الثقافي
اكتشاف أقدم مصائد حجرية و مخيمات سكنية بالأردن
تعود لسبعة آلاف عام قبل الميلاد
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 02 مارس 2022
أعلنت وزارة السياحة و الآثار الأردنية، عن اكتشاف أثري فريد من نوعه في البادية الأردنية الجنوبية الشرقية، تمثل في مصائد حجرية ضخمة، يجاورها مخيمات للصيادين، ضمت أدواتهم و قطعا أثرية هي الأولى و الأقدم من نوعها بالعالم.
الاكتشاف جاء بعد بحث علمي استمر مدى 10 أعوام، قام به فريق بحثي علمي مشترك أردني فرنسي، استطاع الفريق إظهار منشأة فريدة من نوعها في العالم مرتبطة بممارسة الطقوس الدينية بمنطقة البادية الجنوبية الشرقية في جبال الخشابية بمنطقة الجفر التابعة لمحافظة معان.
و أُعلنت تفاصيل الاكتشاف الأثري في مؤتمر صحفي عقد في دائرة الآثار العامة الأردنية، ضم فريق الباحثين و وزير السياحة الأردني نايف الفايز، و مدير دائرة الآثار العامة فادي بلعاوي، و السفيرة الفرنسية بالأردن فيرونيك فولاند عنيني، و رئيس جامعة الحسين بن طلال بمعان عاطف الخرابشة.
الفريق العلمي الذي قاده الباحثان الأردنيان بجامعة الحسين بن طلال بمحافظة معان الجنوبية محمد بركات الطراونة و وائل أبو عزيزة، عثر على عدد كبير من القطع الأثرية المختلفة، و المتحجرات البحرية، و أشكال دمى لحيوانات، و أدوات صوانية استثنائية، و مواقد مرتبطة بممارسة الطقوس الدينية.
و تمكن الفريق - بحسب الباحث محمد بركات الطراونة - من إثبات أهمية تلك المناطق الصحراوية في الاستكشافات الأثرية و وجود السكان في حقبة زمنية معينة فيها، بعدما غابت عنها الاستكشافات لفترات طويلة.
و بدأ العمل في المشروع البحثي عام 2012 و استمر حتى اليوم، و أرجع سبب الاكتشاف إلى أن هذه المناطق لم تشهد الكثير من الاستكشافات الأثرية، نتيجة بعدها عن المدن و المناطق الحضرية، و لكونها هضبة من الصوان و بيئة صخرية جافة، و تقع خارج الهلال الخصيب الذي جذب معظم البحث و الاستكشافات نتيجة الاستيطان الدائم للسكان في تلك المناطق لوفرة المياه و المناطق الزراعية.
كما تم العثور على قطع صخرية على شكل وجه إنسان، و تمت تسمية القطعة الأولى "غسان" و القطعة الكبرى "أبو غسان"، كما تمكن فريق البحث من اكتشاف أول مصائد حجرية على شكل ما يعرف بـ"الطائرة الهوائية"، وفقا للطراونة، و هي منشآت أثرية مذهلة توجد في الشرق الأوسط، و تتكون هذه المصائد من جدران حجرية طويلة تتقارب نحو سياج حجري كبير يشكل نهاية المصيدة، و يوجد على محيط السياج غرف دائرية يتراوح قطرها بين 4 و6 أمتار، و هي عميقة بحيث تقع فيها الفريسة و لا تتمكن من الخروج.
اكتشفت هذه المصائد في بداية القرن 20 من قبل الطيارين، و سميت بالطائرات الورقية لأن أشكالها قريبة من ذلك، وفق الباحثين، و أطلق عليها الفريق المصائد الحجرية الأثرية، و كان يوجد مثل هذه المصائد في البادية الشمالية للمملكة، إضافة لذلك، اكتشف الفريق سلسلة مكونة من 8 مصائد حجرية ممتدة من الجنوب إلى الشمال في منطقة الخشابية الصحراوية، و على امتداد نحو 20 كيلومترا، و وظيفة هذه المنشآت هي صيد الحيوانات في تلك المناطق خاصة الغزلان، إذ تتم مطاردتها باتجاه تلك المصائد حتى تعلق فيها و لا تستطيع الهروب.
و يعود التأريخ لتلك المصائد لسبعة آلاف عام قبل الميلاد أي في العصر الحجري الحديث، يقول الباحث وائل أبو عزيزة، و يضيف أن التأريخ لهذه المنشآت أثبت أنها أقدم المنشآت الضخمة المعروفة حتى الآن في العالم.
و خلال بحث الفريق عن المصائد الحجرية، اكتشف مخيمات بشرية لصيادين و سكان بالمنطقة، على حد قول الباحثين، و لعلاقة هذه المخيمات بالمصائد الحجرية عثر الفريق على مجموعة من الأدلة، أبرزها وجود المخيمات بالقرب من المصائد، إذ عثر على 8 مخيمات بالقرب منها، و أثبت أن تاريخ تلك المخيمات معاصر تماما للمصائد الحجرية، و تم العثور في المنطقة على كمية كبيرة من عظام الغزلان الناتجة عن معالجة أنشطة اصطيادها في تلك المنطقة، و قدم البحث و التنقيب في هذه المنطقة معلومات جديدة و خلفية تاريخية عن الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية للصيادين، و تتكون هذه المخيمات من غرف شبه دائرية كوحدات سكنية وجد فيها مادة حضارية غنية و متنوعة تشمل صناعة صوانية جديدة و متميزة.
و عرّف الفريق هذه المخيمات بأنها كيان ثقافي محدد أطلقوا عليه "الثقافة الغسانية" نسبة لجبل غسان بالمنطقة المستكشفة، و يبدو واضحا من هذه المخيمات أن الغسانيين كانوا جماعة متخصصة في صيد الغزلان باستخدام المصائد الحجرية، و كانت مرتبطة بحياتهم الثقافية و الاجتماعية و حتى الرمزية في هذه المناطق النائية، بحسب الباحثين.
و هذا يعني اكتشاف أول و أقدم مخيمات سكن الصيادين المستخدمين للمصائد الحجرية في الثقافة الغسانية، و تتكون تلك المخيمات من مجموعة غرف دائرية الشكل و متلاصقة، عثر الفريق في وسطها على منشأة "طقسية" لها شكل غريب و مميز عن بقية الغرف، و تتكون من عدة أجزاء أهمها حجران منصوبان رسم عليهما وجه و رأس إنسان، و نحو 250 قطعة أثرية غالبيتها من المتحجرات البحرية.
و خلال المؤتمر الصحفي، قال الفايز إن الأردن مهد الحضارات و ما زال يبهرنا بما يخرج من باطن أرضه من المكتشفات الأثرية الجديدة، ليس على المستوى المحلي فقط، بل على المستوى الدولي أيضا، و تعد تلك الموارد الثقافية و المواقع الأثرية مصادر تعكس الهوية و المعرفة التاريخية و القيم الثقافية التي تمكّن الأفراد و المجتمعات من فهم ماضيهم بشكل أفضل، لمواكبة حاضرهم و الإعداد لمستقبلهم.
و وفق باحثين و علماء آثار، فإن الأردن عبارة عن متحف مفتوح يحوي أكثر من 15 ألف موقع أثري، تشكل صورة أثرية تشرح للباحثين تاريخ الإنسانية التي سكنت هذه الأرض.