهم على متن قارب مخصص للهجرة السرية، دون أن تظهر عليهم أية معلومات لحد الساعة.، وهو نفس الوضع الذي تعيشه عائلات الحراقة المفقودين بعنابة، الذين قرروا ركوب الأمواج شهر مارس من السنة الفارطة نحو جزيرة سردينيا، ليتركوا عائلاتهم تجري يمينا وشمالا للوصول إليهم.

قصص مؤلمة..

 يقول سيد علي في حديث له مع جريدة الرائد، وهو أحد الشباب، الذين أبحروا سابقا وركبوا قوارب الموت، بأن قصته بدأت عندما سعى للحصول على التأشيرة والهجرة لإحدى الدول الاوروبية، بغية الاستقرار فيها والبحث عن عمل يحسن به مستواه المعيشي وعائلته.

وأضاف، بأن قد درس في الجامعة على غرار أقرانه، إلا أن البطالة وعدم ايجاد منصب عمل قار له، دفعه للهجرة واختار قوارب الموت حلا، رغم ما يحمله من مخاطر.

وأشار إلى أن الرحلة، التي كان من المفترض، أن تصل خلال ساعات قليلة للشواطئ الإسبانية، تحولت إلى كابوس بعدما قضوا أياما، وتاهوا خلالها في عرض البحر وانطفأ محرك قاربهم، لينتظروا مصيرهم، وأشار إلى أن خفر السواحل الإسبانية أنقذتهم ليعود بعد ذلك لأرض الوطن.

وأكد بأن الحظ كان بجانبهم، وإلا فإنهم كانوا سيحسبون في عداد المفقودين، ما جعله يستغني عن فكرة الهجرة غير الشرعية، لهول ما شاهده في الرحلة، التي كادت أن تتحول إلى مأتم.

وفي السياق ذاته، يروي محمد رحلته التي انطلقت من أحد شواطئ غرب البلاد رفقة بعض الشباب، مشيرا بأن القارب كان يحمل 13 شخصا، وتوقف بهم بعد مدة زمنية لا تتجاوز الثلاث ساعات وسط الظلام الحالك.

وأضاف، بأن محاولات إعادة تشغيل المحرك نجحت ولكن الشباب انقسم بين من كان يرغب في العودة، فيما أن الغالبية أصرت على المواصلة، ليحصل ما لم يكن في الحسبان، إذا تعطل القارب مرة أخرى، ولكن مع بوادر أمل باقتراب نهاية الرحلة، من خلال الأضواء، التي كانت تظهر للشباب.

ويضيف انتظرنا الصباح، على أمل تدخل خفر السواحل، ولكن بمرور الساعات وبقاء الوضع على حاله، قرر البعض القفز للمياه ومواصلة الرحلة سباحة، ومنذ ذلك اليوم لم أسمع أخبارا عنهم ولا أدري إن كانوا على قيد الحياة، ولكن بعد ساعات أخرى من الانتظار وانقاذنا لم نجد الشباب الذين قرروا السباحة، ولا نعلم مصيرهم.

من نفس القسم الوطن