الوطن

التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية جريمة مكتملة الأركان

المؤرخ زغيدي يعتبرها وصمة عار وشاهد على جرم الاستعمار

يرتبط تاريخ 13 فيفري من سنة 1960 بإحدى أفضع الجرائم، التي شهدتها البشرية، ويتعلق الأمر بالتفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية، والتي لا تزال آثارها مخلفاتها على الانسان والحيوان ظاهرة للعيان، ما يجعل منها جريمة لا تسقط بالتقادم.

التفجيرات جريمة..

لم تكتف فرنسا الاستعمارية بجرائم القتل والتنكيل بكل ما تعلق بالجزائر طيلة 132 سنة من الاستدمار، بل أقدمت على على تنفيذ تفجيرات نووية، منذ 62 سنة، دفع ثمنها الانسان وكل محيطه بصحرائنا الكبيرة.

وقال أستاذ التاريخ والمؤرخ محمد لحسن زغيدي في اتصال مع جريدة الرائد، بأن إداعاءات الفرنسيين وتسمية الجريمة بالتجارب مغالطة كبيرة، لأنه بين التجربة والتفجير فرق كبير.

وأضاف محدثنا، بأن التجربة عادة تكون في إطار محدود وبكمية معقولة، والتي تسمح بنجاح التجربة والتحكم في تأثيرها على مدى بسيط، أما ما وقع في صحراء الجزائر فهي تفجيرات سطحية غطت آلاف الكيلومترات، مشددا على أن التفجير الأول المسمى باليربوع الأزرق وصلت اشعاعاته لغاية الحدود الليبية.

وكشف زغيدي، بأن الخريطة المنشورة من طرف وزارة الدفاع الفرنسية سنة 2014، تبين بأن الإشعاع مس كل منطقة غرب افريقيا وجزء كبير من وسط افريقيا وكل شمال افريقيا ووصل حتى جنوب أوروبا، ما يبين بأن الجريمة كان وقعها كبيرا، إذ أن التفجيرات التي بلغت مداها مئات الآلاف الكيلومترات لا تعد تجارب وإنما تفجيرات معدة ومخططا لها وجريمة عن سبق إصرار وترصد وأن التفجيرات النووية التي قام بها المستعمر تدخل في إطار السباق نحو التسلح، ولذلك فهي جريمة ضد الانسانية وضد كل مكونات الطبيعة والبيئة.

ووصف زغيدي، تفجيرات 13 فيفري 1960 بأنها أقسى جريمة ضد الإنسانية والحيوان والطبيعة،  ويشهد التاريخ أن الجزائري كان أحد تجارب فرنسا الاستعمارية، من خلال التفجيرات النووية التي مست منطقتي رقان وإن يكر.

 فرنسا لا تعترف بالجرم..

 

 ويرى المؤرخ محمد احسن زغيدي، بأن تفجيرات رقان وإن يكر، تبقى وصمة عار في جبين المستعمر، لكن رغم مخلفاتها الكبيرة على الانسان والحيوان والطبيعة، إلا أن فرنسا لحد اليوم لا تعتبر نفسها مجرمة، وهو التفكير الذي ينطبق على كل ما قامت به في حق البلدان التي استعمرتها.

 وأضاف محدثنا، بأن فرنسا تعتبر  الدولة الوحيدة في العالم التي لم تعترف بجرائمها، والدليل ما وقع في بلادنا طيلة 132 سنة، إذ لم تعترف بما تركت من مخلفات للتفجيرات النووية وكذا الاشعاعات النووية التي غطت مناطق كبيرة من صحرائنا.

وما يبرز عدم اعترافها بجرائمها، هو عدم قيامها حتى بمبادرات لتنظيف وتطهير المحيط والمناطق التي تعرضت للاشعاعات، والتي توجد بها للغاية اليوم العديد من مخلفات عمليات التفجير من أسلاك وكذا بعض المعدات التي خصصت لتنفيذ التفجيرات، سواء في إن يكر أو رقان، ما يجعل الجرم يتسع سنة بعد سنة، التي تعتبر من أفضع وأشنع الجرائد الدائمة في تاريخ البشرية.

وشدد أستاذ التاريخ والمؤرخ محمد لحسن زغيدي، على أن فرنسا تبقى عبر التاريخ بلدا مجرما وحربها ضد الانسان الجزائري لم تنتهي لليوم، لأنه كل سنة نسجل العشرات من المواليد المشوهين و الأشخاص المرضى جراء الاشعاعات النووية، وباتوا  يدفعون ثمن ما قامت به الآلة الاستعمارية من جرائم، منذ أزيد من 60 سنة.

 مخلفات شاهدة على الجريمة..

 وتبقى مخلفات وآثار التفجيرات النووية، التي شهدتها صحرائنا بكل من رقان وإن يكر، تبرز همجية المستعمر، بالموازاة مع استمرار بروز تداعياتها الخطيرة على صحة السكان والبيئة، في الوقت الذي يرفض المستعمر الاعتراف بجريمتها والعمل للتقليل من مآسي الجريمة الفظيعة.

وأكد المتحدث، بأن التفجيرات كانت لها آثار وخيمة على الإنسان بظهور أنواع متعددة من مرض السرطان ومن العمى المؤقت والدائم وعلى الجانب الجيني، بازدياد مواليد مشوهين، منهم حالات لأطفال بدون أطراف وأخرى بعدة أطراف، يضاف لها العقم.

كما مس التشويه الحيوانات والنباتات، حيث أن المحاصيل الزراعية أضحت مشبعة بالإشعاعات النووية، علاوة على الطيور وخاصة المهاجرة التي تشكل خطرا كبيرا لكونها تنقل الاشعاعات لمختلف الأماكن التي تحط بها، كما أن التأثير كان على المياه السطحية، من خلالها وصولها للمياه الجوفية، ما يجعلها معرضة للتشبع بالإشعاعات النووية، وهو ما يجعلها خطر داهم على صحة سكان المناطق، التي مستها التفجيرات النووية.

وفي ذات الصدد، قال زغيدي، بأن المناطق التي كانت حقلا لتجارب المستعمر الفرنسي في كل من منطقة الحمودية برقان تعتبر ذات كثبان رملية متحركة، ما يجعل الإشعاع ينتقل من مكان لأخر، ما يبرز الآثار والأخطار الكبيرة، التي خلفتها التفجيرات النووية على المحيط البشري بالدرجة الأولى وعلى الكائنات الحية التي تعيش بهذه المناطق، خاصة وأن تأثيرها يمتد إلى عشر ملايين سنة.

ويبقى سكان المناطق، التي مستها التفجيرات النووية والجرائم الاستعمارية يعانون الأمرين لحد الساعة، لكونهم ضحايا لتبعات كل الأمراض التي تخلفها الاشعاعات، التي تعتبر كالموت البطيء، وهو جرم وحرب على الإنسانية.

 شهادات على الجريمة..

 وتوثق العديد من الدراسات التاريخية فظاعة جريمة التفجيرات النووية في كل من الحمودية برقان وإن يكر بالأهقار، والتي كشفت عن الانعكاسات السلبية والأضرار الخطيرة الناجمة عن هذه التفجيرات النووية، والتي لم يسلم منها لا الإنسان ولا الحيوان ولا البيئة ولا حتى الرمال.

وأكد أستاذ التاريخ محمد لحسن زغيدي بأن العديد من الدرسات التاريخية تطرقت لملف التفجيرات النووية في التي كانت صحرائنا مسرحا لها واستعمل فيها الانسان والحيوان والمحيط البيئي حقلا لجرائمهم.

وأشار إلى أن العديد من الدراسات وكذا التحقيقات تعمقت في دراسة تاريخ التفجيرات ومدى تأثيرها ومفعولها، على غرار دراسة البروفيسور كاظم العبودي، وكذا معهد الدرسات النووية، بالإضافة إلى دراسة لمحدثنا الأستاذ محمد لحسن زغيدي حول التأثيرات ومخلفات الاستعمار على الانسان والبيئة.

كشف محدثنا، بأن دراسته حول ملف التفجيرات النووية بكل من الحمودية وإن يكر،  تخللتها استجوابات، وشهادات ممن عاشوا الحدث ووقعوا ضحية للتجارب، على غرار سكان منطقتي رقان وإن يكر، يضاف لها شهادات للفرنسيين ممن عملوا في التحضير التفجيرات وانعكست عليهم وظهرت عليهم آثار مرضية وأخرى نفسية.

وفي المقابل ترتفع بين الحين والأخر العديد من الأصوات، التي تطالب المستعمر الفرنسي الإعتراف بجرائمه بحق الجزائريين، والعمل على تنظيف المناطق التي مستها التفجيرات النووية ولا تزال آثارها وخيمة على كل الكائنات الحية، فمتى يستمع المستعمر لصوت العقل.

من نفس القسم الوطن