الوطن
دفعة قوية لسياسة "الإنعاش الاقتصادي"
منحى أسعار النفط في ارتفاع وتوقعات ببلوغ الـ 100 دولار
- بقلم ف م
- نشر في 30 جانفي 2022
شهدت أسعار النفط الخام العديد من التقلبات خلال السنتين الأخيرتين، في ظل الوضع الصحي المرتبط بتفشي فيروس كورونا وفرض العديد من الدول قيودا على حركتي النقل والتنقل، ما تسبب في تقويض الاقتصاد العالمي وانخفاض الطلب على النفط الخام بشكل كبير، قبل أن تسجل في الفترة الأخيرة ارتفاعات محسوسة لم تسجلها منذ سنة 2014، فكيف ستكون تداعيات هذا الارتفاع على الاقتصاد الوطني.
تخطت أسعار النفط الخام عتبة 90 دولارا للبرميل الواحد نهاية الأسبوع المنقضي، مواصلة تحقيق مكاسب جديدة لها، في ظل التوترات الجيوسياسية في أوكرانيا والتخوفات من عدم قدرة العديد من الدول المنتجة على الوفاء بإلتزاماتها، بالموازاة مع ارتفاع الطلب على النفط الخام.
صحاري بلند يتجاوز 92 دولارا..
سجلت أسعار النفط الخام الجزائري "صحاري بلند" بداية الأسبوع الجاري أكثر من 92 دولارا للبرميل الواحد، مواصلة تحقيق مكاسب جديدة لها منذ أزيد من شهرين، بالموازاة مع تزايد الطلب العالمي على النفط الخام.وأشار مؤخرا تقرير منظمة أوبك، بأن إنتاج الجزائر من النفط الخام ارتفع خلال شهر ديسمبر من السنة المنقضية، بأزيد من 10 آلاف برميل يوميا، بالمقارنة مع شهر أكتوبر، حيث بلغ متوسط الإنتاج من النفط الخام 964 ألف برميل يوميا.
كشف التقرير الشهري الصادر عن منظمة الدول المصدرة للنفط، بأن الجزائر على غرار العديد من الدول المنتجة للنفط حققت قفزة في كميات النفط الخام المنتجة خلال العام المنقضي، وسجلت سنة 2021 متوسط انتاج يومي قدر بـ 908 ألف برميل، بعدما كان لا يتجاوز متوسط الإنتاج 897 ألف برميل يوميا سنة 2020، وهو الوضع الذي من شأنه أن يساهم في تحسين والرفع من العائدات بالعملة الصعبة للخزينة العمومية، خاصة في ظل عجز الموازنة المسجل.
ويتوقع أن تحقق الجزائر عائدات هامة من ارتفاع أسعار النفط الخام خلال العام الحاري، على خلفية ارتفاع انتاجها اليومي وتواصل المنحى التصاعدي للأسعار في الآونة الأخيرة، بالموازاة مع تعافي الطلب العالمي على النفط الخام ومواصلة مجموعة أوبك بلوس إقرار زيادات شهرية من الإنتاج.
النفط يواصل ارتفاعه..
ارتفعت أسعار النفط الخام نهاية الأسبوع المنقضي، محققة سادس مكاسب أسبوعية لها، وسط مخاوف من شح الإمدادات مع استمرار المنتجين الرئيسيين في سياستهم المتمثلة في زيادة الإنتاج المحدودة وسط ارتفاع الطلب على الوقود. وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت بحوالي 0.6 بالمئة مسجلة 89.91 دولارا للبرميل الواحد، بعد كانت قد وصلت إلى 91.04 دولار في وقت سابق، وهو أعلى مستوى منذ أكتوبر 2014، كما ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط ب 0.6 بالمئة لتبلغ أسعارها خلال التعاملات لـ 87.15 دولار للبرميل.
وساهمت انحسار المخاوف المتعلقة بالمتحور الجديد لوباء كورونا "أوميكرون"، ومواصلة تخفيف قيود الحركة، وتعافي الطلب على الوقود، في ارتفاع أسعار النفط الخام في الآونة الأخيرة، كما أن التوترات الجيوسياسية الحاصلة في كل من أوكرانيا وكازاخستان لعبت دورا كبيرا في تأثر سوق النفط، يضاف لها العلاقات المتوترة بين واشنطن وطهران، ما سيجعل الأسعار تحقق المزيد من المكاسب.
وفي سياق متصل أدى تخفيف العديد من الدول للقيود المفروضة على حركة النقل والتنقل للأشخاص والسلع وعدم لجوئها لفرض تدابير اغلاق جديدة مع اكتشاف المتحور الجديد لفيروس كورونا بجنوب افريقيا، في الرفع من الطلب العالمي على النفط الخام، في الوقت الذي كشف التقرير الشهري لمنظمة أوبك عن بياناتها العام الجاري، مؤكدة بأن توقعاتها تصب في خانة تسجيل ارتفاع في الطلب العالمي على النفط الخام.
ايجابيات ارتفاع الأسعار..
وكشف أمس الخبير الاقتصادي والنائب في المجلس الشعبي الوطني عن حركة البناء عبد القادر بريش، في حديثه لجريدة الرائد، بأن تعافي أسعار النفط الخام وتواصل ارتفاعها في الآونة الأخيرة ستكون لها العديد من الآثار ايجابية على الاقتصاد الوطني.وأوضح بريش، بأن الآثار الايجابية لإرتفاع أسعار النفط تتمثل في تعزيز عائدات الجزائر من العملة الصعبة وزيادة مخزون احتياطي الصرف، بالإضافة إلى تحقيق الصلابة المالية للجزائر والقدرة على الدفع والمساهمة الايجابية في تحقيف التوازن الاقتصادي الكلي وخاصة تحقيق توزان ميزان المدفوعات، علاوة على تحقيق فائض ايجابي في رصيد ميزان المدفوعات.
وأضاف الخبير الإقتصادي، بأن الارتفاع والمستوى الذي بلغه سعر برميل النفط في الآونة الأخيرة، والذي عتبة 90 دولارا للبرميل الواحد، ستكون له انعكاسات ايجابية على تعزيز ودعم توازن المالية العمومية من خلال زيادة حصيلة الايرادات الجبائية من الجباية البترولية وتقليص عجز الموازنة العامة للدولة، كما أكد أن ارتفاع اسعار النفط سيعزز من رصيد صندوق ضبط الايرادات، خاصة وأن أسعار النفط الخام لم تصل لهذه المستويات منذ أزيد من 8 سنوات.
كما ستساهم أسعار النفط الخام في زيادة الإستثمارات العمومية الممولة عن طريق الميزانية، مما سينعكس دون شك في زيادة ميزانية التجهيز في السنوات القادمة المئوية على فرضية استمرار واستدامة هذا الارتفاع في أسعار النفط على المدى المتوسط وبقائها فوق مستوى 80 دولارا، كما تشيىر العديد من التوقعات على الاقل خلال سنتي 2022 و2023، يضيف محدثنا.
انعكاسات سلبية للارتفاع..
وأكد الخبير الاقتصادي، بأن الجوانب والتأثيرات غير المرغوبة نتيجة ارتفاع اسعار النفط على الاقتصاد الوطني، ستكون ارتفاع تكاليف الانتاج في الدول المصنعة، ما سيترتب عنه ارتفاع أسعار السلع المستورد، ما سيتسبب في موجة من التضخم المستورد وينعكس سلبا على ارتفاع السلع في السوق الوطنية ويؤدي إلى تدهوى القدرة الشرائية للمواطن.
وأضاف محدثنا، بأن هذا الارتفاع في أسعار النفط سيؤدي بنا للعودة إلى انتهاج عقلية الريع واستسهال الأمور نتيجة توفر الأموال والتوجه إلى تبني السياسات الشعبوية وتأجيل الإصلاحات الهيكلية في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، كما قد يؤدي ارتفاع اسعار النفط الخام لعودة البحبوحة المالية وما يترتب عنها من عودة مظاهر الفساد وغير ها من الظواهر السلبية المعيقة لتطور الاقتصاد الوطني، يضيف عبد القادر بريش.
وفي المقابل، تشكل عودة ارتفاع اسعار البترول الى هذا المستوى فرصة سانحة وفرصة ذهبية على متخذي القرار الاقتصادي لاغتنامها ومباشرة الإصلاحلات الاقتصادية والاجتماعية الهيكليةوالابتعاد عن عقلية الريع وحسن توظيف هذه الفسحة المالية لتنويع الاقتصاد وتحقيق الاقلاع الاقتصادي الحقيقي.وفي سياق متصل، أكد الخبير الطاقوي بوزيان مهماه في منشور له على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، بأن النفط في اتجاه لتسجيل "عجز ثلاثي".
وأوضح، بأن الأمر يتعلق بانخفاض مخزونات النفط، خصوصا في منطقة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2000، انخفاض الطاقة الإنتاجية الاحتياطية لمجموع الدول المنتجة للنفط، وكذا انخفاض الاستثمارات في صناعة النفط خاصة في المنبع. وأضاف بأن ملمح أسعار خامات النفط، ومنحى اتجاهها سيبقى متموجا خلال هذه السنة 2022، و سيكون ملمح شهر ديسمبر 2021 هو النموذج الذي سيتولد و سيكون بارزا خلال هذه السنة، مشيرا إلى أن منحى الأسعار خلال نهاية الأسبوع المنقضي شاهدت وصول سعر برميل خام برنت سقف الـ 90 دولار، ليعاود النزول في نفس اليوم بأربعة دولارات إلى مستوى الـ 86 دولارا.
استغلال الارتفاع ضروري..
وشدد عبد القادر بريش في حديثه لجريدة الجرائد على ضرورة استغلال ارتفاع أسعار النفط، مقترحا في ذات السياق استثمار هذه الموارد المالية في المشاريع العمومية والعمل على تعزيز البنية التحتية وخاصة في قطاع شبكة النقل بالسكك الحديدية واستكمال الطريق العابر للصحراء واطلاق مشروع انجاز ميناء الحمدانية بتيبازة وغيرها من المشاريع الهيكلية.
كما دعا النائب البرلماني لاستغلال فترة الصعود في أسعار النفط لاطلاق المشاريع المتوقفة والمزيد من ترشيد النفقات والمضي قدما في الاصلاحات الاقتصادية الهيكلية وتنويع الاقتصاد الوطني وتطوير الشعب الصناعية، خاصة منها الصناعات التحويلية والصناعات البتروكيماوية. وأضاف بأن الوضع مناسب للشروع في تجسيد مشاريع الانتقال الطاقوي والانفاق على تطوير المنظومة الصحية ومنظومة التعليم، بالإضافة إلىالحرص على تحقيق متطلبات الانتقال الرقمي وتطوير الرقمنة والدفع الالكتروني، علاوة على السعي لتطوير البنية التحتية في مجال اللوجستيك.
كرونولوجيا أسعار النفط..
استطاعت أسعار النفط في سنة 2021 تعويض الخسائر الكبيرة، التي تكبدتها الدول المنتجة خلال سنة 2020، على خلفية الركود الاقتصادي، الذي انجر عن تفشي فيروس كورونا، إذ تهاوت أسعار النفط لتسجل أقل من 30 دولارا للبرميل الواحد.
وقد شهد عام 2021 انتعاشا كبيرا في أسواق النفط سواء من حيث العرض والطلب، وذلك بفضل الحركية التي مست الاقتصاد العالمي في ظل تخفيف قيود الغلق، التي مست العديد من الدول وارتفاع نسب التلقيح ضد الفيروس، ما سمح بعودة حركية نقل وتنقل الأشخاص والسلع، وارتفاع مستوى الطلب على النفط الخام.وبدأت أسعار النفط الخام عام 2021، عند مستويات لا تتجاوز 51 دولارا للبرميل الواحد، ومنذ ذلك الحين شهدت الأسعار العديد من التقلبات، إلا أنها بقيت في مستويات أفضل من سنة 2020.
وقفز خام برنت إلى مستوى 85 دولارا للبرميل الواحد في الربع الثالث من 2021، بعد أن هبط لأقل من 30 دولارا في الربع الأول من عام 2020، ما جعله يحقق مكاسب كبيرة خلال 2021، غير أنها تراجعت قليلا عن مستوياتها المرتفعة مع ظهور المتحور الجديد لفيروس كورونا أوميكرون.واتخذت أسعار الخام مسارا تصاعديا منذ بداية العام الحالي، حتى وصلت إلى أعلى مستويات لها منذ 2014، وتسجل تداولات الأيام الأخيرة للنفط الخام أسعارا تتراوح بين 86 إلى 92 دولارا، مع توقعات بمواصلة ارتفاعها خلال الأيام القليلة القادمة.